بقلم: ياسين بوغازي الحلقة الثانية: الصحوة الإسلامية المؤقتة ؟ في ذروة التوقيت الزمني لبزوغ ما سمي بالصحوة الإسلامية في أبجديات الفكر الإسلامي وقد أضحت مصطلحا تعددت مآلاته التاريخية والسياسية والثقافية، والصحوة الإسلامية التي بدأت فكرة بسيطة لأجل الإسلام ولأجل إحيائه طلعت منذ أواخر الستينيات ومطالع سبعينيات القرن العشرين بمصفوفة من البرامج والتوصيات ومن المناهج والممارسات لما يستطلب الالتزام به للمسلمين في جميع تجلياتهم الحياتية والثقافية والاجتماعية والعلائقية ومناحى يوميات المسلم، وعلى مقاسات هذه الالتزامات الاشتراطية ظهر ما يسمى بالإسلام السياسي هذا الأخير الذي أضر بالصحوة الإسلامية والإسلام ضررا بليغ. ثم إن مصفوفة الصحوة الإسلامية كانت جوهرة الاشتغال الندوي والتفكير العقلاني ضمن ملتقيات الفكر الإسلامي وكانت مصفوفة لأجل إيجاد التوافق العصري الممكن بين مختلف المشارب التفكيرية من العلوم الإنسانية والعلوم الثقافة والفنون والحكامة والسلطة وبين البنوك وملامح العلاقات الاقتصادية والحريات الفردية والثنائية والحريات الأخرى كالمرأة والأقليات والطوائف المضطهدة وجميع الاستظهارات الحديثة ذات الصلة بالفكر الإسلامي، وإن هذه الاشتغالات قد جعلت من الصحوة الإسلامية فكرة الأفكار وجوهرة الاستشراف الممكن للغد الإسلامي الممكن أيضا ضمن عالم مضطرب ؟ وهي في الحقيقة فكرة قديمة متجددة فهي ليست وليدة السبعينيات من القرن العشرين، ودارسيه يعيدونها إلى زمن المشروع الإصلاحي لجمال الدين الأفغاني ومن تلا بعده من أسماء وجماعات كالسلفية والإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية الباكستانية، والغريب أن جميع هذه التشكيلات والجماعات قد أساءت في تطبيق مقتضيات هذه الصحوة الإسلامية بل لقد أضرت كثيرا بالفكرة الأولى. لقد شغلت الصحوة الإسلامية ومصفوفتها الجديدة العالمين العربي والإسلامي وأن ملتقيات الفكر الإسلامي قد أعطتها فسح رمانية طويلة واستجلابات علمائية جليلة من أعظم الأسماء المقتدرة في مجالات الثقافة والفقه والتفكير الإسلامي لذلك الوقت فيما أن أسماء من خارج المعطى الجغرافي الإسلامي والعربي قد استدعيت دعما للفكرة الأولى كصاحبة كتاب الشهير شمس العرب تشرق على الغرب سيغريد هونكه والفيلسوف الفرنسي الذي أتعبته ساحات الأديان رجاء جارودي وغيرهما كالآسيوين والقوقازيين والهند لأن النية في إيجاد مخارج فكرية كانت بريئة براءة الدين المحمدي الحنيف نفسه. ثم إن إعطاء فسح لهذه الأفكار في ذلك الزمن الماضي لم تكن لتثير الكثير من الإشكالات اللا رسمية واللا أهلية باستثناء ما تلا من ارتكابات الإخوانية الجزائرية التي مشت في منحى مغايرا في أواخر السبعينيات والثمانينات، علما أنه في المقابل أن الجزائر في أواخر الستينيات والسبعينات كانت تحاول درء تهم الإلحاد الشيوعي الاشتراكي والسطوة الثقافية الفركوفونية التي صبغت الجزائر في الأوساط العربية فلا تفهم لماذا كان السلوك الإخواني على تلك المقاسات. وأن هناك من الباحثين المنشغلين على هذه الملتقيات يرجعون أصلا بزوغ ملتقيات الفكر الإسلامي بتلك القوة والحفر المحاضراتي والعلمائي ضمن تلك الأطر والمخاوف التي ارتسمت أمام القيادة السياسية وقتها ربما واستوجبت التفكير في إنشاء البديل الثقافي بمقومات العروبة والإسلام فكانت الملتقيات الإجابة الصادحة. على كل حال، كان يراد للملتقيات الفكرية الإسلامية إظهار الجانب الانتمائي لغير الفركوفونية والاشتراكية وأن الأسماء التي جلبت كانت من جميع الأوطان والجنسيات والانشغالات الفكرية، فلم تكن هنالك خطوط الممنوع ولا مضايق القمع الفكري ولا القوائم العلمائية والثقافية الموضوعة تحت اشراطات المنع والملاحقة ولا تهم العمالة ولا مصطلحات من جنس عالم باع نفسه، في الحقيقة لم تكن أبدا متلقيات الفكر الإسلامي في الجزائر على قاعدة الطالب والمطلوب، ففتحت قاعات المحاضرات على الشغف المعرفي وعلى التأصلات التي بدت في تلك الفترات ثورية ومعاصرة وهي اليوم ترى أنها كانت تأصيلات متجاوزة تماما للمتطلبات الإنسانية الحقوقية، ولقد كانت الرغبة في تصور مغاير للإسلام الثقافي والحضاري والعلمي قلب تلك التأصيلات المثيرة فيما كانت الرغبة في إزاحة صورة نمطية تقليدية سادت بين النخب عن الفكر الإسلامي هاجسا مركزيا للملتقيات لأن سطوة طاغية كانت لمعتنقي الفكر الإيديولوجي الاشتراكي والشيوعي الإلحادي حددت هذه المقاسات ليستمر التدافع ضمن الصحوة الإسلامية وما ضمته من بدور إفشالها ممن منحتهم فسح التعبير والتفكير لأنه مهم جدا الحديث عن الصحوة الإسلامية كأهم رافد حمل أماني ملتقيات الفكر الإسلامي بل لقد كانت جوهرة الفكرة الإسلامية الجديدة بما أعلته تلك المحاضرات وما أثارته تلك النقاشات بل إن هنالك من يطلق على الملتقيات أنها لم تكن سوى ملتقيات الصحوة الإسلامية في الجزائر ؟ فعلى اعتبار أن مصطلح الصحوة أشمل وأعمق ولأنه المصفوفة الشاملة لما يراد أن ينجلي من فتوحات تلك الملتقيات الفكرية نحو استشرافية إسلامية عصرية ممكنة وعلى الأقل ضمن أماني التغيير الذي اختطفه الإسلام السياسي الذي كان وكأنه متخفٍ خلف ستائر النقاشات العلمية وبوح العلماء، الإسلام السياسي الذي قدم نفسه وريثا شرعيا لمتلقبات الفكر الإسلامي وقد رفع شعار الإسلام هو الحل ؟ في المقابل بات في علم اليقين أن الصحوة الإسلامية لم تكن سوى مصفوفة تصورات إسلامية مؤقتة، مصفوفة لما تصور أنه الحل الشامل لكنها لم تستطع التحكم فيه وخرج كل شيء عن السيطرة ! فالمآلات الفكرية التي أخذت مخارج خطيرة وعنفية قد عبثت بأماني ملتقيات الفكر الإسلامي ورمزيته، وبأماني الصحوة الإسلامية وبراءتها، وبأماني الأجيال التي كانت متعطشة للفضيلة ضمن المشارب الإسلامية المحمدية الحنيفة قبل أن تعصف بها رياح السموم ويتضح فيما بعد أن الصحوة الإسلامية لم تكن سوى ظاهرة فكرية بتأصيلات إسلامية استشرافية حالمة، اتضح أنها لم تكن سوى صحوة مؤقتة.