بقلم لقدي لخضر جمعية العلماء وترسيخ المرجعية الدينية: عملت جمعية العلماء المسلمين على جمع الجزائريين حول مرجعية دينية واحدة، وتجلى ذلك في ما يلي: أولا العقيدة: فتحَ الشيخ عبد الحميد ابن باديس، رَائِدُ النَّهْضَةِ الْحَدِيثَةِ بِالْمَغْرِبِ الْعَرَبيِ، وَقَائِدُ الْحَرَكَةِ الإِصْلاَحِيَّةِ وَمُؤَسِّسُهَا بِالْجَزَائِرِ دروسًا لتلاميذه في «جوهرةِ التّوحيد» (الأشعريَّة)، لمؤلفه إبراهيم اللقاني المالكي، والمتوفى سنة 1041 ه، وهو عبارة عن منظومة شعرية تتألف من 144 بيتا شعريا، ثمّ أملى من عندهِ: الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، وهي مطبوعة بحمد الله، نقلها من إلقاء الإمام وبوّبها تلميذه الأستاذ الموفق، محمد الصالح رمضان القنطري، وقدم لها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، شيخ علماء الجزائر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو المجمع اللغوي بالقاهرة، والمجمع العلمي بدمشق. يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في التقديم لكتاب الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَّةِ: فجاءت عقيدة مثلى يتعلمها الطالب فيأتي منه مسلم سلفي، موحد لربه بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي، ويستدل على ما يعتقد في ربه بآية من كلام ربه، العقائد الإسلامية لابن باديس (ص: 19) وهنا أود أن أضع هذه الملاحظات: 1 -يرى ابن باديس ومعه علماء الجمعية أن العودة بالمسلمين إلى المنابع الأولى الكتاب والسنة أولى وأفيد فيقول: نحن معشر المسلمين قد كان منّا للقرآن العظيم هجر كثير في الزمان الطويل، وإن كنّا به مؤمنين، بَسَط القرآن عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القريبة القاطعة، فهجرناها وقلنا تلك أدلة سمعية لا تُحَصِّل اليقين، فأخذنا في الطرائق الكلامية المعقّدة، وإشكالاتها المتعدّدة، واصطلاحاتها المحدثة، مما يصعب أمرها على الطلبة فضلاً عن العامّة، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير 250. والمعلوم أن العلماء في تقرير العقيدة لهم منهجان أو طريقتان خاصة في باب الصفات- عَقِيدَة الاِثْبَاتِ وَالتَّنْزِيهِ- تعرف الأولى بطريق السلف تثبت الصفات وتمنع التأويل، وذهب علماء الْخلف إلى تأويل بعض الصفات قصد تَنْزِيه الله عَن مشابهة الْخلق. ولم يكن ابن باديس في ذلك خارجا على علماء المذهب بل له سلف، قال النفراوي: طَرِيقُ السَّلَفِ كَابْنِ شِهَابٍ وَمَالِكٍ الْإِمَامِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ تَمْنَعُ تَأْوِيلَهَا عَنْ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ، وَقَالَ أَهْلُهَا انْقَطَعَ بِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ تَعَالَى اسْتِوَاءً وَيَدًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ عَلَى التَّفْصِيلِ إلَّا اللَّهُ. وَطَرِيقُ الْخَلَفِ تُؤَوِّلُ الْمُتَشَابِهَ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ قَصْدًا لِلْإِيضَاحِ، فَأَوَّلُوا الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْيَدَ بِالْقُدْرَةِ وَالْعَيْنَ بِالْبَصَرِ وَالْأَصَابِعَ بِإِرَادَاتِ الْقَلْبِ وَإِلَى طَرِيقِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَشَارَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ* بِقَوْلِهِ: وَكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَا … أَوِّلْهُ أَوْ فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيهَا وَمَذْهَبُ السَّلَفِ أَسْلَمُ وَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَيَكْفِيَك فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ ذَهَابُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ إلَيْهِ. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 1/ 51 2 – التأويل الذي اشتغل به علماء أهل السنة والجماعة من السلف والخلف ليس فيه إنكار آية أو حديث، بل فيه بيان الحق في معنى هذه الآيات وهذه الأحاديث، والتأويل قال به كل العلماء، ولكن منهم من توسع فيه ومنهم من ضيق، واتّفق السّلف وَالْخلف الصَّالح على أَن ثمَّة نصوصا يجب تَأْوِيلهَا تَفْصِيلًا من كتاب الله تَعَالَى وصحيح سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع علماء السلف على تفسيرهم لآيات المعية العامة بأن المراد بها معية العلم.الآثار المروية في صفة المعية ص: 17. وقد أول الصحابة فعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. قِبْلَةُ اللَّهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتَ شَرْقًا أَوْ غَرْبًا. تفسير ابن أبي حاتم1/ 212 والصحيح المسبور من التفسير بالمأثور1/ 221. وهذا الإمام البخاري الحافظ المجتهد من علماء السلف أوّل في عدة مواضع من كتابه الجامع الصحيح، منها في باب: تفسير سورة القصص: "كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ"- القصص 88: إِلَّا مُلْكَهُ، وَيُقَالُ: إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ. 3 – تجنب ابن باديس الخوض في المسائل الكلامية التي لا تفيد علما ولا عملا، ولم يكن فيها نصوص شرعية. 4 – ما يقوله بعض الأدعياء الذين يعتبرون ابن باديس والجمعية على طريقتهم ويخرجون الأشاعرة من أهل السنة، لا وجود له في فكر وتراث الجمعية، بل عكسه هو الصحيح، فالجمعية ترى أن الأشاعرة من أهل السنة، يقول الشيخ حمَّاني رحمه الله: وقد قَبِل أسلافُنا تأويلَ الأشاعرة كما قَبِلوا تفويضَ السلف- اه. فتاوى الشيخ أحمد حمَّاني 2/597 وقال رحمه الله: ومَنْ تمعَّن في نصوص الشريعة جيِّدًا، ودَرَس حُجَجَ الفِرَق المتنازِعة بإنصافٍ؛ حَكَمَ بأنَّ الحقَّ بجانبِ أهل السنَّة والجماعة الذين منهم الأشاعرةُ.. فتاوى الشيخ أحمد حمَّاني1/261 وهذا العلامة مبارك بن محمد الميلي الجزائري (المتوفى: 1364ه): فنحن بالعقيدة السلفية قائلون، ولما مات عليه الأشعري موافقون، وعلى ضابط السبكي ناهجون، وبفتوى الشيخ أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر مقتدون، ما نحن إلا وعاظ مرشدون، ولم ندع أننا حكام منفذون، ومعاملتنا للناس ترفع كل التباس؛ فتجدنا نصلي خلف من يتقدم للإِمامة، ونسلم على من لقينا، وندفن في المقابر العامة؛ من غير منع لأي مسلم منها، ونشتري اللحم مِمَّنْ يشهد الشهادتين، كل ذلك من غير بحث عن كونه من المسترشدين بإرشادنا أم من الخصوم الطاعنين علينا. رسالة الشرك ومظاهره (ص: 53) 5 – ابن باديس هو أوّل من طبع وقام بتحقيق كتاب "العواصم من القواصم" لقاضي قضاة المالكية، الإمام ابن العربي الأشعري، وعلق عليه ونشره سنة 1347ه في جزئين، وفيه رد على الفلاسفة والمتكلمين ودفاع عن الصحابة رضي الله عنهم ورد على شبه الشيعة في قضايا عقدية وسياسية كالإمامة وعدالة الصحابة، وكان بذلك يريد تحصين الأمة من القواصم. 6 – التوسل بذات النبي مسألة خلافية يدور حولها كلام كثير، ويرى الشيخ عبد الحميد بن باديس أن الراجح هو الوجه الأول الذي يجيز السؤال بذات النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- نظرا لمقامه العظيم عند ربه. آثار ابن باديس (2/ 192).