يمرّ اليوم عام كامل على رحيل فنان الشعبي أعمر الزاهي، الذي اختار العزلة بعيدا عن أضواء الشهرة الزائفة، فخلّد اسمه في تاريخ الفن الجزائري الأصيل. تداول رواد «الفيس بوك»، صور وأعمال الفنان الشعبي الراحل اعمر الزاهي، الذي يمر اليوم عام كامل على رحيله، في حين لم تبادر أي جهة رسمية بأي التفاتة في حق الرجل الذي قدّم الكثير للأغنية الجزائرية. اسمه الحقيقي أعمر آيت زاي، وأمضى حياته بطريقة الكبار يحفر مجده من دون أن يقصد أمرا سوى الحياة بقيم فنه، الذي عاش له ومن أجله ليغمض عينيه على إرث فني مميز يشرح عبقريته الفنية والإنسانية. وفي صورة الفنان الأيقونة، ما يزال صوته يصدح من الراديو ومن نوافذ السيارات والمقاهي ومن المحلات، ومن أفواه الشباب والمراهقين الذين اعتنقوا فنه وحالته الإنسانية تلقائيا، ليصبح فنان إجماع لدى محبي الشعبي وغيرهم. وليست محبة وإخلاص الناس للزاهي نابعة من تفرده فقط، بل من خياره وانحيازه للبسطاء الذين شاركهم أفراحم وأعراسهم دونا عن الحفلات الرسمية التي قاطعها منذ 1987، بعد آخر حفل وآخر صعود على الخشبة.
* "مارينغو".. بعيدا عن أضواء النجومية أعمر الزاهي كلّما صمت ازداد صوته ألقا، وإذا اختلف اثنان حول أمر في فن الشعبي وعراقته، فإنهما يتفقان أن الراحل صورة هذا الفن، رغم أنه ظلّ ينأى بنفسه عن أوساط الصخب والنجومية، متجاهلا وزنه وقيمته، ومكتفيا بمجالسة البسطاء وتأمل الحياة، كما فعل مؤخرا ب"جنينة مارينغو"، تلك الحديقة التي تتأهبّ الآن لتحمل اسمه ولو رمزيا، عبر مسعى جمع توقيعات تطالب بأن تحمل اسم الفنان الخالد لتصير للزاهي حديقة قد تجمع محبيه ومحبي الشعبي والمخلصين لفن البساطة. سلم أعمر الزاهي أو "شيخ لبلاد" كما لقبه أتباعه روحه لبارئها عن عمر 75 سنة، بعد خمسة عقود صدح فيها وشغل الدنيا بفنه ونمطه المختلف، وجعل حالة من التقدير والهيبة والغموض تحيط به من قبل معجبيه وهواة الفنون الأخرى.
* رهان مختلف.. وخيارات أخرى كان رهانه مختلفا، لم يسع إلى الظهور كنجم أو رائد فن، ولا كمقبل على الحياة وصخبها، ولم يكن بوسع أحد أن يعطيه نموذجا فنيا مماثلا، ببساطة لأنه متفرد في آدائه كما في خطاه وحياته وخياراته المختلفة. تحوّل الزاهي إلى أسطورة، فرغم أنه عاش كأبسط الناس، إلا أنه ظل كالسر العظيم لا يدركه أحد، هذا الذي جعل الحكايات التي تحاك حوله تتسع وتأخذ ألوانا وأشكالا أقرب إلى الخيال، لكن خيطها المشترك هو شعبيته وتواضعه. * "سلطان الهوى"..أسلوب خاص في الشعبي خلّف الفقيد أعمالا خالدة غنية، ترجمتها القصائد التي آداها لكبار شعراء الملحو،ن بدءا من انطلاقته مؤديا الأغنية الشعبية القصيرة في ستينيات القرن الماضي قادما إليها من تمرين على الأندلسي. أدى قصائد لرموز، على غرار بن مسايب وبن سهلة وبن تريكي والمغراوي، كما تعامل مع الباجي، وتبقى مرحلة الفنان الراحل محبوب باتي، نقطة انطلاق مهمة لمشواره. استطاع الزاهي أن يحصل على لقب "سلطان الهوى" بعد أن صبغ الشعبي بأسلوب خاص غير معهود بانتقاله من قصيد إلى آخر، كما طعّم الفقيد الشعبي بأنواع موسيقية أخرى متأثرا بالموسيقى الكلاسيكية العالمية، وموسيقى السينما، وحتى التنويعات الموسيقية الفرنسية. لامس الفقيد بفنه وسلوكه مرتبة شيخ، وجعل من معجبيه مريدين لطريقته من دون أن يعلن نفسه صاحب طريقة أويحدث الناس على كشوفاته، مكتفيا باعتناق الصدق والانسجام في الحياة والآداء الفني. لم يكن الزاهي يعزف على مندوله أوغيثارته فيفتن معجبيه وعشاقه فحسب، بل كان يعزف أيضا بخطاه المتواضعة منهجا بسيطا يصنع وهجه في مفارقة غير معهودة لدى النجوم. إيمان. ب