الدكتور قادة جليد لقد تفاجأ المحللون السياسيون والمتتبعون للشأن الوطني في الجزائر من بيان الأوراسي الصادر عن منظمات أرباب العمل أو الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين وبرعاية من المركزية النقابية، وإن كنا نتفهم للوهلة الأولى ردود أفعال التنظيمات، خاصة منتدى رؤساء المؤسسات التي رأت أن مصالحها أصبحت مهددة من خلال السياسة الجديدة لحكومة السيد عبد المجيد تبون، بضرورة فصل المال عن السياسة واسترجاع هيبة الدولة ومصداقيتها عند الشعب ومحاربة الفساد بكل أشكاله، إلا إننا لا نتفهم موقف المركزية النقابية التي تمثل بثقلها التاريخي والرمزي والاجتماعي أحد الأعمدة الأساسية في بناء الدولة الوطنية منذ ثورة التحرير المباركة، والتساؤل الذي يطرح نفسه هو : كيف ورط سيدي سعيد نفسه والمركزية النقابية في هذا الموقف المتناقض ؟ كيف تنكرت المركزية النقابية لتاريخها ومبادئها وتخندقت مع الأوليغارشية التي استولت على أموال الشعب بدون حسيب ولا رقيب وتريد اليوم أن تبتز الحكومة والدولة وتستولي على السيادة ودواليب الحكم ؟ إن هذا الموقف يعبر عن حالة الفوضى والتسيب من قبل أطراف اعتقدت خاطئة أنها تستطيع أن تسير الدولة وفق مصالحها وأهدافها ونسجت الولاءات المنفعية والجهوية والتكتلات المالية وأحدثت بفعل سلوكاتها الطائشة المجنونة شرخا كبيرا بين السلطة والشعب لاعتقاد هذا الأخير أن الدولة الوطنية التي ضحى من أجلها الشهداء والرجال والنساء أصبحت مهددة في حاضرها ومستقبلها، فكانت أزمة الثقة وانسحاب المجتمع من الشأن العام، لذلك كان لا بد من التدخل العاجل وتصحيح الوضع قبل فوات الأوان، فكان تعيين السيد عبد المجيد تبون كوزير أول من قبل السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية وكان اختيارا تاريخيا وإستراتيجيا في نفس الوقت، فمن جهة لأن الوزير الجديد شخصية متزنة وتحظى بقبول شعبي ورجل عقلاني وواقعي وفارس ميدان، ومن جهة أخرى فإن اختلاط المال بالسياسة قد أدى الى تراجع كبير في ثقافة الدولة، وأصبح تغول رجال المال في عالم السياسة وتدبير الشأن العام حديث العام والخاص في الأماكن العمومية، وكانت مهزلة الانتخابات التشريعية الأخيرة والعزوف الكبير للمواطنين أكبر دليل على ذالك، فقد تصدر رجال المال قوائم الأحزاب السياسية، خاصة أحزاب الموالاة بتواطؤ من رؤساء الأحزاب أنفسهم الذين ضحوا بقواعدهم النضالية، ودخلوا في نسج تحالفات والمغامرة بنوايا خفية ومعلنة قد تكون مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي لسنة 2019. إن الديناميكية السياسية والاجتماعية والأخلاقية الجديدة التي أحدثها السيد عبدا لمجيد تبون والقرارات الشجاعة التي أتخذها في حماية المال العام والمراقبة الصارمة للمشاريع والتدقيق في مسارات أصحابها الملتوية، إن هذه القرارات قد تفاعل معها الشعب إيجابيا وبدأت الثقة تعود من جديد وتجند المواطنون البسطاء على مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن هذه السياسة الرشيدة للحكومة، ولكن جماعة المال أو الأوليغارشية الجديدة في الجزائر التي تجاوزت الخطوط الحمراء شعروا وأدركوا أنهم مستهدفون في مصالحهم ومستقبلهم مستغلين إجراء بروتوكولي عادي وقانوني في حق رئيس منتدى رؤساء المؤسسات ليجعلوا منه الشجرة التي تغطي الغابة، وكان إجتماع الأوراسي لبعث رسائل تحذيرية ومشفرة إلى السيد الوزير الأول مختبئين وراء العقد الإقتصادي والاجتماعي وإمكانية التشويش على الحكومة وإسقاطها في المستقبل، ولكن ما هي المألات المرتقبة لهذه القضية والخطوات الممكنة بناء على العناصر المتوفرة والتي يمكننا أن نحصرها في النقاط التالية: 1 يمكن لهذا الحلف المشبوه أي حلف الأوراسي أن يحرك رجال المال من أتباعه وأنصاره المتواجدين كنواب في المجلس الشعبي الوطني للتشويش على الحكومة من خلال عرقلة مشاريع القوانين، وخاصة مشروع قانون المالية لسنة 2018، والذي قد تلجأ فيه الحكومة لفرض رسوم وضرائب طفيفة للمحافظة على التوازن المالي بفعل الأزمة الاقتصادية. 2 – إن البرلمان الجديد بتركيبته البشرية الحالية والتي يتصدر المشهد السياسي فيه رجال المال، والذي يتميز بعدم الرضا الشعبي عنه إلى درجة الرفض قد يدفع السلطات العمومية في البلاد إلى حله قبل انقضاء عهدته النيابية 3 – إن هذا الحلف المشبوه قد يكشف في الأيام القادمة عن حلفاء آخرين لهذا الحلف، خاصة من الطبقة السياسية الذين عولوا على منتدى رؤساء المؤسسات لرفع أسهمهم في الاستحقاقات القادمة، خاصة الاستحقاق الرئاسي لسنة 2019. 4 – يمكن للسلطات العمومية في البلاد وهذا هو الأرجح وفي وجود إرادة سياسية قوية وتزكية من السيد رئيس الجمهورية لرجل ثقته السيد عبد المجيد تبون أن تقوم بتطهير للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من الوجوه المرتبطة بشبهة الفساد والتي أصبح الشعب ينادي بضرورة رحيلها حتى تعود المصداقية من جديد، وأعتقد انه شرط ضروري لإنجاح الحوار الإجتماعي الذي أطلقه الوزير الأول، لأن الشعب أصبح اليوم لا يثق لا في أحزاب الموالاة ولا في أحزاب المعارضة، وتبقى المؤسسة الدستورية المنتخبة الوحيدة التي يكن لها التقدير والاحترام هي مؤسسة رئاسة الجمهورية مجسدة في شخص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وما يمثله من ثقل تاريخي ورمزي وسياسي ومصداقية لدى المواطنين الجزائريين. وأخيرا وليس آخرا، فإن الشعب الجزائري هو مصدر السيادة وجميع السلطات، وهو يبارك بفرح وأمل خطوات الوزير الأول الذي حظي بثقة رئيس الجمهورية، ونقولها صراحة وعلانية كمواطنين للسيد عبد المجيد تبون، اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معك مقاتلون، أما حلفاء الأوراسي فنذكرهم بحلف الأحزاب بقيادة أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه في محاصرته للرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، ولكن الله سبحانه وتعالى سلط عليهم ريحا صرصرا عاتية اقتلعت خيامهم ونثرت قدورهم وشردت خيولهم وجمالهم وفروا هاربين عائدين إلى جحورهم خائبين. [email protected]