لا يزال سيناريو ندرة الحليب في الأسواق يتكرر مرة بعد أخرى رغم الإجراءات الرقابية التي أقرتها مصالح بن مرادي لكبح جماح المتورطين وتطمينات وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري للمستهلكين بوفرتها، حيث تشهد الأسواق الجزائرية ندرة لافتة لأكياس الحليب، شكلت طوابير كبيرة للمواطنين للظفر بكيس الحليب، وهو الأمر الذي أثار سخطا في أوساط المستهلكين، وجعل الكثيرين يتساءلون حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء استمرار هذه الأزمة التي طال أمدها في الفترة الأخيرة، فضلا عن وجهة مليار و200 مليون دولار كفاتورة تستنزف الخزينة العمومية. وفي الوقت الذي اتهم البعض أباطرة المال بالاستفادة من دعم الدولة الموجه نحو المستهلكين، دعا البعض الاخر الى تغيير سياسة الدعم الحالية وتخليص البلاد من التبعية بتشجيع المنتوج الوطني، مستبعدين الوصول إلى حل لها ما لم تحقق المطالب سالفة الذكر. من جهته، أرجع رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلكين، حمزة بلعباس، أسباب تكرار سيناريو أزمة ندرة الحليب، إلى فشل الوصاية في التحكم في هذه الظاهرة التي طال أمدها، رغم تخصيص الوزارة الوصية لمؤسسات متخصصة كالديوان الوطني للحليب الذي يسهر على تنظيم تسيير هذه المادة، فضلا عن اللجان المتخصصة لدى مديريات الفلاحة بالولايات، متهما أباطرة المال بالتلاعب والتحايل بهذه المادة والاستفادة من دعم الدولة لها في الصناعات التحويلية، فيما يبقى المستهلك محروما من هذا الدعم حيث لا يصل للكيس الا بعد جهد مضني. وأشار حمزة بلعباس في حديث مع "الحوار "، إلى أن الحل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة يكمن في استيراد بودرة الحليب ممزوجة بمادة النشاء بكميات يسمح بها القانون، للحيلولة دون استخدامه في غير ما استورد لأجله، ناهيك عن رفع هامش ربح الموزعين الذين يستفيدون من هامش ربح ضئيل، الذي جعلهم يتعاملون مع المؤسسات الأخرى مثل المقاهي للاستفادة من هامش ربح اكبر، داعيا اياهم الى التعامل مع تجار المواد الغذائية من جهة، ورفع هامش ربحهم من جهة أخرى، متسائلا إلى أي وجهة تذهب مادة الحليب التي تجاوزت فاتورة استيرادها مليار و200 مليون دولار، والتي لا يستفيد المستهلك الا من نسب قليلة منها، قائلا: "كمية البودرة تصل الى 100 غ في اللتر الواحد من الحليب لكنه لا يصل 60 بالمئة". في شأن ذي صلة، قال رئيس اللجنة الوطنية لموزعي الحليب أمين بلور، إن إطالة أمد الأزمة بشكل مختلف عن السنوات الأخرى، نظرا لتقليص الملبنات لكميات الحليب الموزع، والتي تقلصت من 5000 لتر إلى 3000 فيما يتعلق بالمؤسسات العمومية، فيما تقلصت إلى 1000 لتر في المؤسسات الخاصة، استجابة لتعليمات وجهها المدير العام للديوان الوطني للحليب للملبنات، والذي لم يرد على اتصالاتهم للاستفسار حول السبب من هذا التقليص، وهو ما ادى بدوره الى توقف العديد من نقاط التوزيع بسبب المشاكل التي يعيشها مجال توزيع الحليب، خاصة في ظل هامش الربح الضئيل الذي أجبر الموزعين الى التوجه نحو توزيع مواد اخرى تجنى منها نسب أرباح أكبر. في سياق مختلف، اعتبر رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار، أن تحقيق الاستقرار في توزيع المنتوج لن يتحقق في ظل الاعتماد على استيراد المادة الأولية، داعيا إلى ضرورة الاعتماد على تشجيع إنتاج الحليب الطازج، خاصة حليب الأبقار والماعز، وكذا دعم المستثمرين المحليين ومربيي الأبقار، داعيا الحكومة إلى ضرورة تسطير مخطط إنتاج فعال يعتمد على تشجيع المنتوج المحلي بهدف تقليص فاتورة الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي والتخلص من التبعية الموجودة في غبرة الحليب. وشدد ذات المتحدث في تصريح ل " الحوار "، على ضرورة تغيير سياسة الدعم الحالية والتي تتسبب بشكل كبير في تفاقم المشاكل التي يعاني منها هذا المجال، بما يسمح بتوجيهه نحو مستحقيه الفعليين. أم الخير حميدي