بقلم :رابح لونيسي توصل عالم إجتماع الثورات كرين برنتون في دراساته إلى نتيجة مفادها أن الثورات عادة ماتقوم بدورة، فتعود إلى نفس الأوضاع الإجتماعية التي انطلقت منها، لكن بأشكال أخرى، ويبدو أن الثورة الجزائرية التي أستهدفت تحقيق الديمقراطية والعدالة الإجتماعية بالقضاء على النظام الإستعماري الإستغلالي قد عادت في السنوات الأخيرة إلى نفس نقطة البداية، فجزائر اليوم متجهة إلى إقامة نظام جديد، ستكون فيه السيطرة لرجال المال، الذين سيأخذون مكان المعمرين الأوروبيين في الماضي، وسيكون لهم نظاما لحمايتهم، كما كان النظام الإستعماري يحمي المعمرين الأوروبيين الإستغلاليين، وقد بدأت مظاهره في بروز الأحياء الراقية جدا المحروسة والمعتنى بها بعناية مقابل أحياء شعبية، يتآكل سكانها فيما بينهم لأسباب تافهة تغذيها عناصر من النظام، ولاتتدخل السلطة إلا بعد تعفن الوضع، وتزداد الأحقاد، كما وقع في غرداية ومناطق أخرى. تعود جذور هذه التحولات إلى الثمانينيات، وترافقت مع صعود البترودولار، ينقل المؤرخ محمد حربي في كتابه "الجزائر ومصيرها- مواطنون أم مؤمنون-" الصادر في 1990، بأن مجموعة من رجالات الدولة أقترحت عند التحضير لمؤتمر الآفالان في 1984 إستبدال تسمية "الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية" ب"الجمهورية الإسلامية الجزائرية"، وذلك على نفس طريقة الدكتاتوريين النميري في السودان وضياء الحق في الباكستان، وذكر حربي أسماء بعض هؤلاء الرجالات، لكنهم لم يردوا عليه، أو يكذبونه، واختفى وراء الإقتراح أفراد كونوا ثروة كبيرة بإستغلال النفوذ السلطوي، ورأوا في قوانين ومؤسسات أنها معرقلة لتبييض أموالهم، واستهدفوا بفكرتهم تمرير مشروعهم ومصالحهم تحت شعارات مدغدغة لعواطف الشعب الدينية، فبغض النظر عن مدى صحة مانقله حربي من عدمه، إلا أنه يطرح أمامنا مسألة تمرير مشاريع لاتخدم الأمة تحت الشعارات الرنانة، خاصة الدينية منها. يلاحظ اليوم وجود علاقة بين رجالات المال الجدد الذين يقومون بعملية الإستيراد فقط وبعض مشايخ الدين المؤثرين بقوة في بطالين يستعينون بتسويق سلع المستوردين الكبار في الأسواق الموازية لإعالة أسرهم، ونسي هؤلاء المساكين بأنهم ضحايا سياسات تحطيم الصناعة الوطنية لصالح مستخدميهم، والتي دشنها في الثمانينيات وزير أول أصبح من أشد داعمي الفيس المنحل، وقام بذلك تحت غطاء "إعادة هيكلة المؤسسات"، ليواصل نفس المهمة فيما بعد وزراء ورؤساء حكومات متحالفين مع هؤلاء المستوردين الكبار. فكما للمعمرين الأوروبيين مشايخهم لتخدير الشعب، فإن للمعمرين الجدد مشايخ يخدرون، ويلهون الشعب بنقاشات عقيمة مفتتة للأمة، ويشوهون القوى الوطنية الديمقراطية، ويبررون ممارسات مدمرة للإقتصاد الوطني كتسميتهم الرشوة ب"الإكرامية"، ويشجعون التجارة على حساب إقامة صناعة وطنية التي ستهدد مصالح مستوردي سلع مصانع الرأسمالية العالمية، ويروجون لرفض كل التعاملات البنكية دون إعطاء بدائل عملية أخرى، فيشجعون بذلك التعامل بالشكارة، وإيجاد منفذ لتبييض أموال الرشاوي والإرهاب والمخدرات وغيرها بشراء العقارات دون المرور بالبنوك خوفا من مساءلتهم عن مصادر هذه الأموال