أثناء مرور النظام الجزائري بمرحلة الضعف التي أصابت الكثير من البلدان بعد سقوط المعسكر الشيوعي، كانت حركات الإسلام في الجزائر “الوهابية” تتبنى منطق المغالبة واستعراض عضلات القوة على النظام في صيف 1991، ولما فشل مشروع القوة لجأت الوهابية إلى حيلة شرعية أخرى، وهي موالاة النظام القائم، فمنحت الجزائر التي دخلت في دوامة الإرهاب بداية من 1992 لهؤلاء الوهابية الموالين للنظام كل شيء نظرا للضعف الذي أشرت إليه، وأملا في أن يوقف هؤلاء الموالون”نفاقا” للنظام شلال الدم الذي بدأ يسيل، فاستولوا على المساجد وراحوا بالمنطق الإرهابي نفسه يفسقون ويكفرون كل من لا يدين بمذهبهم وطريقة لباسهم وصلاتهم. وهم بهذا الصنيع يهيئون الأرضية للذين حملوا السلاح ضد الدولة، وليس ضد المجتمع، بأن يبيحوا دماء الشعب ما دام على غير مذهبهم فكانت القنابل المفخخة التي لم تنج منها حتى التجمعات في مقابر الشهداء ترجمة للمنطق الوهابي الموالي للنظام في إباحة دماء العوام، والفرق بين الذين حملوا السلاح منهم والذين لم يحملوه وهم أبناء مدرسة واحدة، إنما هو كامن في تبادل الأدوار بينهم فقط لأنهم يجتمعون كلهم حول معاوية ويزيد وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب في آخر المطاف. بعض خبراء نظامنا البارعين في السياحة الجنسية وتحويل الأموال لم يكونوا على دراية بهذا الخطر المحدق بالأمة، والذين كانوا يحذرون من هذا الخطر كانوا في خانة قول الإمام علي “لا رأي لمن لا يُطاع” ثم صب أولئك”الخبراء” لهيب غضبهم على إيران التي عارضت وقف العملية الانتخابية في جانفي 1992، وقالت في بيان لها إن أنصار الحزب المحظور”وهم الأغلبية” في ذلك الوقت قد تعلموا من الثورة الإسلامية في إيران صيحات الله أكبر، ومناهضة الظلم والاستبداد، وهو في نظري خطأ صادر عن حسن نية مع عدم الإحاطة من جميع الزوايا بإشكالات الحركة الإسلامية في الجزائر، ومن يدير لعبتها من وراء ستار، فكان ذلك سببا في قطع العلاقات بين البلدين إلى غاية مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتربعه على سدة الحكم سنة 1999، حيث أعاد العلاقات إلى حميميتها وتبادل رئيسا البلدين الزيارات وأبرما النظامان الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية والصناعية، ولكن الوهابية عبر سدنتها ومأجوريها تحاول إلى غاية هذه الساعة أن تُلصق تهمة الإرهاب بإيران وليس بتحريض مشايخ الوهابية في الخليج الذين شجعوا في بداية الأمر من جانفي1992 إلى ما قبل مجيء الرئيس بوتفليقة، أولئك الإرهابيين على مقاتلة النظام الذي وصفوه بالكافر، ثم تراجعوا وتبنوا موقفا مغايرا لما فشل التغيير بالسلاح أسلسوا القياد لموالاة النظام من أجل تغييره بالنباح. وتظاهر علماء البترودولار بأنهم مشفقون على الجزائر حين أصدروا فتاوى تطالب الإرهابيين بوضع السلاح، أي أن هؤلاء هم من يضرم نار الفتنة وهم من يزعم إطفاءها، وإذا وجدوا الفرصة لإضرامها فلن يتأخروا مثلما فعلوا مؤخرا مع بعض زعماء الحركات الإسلامية في الجزائر، حيث استقبل أحدهم السفير الفرنسي والأمريكي وراح يقول، كما جاء في جريدة “الشروق”، بمباركة أي ثورة تطيح بالنظام في الجزائر، وأنه كما قال حرفيا بالبنط العريض حسب الجريدة “مستعد لاستلام الحكم؟ “ودرت ضرع الجهات التي تضرم نار الفتنة في الجزائر، فجادت عليه بالمال ففتح قناة تلفزيونية، وهو الذي صرح قبل فتحها بأيام في حواره مع هابت هناشي بقناة النهار أنه “زوالي” ويعيش على الكفاف، وهذا سبب من الأسباب التي جعلت الشعب يصفعه في تشريعيات ماي 2012، وراح أحد الفارين المطرودين بسيف عدالة النظام الجزائري مؤخرا يفتري فرية أكبر من الدنيا كلها في أكثر الجرائد “مقروئية”، وهي أن إيران هي من دربت الإرهابيين على ترابها وأرسلت بهم إلى الجزائر. وأنا لم أجد في سلسلة أسماء الإرهابيين من قادة وأتباع شيعيا واحدا أو مالكيا أوحنفيا أو شافعيا أوإباضيا، بل كلهم على مذهب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب. أخطأت إيران في إصدار بيانها، كما تسرع السادة “الخبراء” في الجزائر في التعجيل بقطع العلاقات بين البلدين حتى يخلو الجو للوهابية، فتبيض وتفرخ في أدمغة شبابنا وشاباتنا عبر المنابر الممنوحة لها بالآلاف كما تشاء، ولا أحد لديه الشجاعة أن يحقق عبر قناته أو جريدته في الكتب التكفيرية التي يؤلفها مشايخ الوهابية وتطبع بالملايين لتوزع على شعوب المغرب العربي، خاصة الجزائر، على ملايين البشر فتشحنهم بفكر التكفير والتفجير. وفي تدخلي مؤخرا في المؤتمرين الدوليين اللذين دُعيت إليهما وأقيما في العاصمة طهرانبإيران، وهما مؤتمر المجمع العالمي لأهل البيت من 11 إلى 14 سبتمبر2011 والمؤتمر الدولي للصحوة الإسلامية من 17 إلى 18 سبتمبر2011 ، وقد شارك فيه حتى أبو جرة سلطاني، مثله مثل الدكتور كمال الهلباوي، غير آبهين بمقاطعة جماعة الإخوان العالمية لهذا المؤتمر خوفا من أن ينقطع عنهم الدعم من قطر وغيرها من دول دعم الإرهاب، قلت أول ما قلت أمام الحضور من مختلف دول العالم في كلمتي المحددة بخمس دقائق: وطني الجزائر نخلة في مهجتي أغصانها والمُجتنى إيرانُ وإذا الفروع عن الأصول تباينت فالملتقى والمرتقى الوجدانُ وإذا بقم صلى أطهار الورى فمن الجزائر أذن الأذانُ وكانت الكلمة منقولة على المباشر عبر عدة قنوات محلية وفضائية، وتطرقت إلى أن الكثير من الثورات لا تخرج عن أربعة أقسام، وهو ما كتبته مسبقا قبل حدوث هذه الثورات وهي: 1 - ثورات مستبدة تعارض أنظمة مستبدة، وفي هذه الحال ما الفائدة من استبدال معاوية بيزيد وهشام بالوليد؟ 2 - ثورات مستبدة تعارض أنظمة ديمقراطية، وهذه الثورات تستمد استبدادها من معاوية ولا تؤمن إلا بالحاكم الأوحد ومن عارضه بالقلم أو بالفم وجب قتله، وهي إذا رفعت شعار الإسلام فلن أناصرها ما دامت تقنن قتل المعارضين، لأنني أناصر العلماني الديمقراطي الذي يحترم حقوق الإنسان وحقه في المعارضة والاختلاف، ولا أناصر الذي يكذب على الإسلام بمصادرة الآراء. 3 - ثورات ديمقراطية تعارض أنظمة مستبدة، وهذه هي الثورات التي تجب نصرتها على كل حر، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية 4 - ثورات ديمقراطية تعارض أنظمة ديمقراطية. والحركة الإسلامية في الجزائر الممثلة في الحزب المحظور، في أي قسم من الأقسام الأربعة هذه التي لا خامس لها يمكن أن نصنفها؟ أليس هذا الحزب هو من كتب “الدمغة القوية في نسف عقيدة الديمقراطية”، وهو مبرر كاف للاستبداد؟ أليس هذا الحزب هو من كفر الإمام الخميني الذي أطاح بأكبر نظام مستبد وبأكبر عميل لأمريكا وبني صهيون؟. فإذا كان يُصنف في القسم الأول المشار إليه أعلاه فإن نظام الشاذلي بن جديد الذي عارضه أفضل تسامحا منه بآلاف المرات، وعندما زال نظام الشاذلي جاء بعده نظام الحجاج حيث التقى بعبد الله بن الزبير “جبهة الإنقاذ”، وهدمت كعبة الديمقراطية على يد الفريقين.