يتّفق أغلب الجزائريين أن رمضان"يجي ويجيب خيره معه"، قاعدة راسخة امتزجت فيها القناعة الدينية مع جرعة التبذير الزائدة التي تشكل سلوك المواطنين خلال هذا الشهر.. والنتيجة إسراف وتبذير وملء موائد الصائمين بما لذ وطاب، وفي الأخير رمي نصفها في سلة المهملات. يجمع أخصائيو الاقتصاد وجمعيات حماية المستهلك، أن سلوك الجزائري في مجال الإنفاق بلغ أوجه خلال سنوات البحبوحة المالية ومن الصعب الرجوع عنه، رغم دخول البلاد في مرحلة التقشف منذ فترة، تخللتها نداءات بالاعتدال في الإنفاق والاستعداد لمرحلة ما بعد البترول، لكن على ما يبدو أن لا حياة لمن تنادي، لأن الإنفاق مازال يعرف مستويات قياسية في الجزائر رغم كل شيء، تحول معها شهر الزهد والتأمل الروحي إلى كرنفال من البذخ، وفرصة لنشر قيم الاستهلاك التي تنحصر لدى الكثيرين في الطعام والشراب بشكل متطرف وكأنه رغبة هائجة ومنفلتة نحو إشباع جوع مستديم ومزمن.
يشتكي جل المواطنين من الغلاء وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في رمضان، لكنهم بالمقابل لا يقاطعون أي منها رغم حملات التحسيس والتوعية التي تطلقها منظمات حماية المستهلك وبعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بل على العكس من ذلك تجدهم يقبلون وبشكل تعجز عن تفسيره على السلع الغالية، ولسان حالهم يقول إن"الغالي سعره فيه"، ولهذا تجد شهر رمضان يمشي بمنحى عكسي في الجزائر، وبدلا من أن يتقاسم الأغنياء اللقمة مع الفقراء ويشعرون بجوعهم وحاجتهم، يحدث العكس وتتعمق الفجوة الكبيرة بين الفقراء والأغنياء، أو بين الطبقات المعدومة والطبقات المتوسطة.
* الخبز ..أكثر السلع تبذيرا في رمضان
تحتل الجزائر المرتبة الأولى عالميا من حيث استهلاك الخبز بامتياز، هذه المادة المفضلة على موائد الجزائريين، تأتي على رأس المواد واسعة الاستهلاك والتبذير أيضا، حيث يحطم إسراف الجزائريين الرقم القياسي برميهم ل120 مليون خبزه تلتهمها المزابل، بسبب انعدام ثقافة الاستهلاك لدى البعض وإصابة البعض الآخر بالوحم الرمضاني الذي يركز بشكل كبير على الخبز. ولا يخل الديكور الرمضاني عندنا من أنواع الخبز المتراوحة الجودة والتي تتنوع بين المطلوع، خبز الدار، الخبز بالزيتون بالجبن أو بالبصل شتان.. المهم أن أشكاله تنجح في إسالة لعاب الصائمين وتجذبهم إلى اقتناء كل الأصناف خلال نهار رمضان، وفي اعتقادهم أنهم سيستهلكونها على الإفطار، لكن السيناريو يتكرر كل يوم دون أن يتعظ الصائمون والنتيجة أن أطنان أكياس الخبز تنتظر يوميا عمال "نات كوم" انتشالها من وسط القمامة وأحسنهم من يفصل الخبز في كيس لوحده بعيدا عن باقي الفضلات تقديرا واحتراما للنعمة وخوفا من زوالها، خاصة وأن فيها خبزا كاملا لم يلمس، مما يعني أنه بالإضافة إلى انعدام ثقافة الاستهلاك بين المواطنين، أغلب الجزائريين لا يأكلون الخبز "الصابح" ولا يعرفون معنى الخبز المجمد الذي يمكن تسخينه في أوقات لاحقة، كما أنهم افتقدوا ثقافة مهمة جدا كانت سائدة لدى أمهاتنا وجداتنا، ألا وهي طرق استغلال الخبز في تجفيفه واستعماله ك"شابلور" في الكثير من الأطباق أو استغلاله في صنع بعض الأطباق وعلى رأسها "السفيرية" الطبق التقليدي الذي كان منتشرا في البيوت العاصمية خاصة في مثل هذا الشهر، والذي يتكون أساسا من الخبز"الصابح" أدخلت عليه الكثير من التعديلات اليوم كاللحم المفروم والجبن لتشجيع العائلات وربات البيوت على إعداده نجدة للخبز الذي يعاني الهوان في مجتمعنا اليوم، بعد أن كانت رؤية قطعة خبز في الطريق من الكبائر تطأطأ لها الرؤوس لانتشالها وتسلم عليها قبل أن توضع في مكان لائق بها.
* المسألة تتجاوز ربّات البيوت خلال رمضان
تقول فاطمة أم وربّة بيت:" رغم أنني أكره التبذير في الأيام العادية، إلا أن المسألة تتجاوزني خلال هذا الشهر الفضيل، فاشتهاء الصائمين هو السبب الأول في تبذير الخبز خلال رمضان وليس انعدام ثقافة الاستهلاك، ورغم أنني أتصف بالحرص في الغالب إلا أن رمضان له أحكامه وأغلب الصائمين أشبه بالمتوحمين، فزوجي يطلب مني إعداد الفطير في البيت ثم يشتري خبزا بالزيتون، فيما يقتني ابني المطلوع، أما ابنتي فتفضل خبز البريوش، وهكذا نجد مائدتنا على الإفطار منمقة بكل أنواع الخبز..لكن من يأكله؟ . أما مراد الذي يتفنن في اقتناء أنواع من الخبز، فيؤكد أن رمضان يعني له الخبز الجيد، خاصة التقليدي منه:" أقصد سيدة في ضواحي العاصمة يوميا لشراء المطلوع منها، كما أفضل خبز البريوش على السحور وأحيانا أرغب في خبز الدار بالسانوج وحبة حلاوة مع اللبن الرائب على السحور، وكل يوم أجد نفسي على حال مع الخبز، ورغم أن ضميري يؤنبني وأنا أرى المجمد يفيض بالخبز الذي تحاول زوجتي الحفاظ عليه، وفي الأخير لا مفر من أكياس القمامة.
* استهلاك الجزائريين للخبز يتضاعف ثلاث مرات خلال رمضان
أكثر ما يواجه الأسر الجزائرية خلال رمضان هو عدم تحكمها في ميزانيتها، حيث يتسوق كل فرد فيها لحاله دون استشارة أو تنسيق مع باقي أفراد الأسرة والنتيجة أن أنواعا من الخبز تكتسح مائدة الإفطار في نهاية اليوم، لا تؤكل ولا يحتفظ بها للأسف، وهو ما أكده حاج الطاهر بولنوار، الناطق الرسمي للاتحاد العام للتجار والحرفيين الذي كشف أن معدل استهلاك الخبز في شهر رمضان يبلغ سقفا خياليا، حيث يصل إلى مليار و400 خبزة في الشهر، في حين لا يتجاوز هذا المعدل في باقي أشهر السنة 45 مليون خبزه، تلقى منها 5 مليون خبزة خلال اليوم الواحد في رمضان وتصل إلى 120 مليون خبزه مع نهاية الشهر. كما تسجل العاصمة والمناطق الحضرية أعلى نسبة تبذير في استهلاك الخبز مقارنة بالمناطق الريفية التي تستعمل الخبز "الصابح" كعلف للأنعام والمواشي. ويؤكد المصدر ذاته، أن دعم الدولة لسعر الخبز هو السبب الرئيسي في استهانة المواطنين بمادة الخبز، ولو كان سعر الخبز غير متاح للمواطنين لما بلغت نسبة التبذير ماهي عليه اليوم ولحسب المواطنون ألف حساب للخبزه الواحدة، لكن الواقع أن حتى خبز المطلوع والخبز المحسن الذي لا يقل سعره عن 30 دج يتعرض للرمي بين الفضلات هو أيضا، مما يؤكد أن مشكل الجزائريين مع الخبز خلال رمضان أساسه الوحم الرمضاني.
* سمير لقصوري نائب رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك ل"الحوار": * الجزائريون يبذرون 180 مليون خبزة خلال شهر رمضان * 18 مليار سنتيم تبذر شهريا من أموال المستهلكين
أعلن نائب رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك، سمير لقصوري، في تصريح ل"الحوار"، أن منتوج الخبز يتصدر قائمة المواد الغذائية المبذرة في شهر رمضان، حيث يبذر الجزائريون ما يعادل 180 مليون خبزة خلال هذا الشهر، تلقى في سلة المهملات، وذلك لأن المستهلكين يعتمدون عليه بالدرجة الأولى وأكثر من أي مادة أخرى، نظرا للارتفاع المحسوس الذي تشهده مختلف السلع الغذائية التي تقتنى بكميات قليلة ولا تعرض للتبذير. وقد أشار المتحدث ذاته إلى أن ظاهرة الإسراف تعود إلى ثلاث أسباب، أولها أن المستهلك فقد الثقة في السوق، فعدم التحكم في الأسعار جعله يتخوف من ارتفاعها لاحقا، على غرار تخوفه من نفاذ الكمية ما يجعله يقتني السلع بكمية أكبر، بالإضافة إلى رداءة بعض المنتجات على غرار الخضر والفواكه التي تباع قبل فترة صغيرة من تلفها، بالإضافة إلى كون بعضها غير جيدة من ناحية النوعية وغير لذيذة، ما يجعل المستهلك يمتنع عن تناولها كمنتج الخوخ على سبيل المثال الذي نجد بعضا منه أبيضا من الداخل وغير لذيذ المذاق، أما السبب الثالث والأخير لتفشي ظاهرة التبذير فهو متعلق مباشرة بسلوك المستهلك الذي لم يكتسب ثقافة التسوق، بالإضافة إلى عدم التنسيق بين أفراد العائلة فيما يخص اقتناء السلع الغذائية، وعدم اعتماد القائمة التي ترتب الاحتياجات حسب الأولوية، ما يترتب عنه اقتناء حاجيات لن تستعمل مباشرة وبالتالي تتعرض للتلف.
* محفوظ حرزلي رئيس الاتحاد الوطني لحماية المستهلك ل"الحوار": * تخزين المواد الغذائية في البيت سبب هدرها
أوضح رئيس الاتحاد الوطني لحماية المستهلك، حرزلي محفوظ، في تصريح ل"الحوار"، أن ظاهرة التبذير تتفشى كثيرا خلال شهر رمضان الكريم، حيث تتجلى في عدة نقاط، أهمها اقتناء السلع والمواد الغذائية بكميات كبيرة جدا وتخزينها في البيت، ما يجعل المواطن ينفق الكثير مقابل السلع التي تشهد ارتفاعا في الثمن بسبب الإقبال الزائد عليها، بالإضافة إلى عدم وجود نظام داخل البيوت بخصوص التسوق، وعليه دعا المتحدث المواطنين إلى بالابتعاد عن هدر وتبذير المواد الغذائية خلال الشهر الفضيل، من خلال عدم اقتناء المواد والسلع لأجل تخزينها في البيت، فالأفضل هو أن تخزن لدى المحلات حتى لا يرتفع ثمنها، ويكون شهر رمضان كباقي شهور السنة بالنسبة للأسعار.