تحتل الجزائر المرتبة الأولى عالميا من حيث استهلاك الخبز ، هذه المادة التي ترمز في مجتمعنا إلى "النعمة" فقدت للأسف قيمتها، بعد أن صارت تلقى في المزابل شأنها شأن أي مادة أخرى، خاصة في مثل هذا الشهر الفضيل، حيث يحطم الجزائريين الرقم القياسي في التبذير برميهم ل 120 مليون خبزه تلتهمها المزابل، بسبب انعدام ثقافة الاستهلاك لدى البعض وإصابة البعض الآخر ب"الوحم الرمضاني" الذي يركز بشكل كبير على الخبز. لا يخلو الديكور الرمضاني عندنا من أنواع الخبز:المطلوع، خبز الدار، الخبز بالزيتون بالجبن أو بالبصل.. المهم أن أشكاله تنجح في إسالة لعاب الصائمين تجذبهم إلى اقتناء كل الأصناف، وفي اعتقادهم أنهم سيستهلكونها، لكن السيناريو يتكرر كل يوم، والنتيجة أن أطنان أكياس الخبز تنتظر يوميا عمال نات كوم انتشالها من وسط القمامة وأحسنهم من يفصل الخبز في كيس لوحده بعيدا عن باقي الفضلات تقديرا واحتراما ل"النعمة " وخوفا من زوالها،خاصة وأن فيها خبزا كاملا لم يلمس، مما يعني أنه بالإضافة إلى انعدام ثقافة الاستهلاك بين المواطنين، أغلب الجزائريين لا يأكلون الخبز"الصابح" أي المتبقي من الأمس، ولا يلجئون إلى تخزينه في الثلاجة، الذي يمكن تسخينه في أوقات لاحقة، كما أنهم افتقدوا ثقافة مهمة جدا كانت سائدة لدى أمهاتنا وجداتنا، ألا وهي طرق استغلال الخبز في تجفيفه واستعماله في الكثير من الأطباق، أو استغلاله في صنع بعض الأطباق وعلى رأسها "السفيرية" الطبق التقليدي الذي كان منتشرا في البيوت العاصمية خاصة في مثل هذا الشهر، والذي يتكون أساسا من الخبز"الصابح" أدخلت عليه الكثير من التعديلات اليوم كاللحم المفروم والجبن لتشجيع العائلات وربات البيوت على إعداده ، بعد أن كانت رؤية قطعة خبز في الطريق من الكبائر تطأطأ لها الرؤوس لانتشالها وتسلم عليها قبل أن توضع في مكان لائق بها. المسألة تتجاوز ربات البيوت تقول فاطمة أم وربة بيت:" رغم أنني أكره التبذير في الأيام العادية، إلا أن المسألة تتجاوزني خلال هذا الشهر الفضيل، فاشتهاء الصائمين هو السبب الأول في تبذير الخبز خلال رمضان وليس انعدام ثقافة الاستهلاك، ورغم حرصي طيلة أيام السنة على عدم تبذيره، إلا أن رمضان له أحكامه، فزوجي يطلب مني إعداد خبز الفطير في البيت ثم يشتري خبزا بالزيتون، فيما يقتني ابني المطلوع، أما ابنتي فتفضل خبز البريوش وهكذا نجد مائدتنا على الإفطارمزينة بكل أنواع الخبز..لكن من يأكله؟ "تضيف أما مراد فيؤكد أن رمضان يعني له الخبز الجيد، خاصة التقليدي منه:" أقصد سيدة في ضواحي العاصمة يوميا لشراء المطلوع منها، كما أفضل خبز البريوش على السحور وأحيانا أرغب في خبز الدار بالسانوج وحبة حلاوة مع اللبن الرائب على السحور، وكل يوم أجد نفسي على حال مع الخبز، ورغم أن ضميري يؤنبني وأنا أرى المجمد يفيض بالخبز الذي تحاول زوجتي الحفاظ عليه وفي الأخير لا مفر من أكياس القمامة". استهلاك الجزائريين للخبز يتضاعف ثلاث مرات أكثر ما تواجه الاسر الجزائرية خلال رمضان هو عدم تحكمها في ميزانيتها، حيث يتسوق كل فرد فيها لحاله دون استشارة أو تنسيق مع باقي أفراد الأسرة والنتيجة أن أنواعا من الخبز تكتسح مائدة الإفطار في نهاية اليوم ، لا تؤكل ولا يحتفظ بها للأسف،وهو ما أكده حاج الطاهر بولنوار، الناطق الرسمي للاتحاد العام للتجار والحرفيين الذي كشف أن معدل استهلاك الخبز في شهر رمضان يبلغ سقفا خياليا، حيث يصل إلى مليار و400 خبزة في الشهر، في حين لا يتجاوز هذا المعدل في باقي أشهر السنة 45 مليون خبزة، تلقى منها 5 مليون خبزة خلال اليوم الواحد في رمضان وتصل إلى 120 مليون خبزه مع نهاية الشهر، كما تسجل العاصمة والمناطق الحضرية أعلى نسبة تبذير في استهلاك الخبز مقارنة بالمناطق الريفية التي تستعمل الخبز"الصابح" كعلف للأنعام والمواشي. ويؤكد ذات المصدر أن دعم الدولة لسعر الخبز هو السبب الرئيسي في استهانة المواطنين بمادة الخبز، ولو كان سعر الخبز غير متاح للمواطنين لما بلغت نسبة التبذير ما هي عليه اليوم ، لحسب المواطنون ألف حساب للخبزة الواحدة، لكن الواقع أن حتى خبز "المطلوع" والخبز المحسن الذي لا يقل سعره عن 30 دج يتعرض للرمي بين الفضلات هو أيضا، مما يؤكد أن مشكل الجزائريين مع الخبز خلال رمضان أساسه الوحم الرمضاني.