* عبد الوحيد طمار… الرجل المناسب في المكان المناسب * طمار أول مهندس معماري يشغل منصب وزير السكن منذ الاستقلال * قطاع السكن استهلك 51 مليار دولار في السنوات ال10 الأخيرة * الجزائر البلد الوحيد في العالم الذي سن قانون لتسوية الفوضى * القصبة وغرداية دروس في الهندسة المعمارية * ملء الفراغ القانوني الذي يعيشه قطاع السكن ضرورة حتمية أكد رئيس المجلس العربي الأعلى للمعمار والعمران وتطوير المدن، جمال شرفي، أن الوافد الجديد على وزارة السكن والعمران والمدينة، عبد الوحيد طمار، سيضيف لمسة خاصة في القطاع، كونه أول مهندس معماري يعتلي منصب وزير السكن منذ الاستقلال.
* عرفنا أكثر بوزير السكن عبد الوحيد طمار – طمار صديق وزميل اشتغلنا مع بعض جيدا لفترة كبيرة قرابة ثلاث سنوات، كان مدير التعمير وبعدها مدير الهندسة المعمارية والتعمير، اشتغلنا على عدة ملفات في المجلس الوطني، جد متفائل بقدومه على رأس وزارة السكن والعمران والمدينة، كان تصريحه قويا في الأيام القليلة الماضية، وتأكيده على أنه ليس وزيرا لمشاريع عدل فقط، بل وزيرا للسكن والعمران والمدينة، اشتغلنا أيضا على مجموعة من الملفات ومن بينها إعادة مراجعة قانون التعمير 29.90، كونه اشتغل منصب مدير تعمير سابقا في مدينة وهران وتخصصه في مجال الهندسة المعمارية حافز كبير سيضمن نجاح تجربته في تسيير هذا القطاع، كما كانت له تجربة ناجحة في ولاية مستغانم أين ترأس جهازها التنفيدي من أوت 2015 إلى أوت 2017 تاريخ تعيينه وزيرا على القطاع.
* ماذا يميز الوافد الجديد إلى وزارة السكن والعمران والمدينة عن سابقيه؟ – مايميز طمار أنه مهندس معماري، وهو أول معماري يعين وزيرا لقطاع السكن منذ 1962، أعطى تصريحات قوية خاصة فيما تعلق الأمر باهتمامه بقطاع السكن والمدينة والعمران كثلاثية متكاملة، دون تفضيل السكن عن العناصر الأخرى المهمة، بالإضافة إلى تصريحه بضرورة رقمنة رخص البناء للقضاء على البيروقراطية. له خلفية كبيرة أكثر من سابقيه، لأن التخصص يلعب دورا كبيرا في اعتلاء مناصب الدولة، جميع الوزراء لديهم شهادة المدرسة العليا للإدارة لكن الآن تجربة وزير مهندس ستضيف للحنكة الإدارية لمسة تقنية خاصة، تمكنه من معرفة خبايا القطاع بزواياه المظلمة، بالإضافة إلى تقربه من الانشغالات المطروحة والتعرف على حقائق الأرقام.
* ما هي التحديات التي تواجه عبد الوحيد طمار في الوقت الحالي؟ – أكيد أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الجزائر ستجعل الوزير أمام تحديات كبيرة، فالفترة الحالية بعيدة كل البعد عن فترة تبون وسلال، هذا الأخير جاء في فترة البحبوحة المالية، حيث كانت كل المشاريع مصادق عليها من طرف رئيس الجمهورية، لم تكن هناك معوقات وتحفظ في إنجاز المشاريع، قطاع البناء من أكبر القطاعات المستهلكة لأظرفة مالية جد ضخمة حيث استهلك القطاع في العشر سنوات الأخيرة 51 مليار دولار. ما تم إنجازه من برامج الرئيس منذ سنة 1999 إلى يومنا هذا هي برامج المليونيات، برامج تتعدى 3 ملايين وحدة سكنية بمختلف الصيغ بين السكن الريفي والاجتماعي والتساهمي وصولا إلى سكنات عدل وسكنات LPP، كانت ثورة كبيرة في الإنجاز، اللمسة التي سيضيفها وحيد طمار باعتباره مارس مهمة مدير التعمير والبناء في ولاية وهران ثم مارس مهمة رقابية أخرى في مفتشية التعمير كان لها دورا رقابيا في الإطار المبني وكان ذلك في مدينة وهران، كنا ننادي سويا بضرورة عدم اختزال وزارة السكن والعمران والمدينة في عدل فقط، لأن السكن هو جزء بسيط جدا ضمن هذا الإطار المبني، كما اشتغلنا على إشكاليات التعمير في الجزائر عندما كان يشغل منصب مدير عام للهندسة المعمارية والعمران في الوزارة، ملف آخر ضخم وهو مراجعة قانون التعمير، الذي من خلاله ستتم مراجعة أدوات التعمير المتمثلة في المخطط العام للتهيئة والتعمير ومخطط شغل الأراضي، لأن أدوات التعمير لم تراجع منذ سنة 1990، وبعد مرور 26 سنة تقرر أنه يجب تحديث هذا القانون لإعطاء منظور آخر لهذه الأدوات على غرار التنمية المستدامة والتعمير الأخضر، بدأنا ورشة عمل مهمة جدا مع خبراء ولجان، أين قمنا بدعوة العديد من الخبراء والإطارات الجزائرية، ولكن للأسف لم تكن هناك متابعة لأنه عين واليا على ولاية مستغانم. كنا ننوي إحداث تغيير في منظور الإطار المبني، خاصة ما يخص فوضى العمران التي تشهدها الجزائر نتيجة فقر الترسانة القانونية وغياب القوانين المنظمة للإطار المبني، من ضمن الورشات أيضا المرسوم التنفيدي 15-19، والذي يخص عقود التعمير، أين تم آنذاك بطلب من رئيس الجمهورية تخفيض مدة رخصة البناء إلى 21 يوما وهذا ما جعل الجزائر تصنف من طرف البنك العالمي ما أكسبها نقاطا في التصنيف في تحسين مناخ الأعمال في الجزائر. للأسف الزميل طمار لم يستمر معنا وانتقل إلى مستغانم، أعطى لولاية مستغانم لمسة خاصة لأنها كانت تتميز بطابع فلاحي سياحي، حيث كانت له نظرة لتطوير السياحة بمفهومها العميق، كما ساهم في خلق ديناميكية كبيرة على مستوى الولاية.
* ماذا يعاب في قطاع السكن حاليا؟ – الدولة سخرت إمكانات ضخمة للنهوض بالقطاع، لكن لم نصل إلى نتائج إيجابية، كانت النتيجة سلبية على جميع الأصعدة، هناك فراغ قانوني كبير من حيث القوانين التي تضبط وتعطي النوعية حقها، تم اختزال دور المهندس المعماري في البرامج السكنية، حيث جعلوه مجرد متناول ثانوي مع المقاولة. القاعدة تقول إن المهندس المعماري دائما هو القاطرة، ومعيار تقدم الشعوب يقاس بمعمارها كما هو موجود في دبي ودول أخرى، فبدون أن تعرف أن هذا الشعب متقدم أو متخلف العمارة هي الصورة الحقيقية التي تعكس هوية الشعوب ومستواها. لما ننزع العمارة الاستعمارية من الجزائر العاصمة والمدن الكبرى، سنتساءل حينها ماذا قدمنا نحن في جيل الاستقلال، غرقنا في مصطلح الاستعجالية التي جعلتنا نهمل فنون العمارة، ودائما نطبق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
* تحدثت عن العمارة والهوية، أين هي العمارة الجزائرية من هذه الهوية؟ – أنجزنا عمارات بدون روح ودون هوية معمارية، أشعر بالحرج عندما أكون في الخارج ويسألونني كمهندس معماري هل تستطيع أن تعرفنا بخصائص العمارة في الجزائر؟ أهملنا هذه الهوية في الوقت التي نجحت فيه البلدان المجاورة كالمغرب وتونس من بصم هويتها في صورتها العمرانية. كان هناك المرسوم التشريعي 94-07 المتعلق بشروط النتاج المعماري وممارسة مهنة مهندس معماري في مادته الثانية والثالثة والرابعة يشدد على ضرورة تثمين المنتوج المعماري، دور السلطات المحلية هو إعداد دفاتر شروط لكل منطقة بخصائصها المعمارية الواجب اتخاذها بعين الاعتبار، غير أن هذا الأمر لم يتم لأن هناك ضعف كبير لدى المسؤولين الذين يشرفون على القطاع، أصبحت هناك شعبوية وفوضى في العمران لدرجة أننا البلد الوحيد في العالم الذي سن قانون يسوي الفوضى. يجب أن يكون هناك ردع لأن الخطأ في الإطار المبني لا يصلح، عظمة الشعوب التي مرت عرفناها من عمارتها والقصبة عبارة عن درس من دروس العمارة، غرداية أيضا دروس في الهندسة المعمارية، هندسة بيئية ذات طابع صحراوي بالرغم من أنها بنيت من دون معمارييين. أخشي أن يأتي علينا يوم، إما أن نطوى في سجل هذا التاريخ أم سيذكروننا وينعتوننا بعيوب كبيرة نتيجة هذه العمارات التي تشيد حاليا، هي عبارة عن علب كبريت عمارة نمطية بدون هوية، غريبة على المجتمع الجزائري.
* ماذا كان يجدر بنا فعله لتفادي الوقوع في هذه الأخطاء ؟ – كان الأجدر بنا أن نضيف نوعا من دفاتر الشروط وإعطاء الاهتمام الأكثر بالجوانب المعمارية، لإنتاج عمارة تعكس لنا روحا وهوية وثقافة وتحل أزمة السكن، للأسف نحن خسرنا الرهان من الجهتين كانت هناك استعجالية لكسب الوقت، لم نكسب وقتا والدليل على ذلك لم ننته من مشاريع عدل 1 وعدل 2، حيث كانت عبارة عن مواعيد زائفة. من الضروري الآن، البدء في إعطاء الاهتمام الكبير للدراسة قبل الإنجاز، لكي نكسب الوقت في الإنجاز، الدراسة المتأنية والدقيقة بدون أخطاء سيكون نتاجها جانب جمالي دائم، في الجزائر نمارس العكس نعطي اهتماما ووقتا لمرحلة التشييد على حساب الدراسة. * أين يكمن المشكل؟ – للأسف مسؤولينا ليس لهم ثقافة العمارة والعمران، رخصة البناء هي مجرد إجراء إداري للحصول على الورقة، كل هذا في ظل غياب تام للرقابة وللنصوص القانونية لأنها أصبحت اليوم ضرورة حتمية للقضاء على هذه الفوضى التي قضت على الصورة الجمالية للجزائر. يجب أن نشتغل لملء الفراغ القانوني الذي يعيشه القطاع، يجب إلزام المواطن حتى في بناء سكنه الخاص بضرورة المرور على مهندس معماري في الدراسة والمتابعة وأن تكون النتيجة مطابقة للتصميم الأول، حيث يكون التصميم وفق الخصائص المعمارية لكل منطقة، وذلك من خلال إعداد دفاتر شروط تحترم خصوصيات كل منطقة، فأن تبني في الصحراء بالخرسانة المسلحة اغتصاب للطبيعة.