يشخص الكاتب محمد ساري في آخر رواية له والموسومة "المطر الذهبي" مسارات العنف في المجتمع الجزائري عبر عملية مسح لواقعه خلال 55 سنة والتي تشكل زمن الرواية. "المطر الذهبي الذي صدر باللغة الفرنسية عن منشورات الشهاب" يرصد من خلال حكايات عديدة وقعت في فترات مختلفة الاضطرابات الكبرى داخل المجتمع من خلال عدة شخصيات محورية في مواجهة لعدة آفات اجتماعية في رقعة زمنية تمتد لأكثر من 50 سنة يميزها البؤس الاجتماعي والمعتقدات والأكاذيب والتطرف الديني والتي أدت كلها الى تفشي العنف في مجتمع اليوم. ينطلق الكاتب من خلال المهدي- الشخصية الرئيسية في الرواية- في البحث عن مصادر العنف عند هذا الشاب الذي نصب نفسه إماما وقام في أواخر الثمانينات بتطهير ديني في القرية رفقة أتباعه"رفاق الناقة" في محاولة لفرض سيطرته. وكان المهدي قد تعرض كثيرا للضرب في طفولته وعاش في شوارع وأضرحة القرية كما كان يعيش في دوامة من الشكوك حول هوية والده الحقيقي، وتحدى المهدي عقلاء وإمام القرية باحتلاله منبر المسجد لفرض "القوانين الإسلامية" حسب تأويله للدين. وبدا رفاقه وكلهم ثقة بعدم تعرضهم للعقوبة في حرق أجهزة التلفاز والمذياع والآلات الموسيقية، كما انتزعوا الهوائيات التلفزيونية زارعين بذلك الرعب والشك في نفوس أهل القرية, كل ذلك وسط محاولة تصد قوية من طرف بعض مجاهدي حرب التحرير. وتلتحم حول المسار المثير للمهدي قصص أخرى على غرار قصة الشيخ امبارك المشعوذ الذي يقوم "بتخصيب النساء العقر" وهو يعتقد في هذيانه أنه يملك القدرة على إحياء الموتى وأيضا حكاية المجاهد عمار كروش والتاجر جيلالي بولحبال الذين نزحوا إلى المدينة بعد الاستقلال لأخذ نصيبهم من "الغنيمة". كما يلاقي الكاتب هؤلاء بالجيل الجديد لإعطاء صورة عن مرحلة أصبح فيها الشباب إما متطرفا أو ضحية للتطرف أو يلجأ للهروب بحثا عن حياة أفضل. مازجا الواقع بالخيال يستعرض المؤلف حوادث عنف مروعة بسرد "الحملات" التي قام بها "رفاق الناقة" في إحدى دور الدعارة وفي أحياء جامعية وكذا جهل هؤلاء الباحثين عن "معجزة" أو "جسر سحري ينقلهم إلى مكة". إيمان.ب