بقلم الطيب توهامي سيناريست.. مخرج ومنتج سمعي بصري الكتابة للدراما أو للسينما تعتمد على ثلاثة مستويات، فهناك الكتابة النصية(سيناريو، حوار)، وهناك الكتابة بالكاميرا، وهناك الكتابة التركيبية. هي مستويات ثلاثة تحدد جودة العمل السمعي البصري، وكلما كانت هذه المستويات السردية منسجمة كلما اقتربنا من العمل المتكامل. في مسلسل الخاوة حاول المخرج التونسي مديح بلعيد إعطاء صبغة إخراجية خاصة به، وقد نجح من قبل في مسلسله التونسي ناعورة الهواء بجزأيه، غير أنه في اعتقادي لم يتمكن من تحقيق الانسجام بين مستويات السرد الثلاثة التي تحدثنا عنها. قصة المسلسل مرتبطة بالميراث، وهو موضوع اجتماعي كلاسيكي بحاجة إلى رؤية إخراجية تتلاءم مع طبيعة الموضوع، بينما في مسلسل الخاوة شاهدنا استعمال الحركة في التصوير بشكل مفرط، مع تبني ريتم سريع في التقطيع التقني للمشاهد، ما يوحي أن المسلسل هو عبارة عن مسلسل حركة وليس مسلسلا اجتماعيا كلاسيكيا في طرحه. اعتمد المخرج على استراتيجية الإبهار في غير محلها، ومن وجهة نظري كان المسلسل بحاجة إلى اللقطات الثابتة أكثر من المتحركة، فالمخرج يكتب بالكاميرا مثلما يكتب السيناريست بالقلم، ولابد للكاميرا أن توافق السيناريو في الطرح، وهو ما يعرف سينمائيا بالمعالجة البصرية للموضوع. في الدراما لا يمكننا أن نطلب من المخرج فوق طاقته، إذ لا يمكنه أن يبرر كل لقطة من الناحية الدلالية والسيميائية، فالعمل الدرامي لا يمكن تجويده مثل العمل السينمائي، لكن لابد من بلوغ البصمة الإخراجية التي توحد المستويات الثلاثة للكتابة. المشاهد البسيط قد لا يصل إلى هذا الحد من الفضول، غير أن الإخراج له مبادئه التي يجب أن توفر على الأقل الحد الأدنى من التنسيق بين الموضوع وصناعة الصورة من الناحية التقنية. مع ذلك هناك عناصر إيجابية لابد من التطرق إليها، فجودة الصورة في المسلسل كانت تعبر عن نفسها، وجودة الصورة تبقى بحاجة دوما إلى إمكانات مادية وبشرية، إذ تلتهم أموالا معتبرة على صعيد الإضاءة والديكور والأكسيسوار واللباس، كما تحتاج إلى فريق خبير قادر على التجويد والحرفية. رغم ذلك لو قارنا بين جودة الصورة في مسلسل عاشور العاشر مثلا ومسلسل الخاوة، لقلنا إن الجودة كانت أفضل في مسلسل عاشور العاشر، ربما يرجع الفارق بالأساس إلى نوعية الكاميرا والطاقم المسؤول عن الصورة، وخصوصا تقنيي تصحيح الألوان الذين يلعبون دورا مهما في تجويد الصورة، وكل ذلك يحتاج إلى وقت وجهد وأموال إضافية. الصورة في مسلسل الخاوة مبهرة في كثير من المشاهد، نظرا للديكورات والأكسيسوارات الفاخرة التي وظفها المخرج بذكاء في مشاهده ولقطاته. الموسيقى كذلك تم اختيارها بعناية ما أضاف لمسة جمالية على المشاهد، خصوصا وأن الموسيقى هي التي تبث الروح في العمل بنسبة كبيرة. على العموم، مسلسل الخاوة هو في اعتقادي بداية لعمل درامي جاد في الجزائر، والأعمال الدرامية تبقى بحاجة إلى الأموال والوقت اللازم لإنجاح العمل. إن مساهمة القطاع الخاص في تمويل المشاريع الدرامية أمر مطلوب للغاية، لكن بعيدا عن احتكار شركات منتجة معينة. لابد من تشجيع مخرجين جزائريين أكفاء لهم طاقات إبداعية لم يستغلوها كما يجب، هم فقط بحاجة إلى الأموال والوقت الكافي كي يحققوا إبداعاتهم على طول السنة، وليس في شهر رمضان فحسب. الدراما الجزائرية بحاجة إلى الرعاية المادية والمعنوية وبحاجة إلى التكوين في مختلف المهن التقنية والفنية في قطاع السمعي البصري، ومن دون التأسيس لصناعة سمعية بصرية وسينمائية، لا معنى للحديث عن جودة الدراما الجزائرية. انتهى