رابح خدّوسي (اسطنبول، بيروت، دمشق، بغداد، القاهرة، عمان، صوفيا، أثينا، باريس، مليانة… إلخ) جبال الأولمب … أسطورة المكان!! كان الصعود إلى جبل الأولمب عبر طريق وحيد ملتو لكنه ممتع، على حافلة ذات طابقين، راحت تعانق المرتفع تقبّل أحيانا أغصان شجر الفستق الحبلى بالثمار، المتمايلة في دلال على جانبي الطريق، حينما كانت الحرارة تضعف أمام نسمات الجبل، كما يضعف المحب أمام لون الورد الأحمر. وكان مستحسنا وقوف الزوار لتناول وجبة طعام موحّدة، في مطعم غابي يفتح الشهية على الحياة قبل الأكل، ويكثر الإدراك بقيمة الصفو في الحياة، ويقل الوعي بالاعتقاد الذي لازم بعضا من السياح الجزائريين فامتنعوا عن تناول اللحوم المقدمة ضمن أطباقه، خشية عدم تطابقها مع تعاليم الشريعة الإسلامية. ويصل الجميع إلى هضبة جبل الأولمب الشهيرة (2917 مترا)، حيث جرت منذ "776" قبل الميلاد أولى الألعاب الرياضية، التي صارت تحمل اسم هذا الجبل "الألعاب الأولمبية"، وفيه كتب الفيلسوف اليوناني الكبير أفلاطون "427 347 ق. م" عن "المدينة الفاضلة". على جبل الأولمب يرى كل سائح نفسه من سكان مدينة أفلاطون الفاضلة، كما صورها الفيلسوف، بطبقاتها المتضمنة: النبلاء والجند والعمال… إلخ، وبينما كنت أتخيّل جموع السياح موزعين في شكل أفواج، حسب تقسيم أفلاطون… وأتصور موقع كلّ واحد من رفاقي الجزائريين، كان الحاضرون على قمة الأولمب يبدون كالأشباح القادمة من ظل التاريخ، وكأنهم يعيدون تمثيل مسرحية قديمة في ميدان شهد ميلاد الحضارة الإغريقية أمّ الحضارات الإنسانية الحالية، وكانت الطفلة القسنطينية الصغيرة ريان تعتلي هيكلا حديديا فنلتف حولها مشجعين، ثم نطلق عليها اسم "آلهة البراءة". جبل الأولمب تبدو أشجاره كمعابد أسطورية، وقممه كتماثيل خرافية، في شعابه وأوديته تختلط الحقيقة بالخيال، يدفعك الفضول لاكتشاف المزيد من سحر الماضي، وعبق التاريخ، فتركب أحد الأحصنة المسرجة وتنساب بين الأدغال التي تزيد فكرك خبلا…! هل صحيح أن رواد الفكر اللاهوتي الإغريقي كانوا يسكنون هذه الجبال؟! يعاشرون الأسود والنمور والذئاب…؟!! أم أنهم كانوا في أثينا ؟ وهذه الجبال ناطحة السحاب، كانت مقاما افتراضيا للخلوة والتفكير والتعبد!!. هل كان هذا الجبل منبت الوحي ومصعده، حسب المعتقد اليوناني ؟!! وهنا كانت تجتمع آلهة الحرب والحب والخير والجمال، للتشاور في أمور شتى ؟!، فتقسم الأدوار والمهام، والعمل والجزاء بين الناس !!. وكأنك تراها أمامك، تعيد حكاية التاريخ البائد، فترى إلاه الجمال وذلك محله، يقابله إلاه الحرب وذلك مكانه، وإلهة الحكمة وذاك مقامها، وإلاه الطب وهناك مخبره!!. زوس ZEUSذلك الرجل الأسطوري سيد الآلهة والبشر عند اليونان الذي اعتلى جبل الأولمب وأقام معبده… أيّ رجل هذا الذي ألّه نفسه… هل يشبه جوبتر الرومان أم فرعون مصر أم وأدد الشعوب السامية؟!. شبّه أحد السيّاح المكان بجبال خراطة وشبهتها بقمة أحلوق ببني ميسرة في الأطلس البليدي، وسألت نفسي: – ما دامت الطبيعة متشابهة بين الجزائر واليونان، ألم تكن لنا مثلهم في القديم آلهة ومفكرون وفلاسفة؟! لماذا لم يحفظ التاريخ أساطيرنا مثلهم، نباهي بها اليوم الأمم الأخرى؟! وهل قدّر علينا أن يبيد حاضرنا ماضينا، فيدمّر رموزه، فلا الأمس لنا ولا الحاضر، نلتفت إلى الماضي فنجده باهتا كئيبا ونلجأ إلى المستقبل فلا نراه، فنعود إلى حاضرنا لنتقوقع على ذواتنا وننام في سبات عميق، فهل حالنا اليوم ما تنبأت به الحكمة القديمة "عندما يكفّ الماضي عن إضاءة الحاضر، تغوص الشعوب في الظلمات"!. وتسأل نفسك: أين هي حدود المدينة الفاضلة التي وضع مشروعها النظري أفلاطون… التي تعيش فيها طبقات النبلاء والعمال والجند كما ذكرنا، ويشاع فيها الحق والجنس ووو… من يدري… الأحصنة وحدها هي التي تعرف أسرار جبال الأولمب. يتبع…