إعداد:رمضان نايلي لا يَختلفُ اثنان بأنَّ انتفاضات المُسمى ب " الرَّبيع العربيّ "، حوَّلت القضيَّة الفلسطينيَّة، من قضية العرب الأولى إلى قضية هامشية، أمام الرَّاهن المُلتهب، وقد وصلت الانعكاسات السلبيَّة لهذه الانتفاضات إلى أغلب الدّول العربيَّة حتى لا نقول كلّها، بما فيها تلك التي لم تجتاحها موجاتها. ومسّت جميع المجالات دون استثناء، سواء أكانت السّياسيَّة أم الاجتماعيَّة أم الاقتصاديَّة أم الثَّقافية أم الأدبيَّة، واخترنا في هذا العدد ملفاً خاصاً بالأدب الفلسطينيّ، وقد طرحنا سؤالين في هذا السّياق على مجموعة من الأدباء الفلسطينيين، وهما: ماهو واقع الأدب الفلسطينيّ اليوم ..؟ وماهي انعكاسات انتفاضات الرَّبيع العربيّ على الحياة الأدبيَّة في فلسطين ..؟ إياد شماسنة، شاعر وروائي فلسطينيّ " الأدب الفلسطيني كان محركاً أساسياً للربيع العربي بكشفه عن التواطؤ الذي تسبب في ضياع فلسطين " أعتقد أن العلاقة بين الأدب الفلسطيني والربيع العربي أكثر تعقيداً من إدراكها في عجالة، حيث أن الأدب الفلسطيني وخصوصاً الأدب المتعلق بالقضية كان محركاً أساسياً للربيع العربي بكشفه عن التواطؤ الذي تسبب في ضياع فلسطين، وعن التقاعس الذي أدى إلى تشرد الشعب الفلسطيني، وبذلك فإن العلاقة بينهما علاقة متداخلة بين مؤثر ومتأثر، لكن الربيع العربي لم ينضج بعد لكي يمكن قياس تأثيره المباشر والواضح على الأدب الفلسطيني، وإن كان هناك تأثيرات شكلية ناجمة عن خيبة الأمل من نتائج الربيع العربي الحالية، لكني أعتقد إن التداعيات المستقبلية وارتداد سقوط العروش ستفرز في المستقبل ما يمكن أن يكون ملحوظاً بشكل أكبر . والأدب الفلسطيني هو جزء من الأدب العربي مضاف إليه خصوصية الصراع المصيري لاسترداد الحق الضائع، لذا لا يمكن التحدث عن الأدب الفلسطيني منفرداً وخصوصاً بعد الانفتاح على التجارب العربية المتميزة، والتواصل مع المبدعين الفلسطينيين في الشتات. لقد أصبح الأدب الفلسطيني اليوم بعد الخيبات المتتالية أدباً إما يبحث في الجذور وقضايا الأصل والهوية أو أدباً ناقداً لمخرجات المراحل السياسة السابقة، أو أدب اعتراف ومذكرات ذاتية، وسيرة بمختلف أنواعها، أو أنه أدب يحاول الاعتراف اللطيف بالهزيمة، في وسيلة دفاعية لتبرير تقبل الأمر الواقع المفروض وهروباً من المستحقات الصعبة. يجب أن لا ننسى أن هناك أدباً فلسطينياً كتبه فلسطينيون وأدباً كتبه عرب أو أجانب عن فلسطين وقضاياها، وهما يتلاقيان في نهر المعرفة في الأدب الفلسطيني مع اختلاف المستويات بشكل هائل. نبيهه عبد الرازق، أديبة فلسطينية " الأدب الفلسطيني استطاع رغم الشَّتات أن يعبر عن الإنسان المناضل" الكتابة بإحدى صورها هي صناعة لتغير وجه المعركة الحياتية، بل هي إعادة توجيه الدفة إلى ما يشغل بال الكاتب واهتمامه من قضايا بات يظن أنها انعكاس وجوده وتصوراته، فمهمة الكاتب ليست الثرثرة ولا التوثيق ولا التأريخ، بل هو قادر على تجاوز الأحداث والتغيرات السائدة وإعادة الخلق دون الوقوع في اجترار القائم. الكاتب بانعكاسه الروحاني هو صوت الفكرة والحلم والأمنيات، هو المفتاح لتحقيق معادلة التناغم بين الواقع الذي يدور حوله وبين خياله وطموحه ليسمو على الأوجاع العامة والخاصة. يبحث في الحياة والحقائق، في الواقع والخيال، يترقب ويرصد، يقارن ويتنقل بين الأماكن والأزمنة ليكون العمل الكتابي عمل إبداع وإمتاع وتفكُر، ليكون محطة تساؤلات وتأملات للقارىء القادم في الزمن البعيد. والأدب الفلسطيني له خصوصيته الإنسانية التي فرضت عليه أن يظل منتبهاً لهموم الإنسان في العالم رغم كل ما يمارس ضده من فاشية نادرة من قبل محتل هو نقيض لكل ما هو إنساني. وقد استطاع الأدب الفلسطيني في الأرض والشتات أن يعبر عن الإنسان المناضل، الساعي دوماً إلى التحرر وإعادة إنتاج عالم أكثر حقيقية وجمالاً. الكاتب الفلسطيني يحمل ثقلاً كبيراً من حيث ما عليه من نضال ضد الإحتلال وضد الرؤى السائدة حوله مما يجعله مطالباً بالاقتراب والكتابة عن القضايا الأساس في حياتنا مثل الهوية الوطنية، الأرض المستلبة، قضية الأسرى واللاجئين، فقضايانا شائكة وأسئلتنا عادلة وأحلامنا مشروعة تتلخص في حياة أساسها التحرر من الاحتلال كما التحرر من الخوف والغربة. الكاتب الفلسطيني هو كاتب متعب، عليه أن يستخرج أفضل ما عنده، فهو من جهة يحبس أنفاسه ويترقب، ومن جهة أخرى يجد نفسه ممزقاً يعيش حيوات متنوعة ليحقق التوازن المستحيل بين الهم المعيشي اليومي وهم السمو الفكري والروحي، وأن عليه أن يتعالى في لحظة وجع كبيرة ليكتب الإبداع من قلب الخراب. الوضع الحياتي اليومي في فلسطين ليس ربيعاً كما يريدون تسميته بل هو حرب وجود وهوية وأرض، هو ثورة على واقع مرير، والكاتب ليس ببعيد عن المشهد المعاش ولكنه ينقله بعدما يترك فيه بعضاً من روحه، فهو ابن الشهيد أو الأسير، ابن الغربة والإغتراب، ابن الزيتون والزعتر، ابن الكنائس والمساجد، ولكنه رغم الألم الساكن في روحه عليه أن يتحسس مواطن الجمال، عليه أن يجتهد بذكاء أعلى وجهد أصدق ليكتب فلسطين بما يليق بهيبتها وشهدائها وتاريخها العريق. حسن أبو دية، أديب فلسطيني " على الأديب أن يُبقي جذوة الأمل مشتعلة" إضافة لتقاطع الأدب الفلسطيني مع محيطه العربي في المعوقات والمشكلات، فإن الشتات الفلسطيني الناجم عن تهجير الشعب الفلسطيني عن أرضه قد ترك آثاراً على الأدب، فالحدود الجغرافية المغلقة في غالب الأحيان أدت إلى انقطاع في التواصل الإبداعي، و لو أراد باحث إجراء دراسة حول جانب من جوانب الإبداع الفلسطيني لوجد ضرورة بحثيّة في تحديد الجغرافيا التي ستشملها دراسته، و لا أدل على ذلك من تلك الفترة التي كان هناك فيها ثلاثة اتحادات عامة للكتاب والأدباء الفلسطينيين، أحدها في الوطن، والثاني في دمشق، والثالث في القاهرة، و لن ننسى أدباءنا في فلسطينالمحتلة عام 1948م. هذا التباعد الجغرافي صنع تلقائياً تباعداً إبداعياً رغم الهمّ المشترك، والقضية المشتركة. إذ – في كثير من الأحيان – أصبح الكاتب الفلسطيني جزءاً من الحركة الأدبية في الجغرافيا التي يقيم فيها، ولم يعد هناك مجالاً للحديث عن اتجاه فنّي خاص في الأدب الفلسطيني. والأدب العربي عموماً كان صدى للمواقف السياسيّة، والأدب الفلسطيني ليس استثناءً، فالربيع العربي الذي رأى فيه الكثيرون صحوة شعبية وإرادة تعبير و تغيير، كما فعلتُ أنا وانحزت للشارع العربي والمواطن المسحوق في مطالبته بكرامته، فإن هناك من رأى فيه مؤامرة على العالم العربي والقضية الفلسطينيّة. ولعلّ استغلال بعض القوى السياسيّة لهذا الحراك الشعبي الذي بدأ عفوياً هو ما دعاهم إلى النظر بحذر لحركة التغيير الشعبية. و لا شك أنني أتحدّث هنا عن المضمون، إذ من المبكّر التحدّث عن أثر فنيّ على الأدب، فمثل هذه الآثار لا تكون إلّا بعد فترة زمنيّة من الأحداث الكبرى كحركة الربيع العربي. والمثقف الفلسطيني و الأديب خصوصاً هو حائط الصدّ الأخير للهويّة و الوجود الفلسطيني في مواجهة كلّ محاولات الطمس و التذويب و التشويه، و بالتالي هو كمن يقف في وجه إعصار التردي والانهزام الذي يجتاح غالبية الأمة العربية.. إنه يقبض على جمر الثوابت الوطنية، ففلسطين من البحر إلى النهر و من رأس الناقورة شمالاً إلى أم رشراش جنوباً لا تقبل القسمة، وعلى الأديب أن يُبقي جذوة الأمل مشتعلة. جميل السلحوت، أديب فلسطيني " الأدب الفلسطينيّ يتخبط في المشاكل والهموم " بداية يجب الانتباه إلى أنّ الأدب الفلسطينيّ جزء لا يتجزّأ من الأدب العربيّ، لكن هناك بعض الخصوصيّات التي يفرضها الواقع المعاش فلسطينيّا، تماما مثلما هو كذلك حال الأدب في الأقطار العربيّة الأخرى، بسبب اختلاف البيئة والحالة التي يعيشها الأديب نفسه. والشّعب الفلسطينيّ يختلف عن بقيّة الشّعوب العربيّة في كون وطنه محتلّ، وثلث هذا الشّعب يعيش تحت احتلال أهلك البشر والشّجر والحجر، في حين يعيش ثلثا هذا الشّعب في الشّتات الذي فرض عليه نتيجة تهجيره من وطنه تحت ويلات الحروب. لذا نجد الأدباء الفلسطينيّين يكتبون عن مواضيع من واقعهم، لا حاجة للآخرين للكتابة عنها، مثل: البكاء على أطلال الوطن الذّبيح ومراثي المدن والقرى والشّهداء، والكتابة عن حياة الأسرى وما يتعرّضون له من عذابات، حتى أصبح "أدب السّجون والمعتقلات " ظاهرة معروفة في فلسطين، ولا غرابة في ذلك، فما يقارب المليون فلسطيني من الأراض المحتلة عام 1967 " الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة" تعرّضوا للاعتقال والتّعذيب والسّجن. والمئات منهم قضوا نحبهم وراء الجدران المغلقة. وكذلك "أدب المقاومة" فالشّعب الفلسطينيّ شعب مقاوم، وقدّم مئات آلاف الضّحايا على مذبح الحرّية، وقياسا بعدد سكانّه فإنّ نسبة عدد شهدائه هي الأكبر بين شعوب الأرض. ومع ذلك فقد كتب المبدعون الفلسطينيّون مختلف الأصناف الأدبيّة من شعر، قصّة، رواية، مسرحيّة، النّقد الأدبي وغيره. ومضامينها كانت متعدّدة الأشكال. وقد وصل بعضهم إلى العالميّة مثل: محمود درويش، سميح القاسم، غسّان كنفاني، اميل حبيبي، ابراهيم نصر الله وغيرهم. وللأدب الفلسطيني مشاكله وهمومه أيضا، ومن أهمّ هذه المشاكل هو الحصار الذي عاشه ويعيشه الأدباء الفلسطينيّون، فغالبيّة الاصدرات الأدبيّة العربيّة لا تصل إلى فلسطين، والغالبية العظمى من النّتاج الأدبي الفلسطيني في فلسطين لم يصل إلى العالم العربيّ، وكذلك هناك نقص في دور النّشر في فلسطين، رغم وجود دور نشر تخطّت شهرتها حدود فلسطين التّاريخيّة، مثل دار الشّروق، دار الجندي، مكتبة كل شيء الحيفاويّة، المكتبة االأهلية في نابلس. ومن المشاكل أيضا اجراءات الاحتلال وممارساته الارهابيّة، التي تمنع التّواصل بين الأدباء الفلسطينيّين، فمثلا الأدباء في قطاع غزّة محاصرون داخل القطاع، ولا يستطيعون الخروج منه، وكتّاب الضّفة الغربيّة لا يستطيعون الوصول إلى القدس والدّاخل الفلسطينيّ وهكذا. إيمان زيّاد، شاعرة فلسطينالمحتلة " قلة النقد الموضوعي والعلمي ساهمت بانتشار آفات (أدبية) " قد يحتاج هذا السؤال لورقة بحثية للإجابة الجادة عليه، لكن دعونا بداية نحدد المقصود بالأدب الفلسطيني؛ فهل هو الأدب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية (الضفة وغزة) أم مناطق 1948 أم في الشتات، فواقع الأدب المنتج يختلف باختلاف المجموعة الفلسطينية لاختلاف واقع السلطة السياسية المسيطرة عليه وإمكانية الوصول إلى المعلومات والانتشار وإن كان يُجمع الكتّاب الفسطينين على همّ الكتابة عن القضية الفلسطينية وما يتعلق بها من مواضيع تؤكد على حق تقرير المصير والعودة. أضف إلى ذلك؛ وجوب تقسّيم هذا الأدب إلى أدب تنتجه نساء وأدب ينتجه رجال وذلك أن المعيقات التي يواجهها الجنسان مختلفة إن كانت في عمومها متشابهة. لذلك سأدلي برأيي بشكل عام في هذه المسألة؛ فإن الأدب الفلسطيني حالياً يواجه عدة معيقات من أهمها أن مسألة الثقافة بشكل عام لا تشكل أولوية عند أصحاب القرار وبالتالي فإن الكاتب يقع على عاتقه تطوير وإبراز وإنتاج ما يكتب والإعلان عنه وإيصال صوته للقرّاء، دون أن نغفل أن هنالك العديد من المؤسسات الثقافية التي تحاول لعب هذا الدور إلا أن بعضها وللأسف يسيطر عليه بعض المتنفذين في القرار وعليه قد تخسر الكفاءات الأدبية فرصتها في التواجد على الساحة الثقافية ويتم تسليط الضوء على آخرين دون توزيع هذه الفرص. يواجه الكاتب الفلسطيني مشكلة طباعة ونشر المُنتَج الأدبي والترويج له أيضاً بما أنه في معظم الأحيان يتوجب عليه التكفّل مالياً وإدارياً لهذا المنتج، فيلجأ بشكل عام إلى طباعة الكتاب خارج فلسطين لعدة أسباب من أهمّها؛ قلة دور النشر في فلسطين، وارتفاع التكلفة، وصعوبة توزيع الكتاب على الدول العربية بسبب نقاط التفتيش الإسرائيلية الداخلية وإجراءات البريد الخارجي الصعبة على الحدود مع الأردن ومصر، مما يصعّب المسألة على الكاتب خصوصاً حاجته لمتابعة هذا الأمر وفي كثير من الأحيان يقع في شرك الاحتيال من قبل بعض دور النشر أو على أقل تقدير عدم التزامهم بشروط الطباعة المتفق عليها مع الإشارة أن الكاتب الفلسطيني لا يقوم بالملاحقة القانونية ولا يستطيع تحصيل حقوقه فلا قانون يحفظ حقوقه خارج فلسطين على الأقل. ومن المعيقات أيضاً؛ قلة النقد الموضوعي والعلمي للنصوص الأدبية مما يساهم بانتشار آفات (أدبية) إن جاز التعبير أو تأخير تطوّر موهبة ما لعدم إيجاد نقد يساهم مساهمة فاعلة في تطوير موهبة ما. وهنالك نقطة هامة أيضاً وهي سلب حريّة الرأي والتعبير الفكري في بعض الحالات والتي تنسف الّلبنة الأولى للإفصاح عن واقع معين قد يعايشه الكاتب سواء أكان داخل أو خارج فلسطين وقد يشترك مع الأدب العربي في هذه المشكلة، وإن كان يواجه هذه المشكلة مع الاحتلال الصهيوني منذ بدء الاحتلال. أعتقد أن هذه أهم النقاط التي تُشكّل المعيقات أمام واقع الأدب الفلسطيني دون الذهاب إلى تفصيلات كثيرة في هذا الشأن. وبالطبع لقد انعكس ما سُمّي بالربيع العربي على أفكار وموضوعات الأدب الفلسطيني؛ وتأثر الكتّاب الفلسطينيين بما يحصل في الوطن العربي هو أمر طبيعي من أشخاص جرّبوا التهجير والموت والفقد طوال حياتهم ومن منطلق إنساني وأممي واحد، فنجد توّسع وتنوّع الموضوعات لتدخل مفاهيم الحروب الأهلية والمناصر والمعارض وحتى أسماء المدن العربية وإدراج أحداث دموية في النصوص الفلسطينية والتي تبنّت المشهد العربي اليوم وخاصة الإنساني منه بجانب المشهد الفلسطيني.