تابع بعض الزملاء والقراء الحلقتين السابقتين عن السعودية ومجابهة التطرف ومحاربة الإرهاب، وكنا تحدثنا عن الصورة المنمطة عن السعودية والخليج في "الرأي العام المغاربي" وهو التنميط نفسه عند الإخوة الخليجيين تجاه المغاربة وخصوصا الجزائر، وربما الإعلام كان الفاعل المؤثر في "عملية التنميط" كما أن الصراع في المشرق وما سمي بالثورات العربية ومايجري الآن في سوريا واليمن له انعكاساته السلبية، ولذلك خصصت الحلقة الثانية لدور بعض المراكز العلمية التي تسعى لتقريب الرؤية وتكامل الجهد ومنها "دارة الملك عبدالعزيز" التي ساهمت في بعض نشاطها العلمي، طبعا ليست هي الوحيدة ولكن أتحدث في هذه السلسلة عن معايشتي ومشاركتي في مؤتمرات أقيمت بالرياضومكةالمكرمة، حرصي على معرفة التطورات الحاصلة في الرياض من أسبابه اشتغالي على "الشأن الديني" وقضايا الأمن الثقافي والتطرف، وبحكم أيضا إشرافي على ملتقيات ومؤتمرات كان بعضها يهدف إلى معالجة مسائل الوسطية والاعتدال والعيش المشترك، وهنا كنا نحتاج دوما إلى دعوة شخصيات علمية سعودية تتميز بالاعتدال واحترام مرجعيات الآخرين في مواجهة من يحاولون رسم صورة أنهم هم الامتداد الحقيقي للسلفية الوهابية في الجزائر، والتطورات الحاصلة اليوم في المملكة العربية السعودية ومشروع 2030 وما ننتظره من فتاوى ورؤى أكثر تسامحا وتعايشا من طرف بعض علماء السعودية ودور نخبهم الأدبية والفكرية في نقد "التطرف" والتشدد سيحرج "السلفية بأطيافها في بلدان المغرب العربي"، وطبعا من يكون مقلدا دوما يصاب بالصدمة لأنه ينتظر الفتوى من هناك، وقد عانينا في التسعينات من فتاوى القتل والذبح التي تلقفتها الجماعات المسلحة من مشايخ لازالوا يدرسون تلامذتهم (باب الجهاد) بشروط تاريخية التتار التي عاشها ابن تيمية وهناك، ولكن خطاب التكفير والجهاد في السبعينات في الجزائر معتمده صاحب كتاب "معالم في الطريق"، وللأسف من أجل إقناع مابقي من المسلحين في بداية الألفية اضطرت الجهات الأمنية عندنا بالتعاون مع بعض السلفيين الموادعين إلى استصدار فتوى من "ربيع المدخلي" تحرم القتل وتدعو للنزول من الجبال، وهي الفتوى التي كانت أشبه بالصفقة في تمكن بعض "الماخلة" من منابر المساجد، غير أن دعواته منذ سنة في قتال الإخوان ومساندة حفتر تحدث اضطرابا وفتنة في بلدان المغرب العربي وخصوصا ليبيا التي دمرتها التدخلات الأجنبية والخليجية وتحاول ان تجد السند الديني في هذه المأساة كما تجد "داعش" الفضاء الأنسب في نقل عاصمتها المتحركة التي "تدير التوحش". أعود إلى مسألة "السعودية والإرهاب" لأسجل الملاحظات التالية': – تأسس مؤخرا مركز علمي لمحاربة الإرهاب تابع "التحالف العسكري الإسلامي ضد الارهاب" وطبعا هو تحالف لم تنظم إليه الجزائروسوريا واليمن وإيرانوالجزائر لها موقف في عدم التدخل العسكري وهي عقيدتها الموروثة منذ الاستقلال، وليس معنى هذا في صف عدائي ضد السعودية او ضد إيران، ولكن هناك تعاون فعال مع "جامعة نايف للعلوم الأمنية" الذي تحضر مؤتمراته عن التطرف والجريمة والإرهاب بعض أفراد الشرطة الجزائرية وقد ساهمت في بعض فعالياته اعرض ذلك لاحقا في حلقة نخصصها لهذه الجامعة، كما أن مسؤولين رسميين وباحثين يحضرون مؤتمرات مكة السنوي الذي تنظمه "رابطة العالم الإسلامي" وقد وسعت الرابطة من نشاطها وعمقت استراتيجتها في السنتين الأخيرتين فمع أمينها العام الجديد محمد بن عبدالكريم العيسى -خريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرابطة اليوم ترفع شعار "الإسلام للجميع أما الإسلاموفوبيا فندفعها بالتي هي أحسن" كما يتصدر موقعها الإلكتروني عبارة "تعد الأحزاب والجماعات باسم الدين أخطر حاضنات التطرف ولاسيما المصنف منها في عداد التنظيمات الإرهابية ومن تحمي طرائده بمجير أم عامر"، ومن مؤتمراته الأخيرة التي هي بالنسبة لي تجديد في الرؤية "الاتجاهات الفكرية في حرية التعبير ومحكمات الشريعة" في مارس من هذه السنة، كما تهتم الرابطة بإفريقيا بموضوع واحد هو "محاربة التطرف" فأقامت لقاءات في كل من نيجريا والسينغال وموريتانيا والسودان، طبعا جهد الرابطة في تحولاته الأخيرة يرتبط باستراتيجية المملكة سياسيا وامنيا ففي بلدان الغرب تنظم لقاءات عن الحوار والتعايش وفي باكستان وآسيا وأفريقيا لقاءات عن "مجابهة التطرف ومحاربة الإرهاب"، أن رؤية المملكة ومفهومها للإرهاب خاضع أيضا للوضع في منطقة الشرق الأوسط في الصراع مع الشيعة الصفوية والحوثيين، ولكن أتصور أن فعالية محاربة الإرهاب تبدأ كذلك من "التجديد الديني" وبعث "إصلاحية جديدة" ، واستثمار في النخب الفقهية والعلمية، لم أتحدث هنا عن الرابطة وجامعة نايف مفصلا سأعود إلى ذلك في حلقات قادمة بحول الله.