أشواط كبيرة قطعناها لتحقيق الأمن الغذائي والمائي    الموافقة على تعيين سفير الجزائر بساوتومي وبرانسيب    صناعة النسيج.. إمكانيات كبيرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي    شراء المنتجات مباشرة من عند الفلاحين لتسويقها بأسعار معقولة    خدمات إلكترونية متعدّدة في "فضاء الهناء"    الخلاف مع فرنسا مفتعل.. ولا مرجع للتعامل إلا مع ماكرون    افتتاح المدارس التعليمية الموسيقية ب19 ولاية    التزام بتحسين الطرق والمنشآت القاعدية بغرداية    الجزائريون أسّسوا أرضية للصروح القرآنية    المعرض التجاري الإفريقي الرابع بالجزائر: إطلاق النسخة الثانية من جائزة النشر في إفريقيا    سعي حثيث لتحقيق التميز العلمي    الاحتلال الصهيوني يعمّق الأزمة الإنسانية في غزة    غياب آلية الرقابة يشجّع المخزن على التمادي في انتهاكاته    حصيلة الشهداء في غزة تتجاوز 50 ألفا..الاحتلال الإسرائيلي يوسع المجازر والهجمات البرية    الصحراء الغربية:غياب آلية لمراقبة حقوق الانسان يشجع المغرب على التمادي في انتهاكاته    بيتكوفيتش يعول على ثنائية غويري وعمورة ضد موزمبيق    أشبال بوقرة يختتمون تربصهم بعنابة    عودة قوية لبلايلي    سعداوي يثمن قرار رئيس الجمهورية المتعلق بإدماج 82410 أستاذا متعاقدا في مختلف المراحل التعليمية    رئيس الجمهورية يجدد التزامه بالحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة..مواصلة رفع الأجور ومنحة البطالة تدريجيا    في السعودية.. موائد إفطار للجالية الإسلامية    توقع انتعاش كبير الاقتصاد الوطني.. خطوات كبيرة نحو تحقيق الأمن الغذائي والمائي في الجزائر    أشغال عمومية: رخروخ يستقبل نائبا بالمجلس الشعبي الوطني عن ولاية غرداية    "ترقية المحتوى الرقمي لحماية الطفولة" محور لقاء وطني    رئيس الجمهورية يأمر باتخاذ كافة التدابير لمواجهة أسراب الجراد بالجنوب    بدور بن وشفون نجمة واعدة تضيء الشاشة الجزائرية    "محو" يشارك في مهرجان سينما الجنوب بليون    خلال لقاء نظم بالجزائر العاصمة..استذكار مآثر مؤسس الطريقة البلقايدية الهبرية    افتتاح المسابقة الوطنية لجائزة الجزائر لحفظ القرآن..بلمهدي: الأمة الجزائرية ستبقى متمسكة بالقرآن الكريم    وزارة الثقافة والفنون:انطلاق المدارس التعليمية الموسيقية للناشئة في 19 ولاية    الميل القلبي إلى المعصية… حكمه… وعلاجه    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يأمر بتطوير الاستثمار في إنتاج الكهرباء وتوجيه الفائض للتصدير    قوجيل: رحيل مناد فاجعة أليمة    ماذا قال ابن باديس عن ليلة القدر؟    أبناء غزّة مرعوبون ومُدمَّرون    افتتاح الطبعة الخامسة    المغرب: تحذيرات من خطورة تمدد الاختراق الصهيوني وتهديداته للنسيج الاجتماعي    نيم ينعي مناد    تصرف روتايو تجاه الجزائر يزعج ماكرون    المحبوسين سيتصلون بذويهم عبر تقنية المحادثة "المرئية عن بعد"    استحداث تطبيق رقمي لمراقبة مدى التزام التجار بمداومة أيام عيد الفطر    قضية نهضة بركان/اتحاد الجزائر: قرار "التاس" هو انتصار للحق وتأكيد للمواقف السديدة للجزائر    الموافقة على تعيين سفير الجزائر الجديد لدى جمهورية ساوتومي وبرانسيب    تصفيات مونديال 2026: تشكيلة المنتخب الوطني تستأنف تدريباتها بسيدي موسى    مولوجي تشارك المسنين الإفطار    بلايلي: هذا الأهم بالنسبة لي..    محرز.. 100 لقاء دولي    رئيس الجمهورية: الجزائر خطت خطوات كبيرة في مجال الأمن الغذائي والمائي    فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" و"ركب الحجيج"    رئيس الجمهورية يجري لقاءه الإعلامي الدوري مع ممثلي الصحافة الوطنية    وهران: اختتام الملتقى السابع عشر لسلسلة الدروس المحمدية للزاوية البلقايدية الهبرية    مسابقة "تاج القرآن الكريم" : تواصل السهرات التنافسية بالمركز الدولي للمؤتمرات    سايحي يبرز مجهودات الدولة    مدرسة الصيام الربانية    دعاء الجماعة أَوْلَى بالقبول من دعاء الفرد    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    السيد سايحي يبرز مجهودات الدولة في توفير الهياكل الصحية عبر مختلف ربوع الوطن    متى يباح الإفطار للصائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"قلب اللوز".. الحلوى التي غزت موائد القسنطينيّين
من القصور إلى الشوارع
نشر في المساء يوم 23 - 03 - 2025

لاتزال بعض العائلات في قسنطينة تحتفظ بتقاليد رمضانية تختزل روح الشهر الفضيل، في زمن طغت عليه السرعة والانشغالات. فبعد الإفطار تجتمع العائلة حول صينية القهوة الرمضانية، تلك الصينية التي تتحول إلى لوحة فنية تزيّنها ألذ الحلويات التقليدية؛ "الهريسة الحلوة" وغيرها من الحلويات التي كانت المرأة القسنطينية تبدع في تحضيرها خصيصا لضيوف سهرات الشهر الكريم.
غير أن هذه الحلويات التقليدية واجهت منافسة شديدة من حلويات أخرى، خاصة تلك التي تتكون من مكونات بسيطة ومتوفرة في كل منزل قسنطيني، مثل الزلابية بأنواعها المختلفة؛ صباع العروسة، والصامصة، والكاوكاوية والنوقة، إلا أن أهم هذه الحلويات التي باتت لا يُستغنى عنها، حلوى "قلب اللوز"، التي ظهرت كوافد جديد، وأصبحت منافساً قوياً للحلويات التقليدية المرتبطة بشهر الصيام.
من وافد إلى عنصر أساسي
نجحت حلوى "قلب اللوز" في لفت الأنظار إليها طيلة السنوات الأخيرة. ولم تكتفِ بفرض نفسها على صينية القهوة الرمضانية فحسب، بل أصبحت حاضرة حتى في سائر الأيام. ويعود ذلك إلى مذاقها الفريد الذي يجمع بين حلاوة اللوز ونعومة القوام، حيث تمكنت هذه الحلوى من كسب قلوب الصائمين، لتصبح عنصرا أساسيا في سهرات رمضان.
ولم يأتِ انتشارها الواسع من فراغ، بل كان مدفوعا بأسعارها التنافسية، التي تجعلها في متناول الجميع مقارنة ببعض الحلويات التقليدية، التي تتطلب مكونات باهظة الثمن، أو جهدا كبيرا في التحضير.
"الهريسة لحلوة" أو "البسبوسة القسنطينية"
حلوى "الهريسة" أو "البسبوسة القسنطينية" من أبرز الحلويات التقليدية التي ارتبطت بشهر رمضان في قسنطينة قبل أن تظهر حلوى "قلب اللوز"، وتصبح منافسا قويا لها. وتتميز هذه الحلوى التي كانت ولاتزال تُحضَّر يدويا في المنازل من قبل النساء القسنطينيات، بوصفة فريدة تختلف عن تلك المستخدمة في صناعة "قلب اللوز". وحتى المحلات العتيقة في منطقة البطحة والتي تحتفظ بأسرار هذه الحرفة، تؤكد أن الهريسة تُصنع من دقيق ناعم الملمس، ما يعطيها قوامها الناعم المميز.
وتتكون من مكونات بسيطة؛ مثل البيض، والزيت، والسكر، والفانيلا، والحليب، وهي الوصفة التي كانت سائدة في قسنطينة قبل أن يظهر الشكل الحديث ل "قلب اللوز"، ويحتل مكانة بارزة على موائد رمضان.
من موائد الملوك إلى جلسات العوام
بالحديث عن حلوى "قلب اللوز" فقد ظلت محتفظة بتسميتها الأكثر شهرة رغم تنوع أسمائها المحلية التي لم تنجح في تجاوز حدودها الجغرافية. ففي غرب الجزائر تُعرف ب""الشامية"، وفي شرقها تُلقب ب"الهريسة الحلوة"، إلا أن هذه التسميات بقيت حبيسة المناطق التي نشأت فيها، بينما طغى اسم "قلب اللوز" كلقب عالمي، التصق بهذه الحلوى عبر القرون، ليكون شاهدا على أصالتها، وانتشارها الواسع. وراء هذه الحلوى التي تسحر الأذواق تكمن قصص وحكايات تتناقل بين الأجيال. أشهرها تلك التي تربط أصلها بالعصر العثماني؛ حيث كانت تُعد حلوى الملوك. وتُقدَّم حصريا في قصور السلاطين.
وتحاط بسرية تامة ككنز لا يُفشى. يُقال في بعض الروايات إن الطهاة العثمانيين حرصوا على إبقاء وصفتها سرا لا يُكشف إلا لنخبة الحكام. لكن مع مرور الوقت تسللت هذه الوصفة الذهبية من بين جدران القصور إلى أيدي العامة، لتصبح رمزا للتراث الذي يقاوم النسيان، ويتحدى مرور القرون بفضل مذاقه الذي لا يقاوَم. وهكذا تحولت "قلب اللوز" من حلوى الملوك إلى حلوى الشعب، حاملة معها تاريخا من الفخامة والغموض. وهناك من قال إن هذه الحلوى من اختراع الخليفة العباسي "المأمون" شخصيا. وكانت تسمى "المأمونية" قبل أن تتحول إلى اسمها الحالي.
في الحياة اليومية لأهل قسنطينة
حلوى "قلب اللوز" في قسنطينة ليست مجرد حلوى للمناسبات أو الأعياد، بل هي جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية لأهل المدينة، الذين يتناولونها كرمز للتراث والهوية.
غير أن رمضان يضفي عليها طابعا خاصا؛ حيث تتفنن محلات الحلويات في عرضها، وتتنافس في إضافة لمسات مبتكرة تجعلها في متناول الجميع.
وفي هذا الشهر الفضيل تتحول "قلب اللوز" إلى لوحة فنية من الإبداع، حيث تتنوع أشكالها ومكوناتها لتشمل "قلب الجوز"، وقلب البيستاش، وقلب الكاوكاو المصنوعة من الفول السوداني؛ في محاولة لتلبية كل الأذواق والميزانيات.
من البطحة إلى شارع زعموش
كان بيع "قلب اللوز" في السنوات الماضية محصورا في منطقة البطحة بالسويقة، تلك البقعة العتيقة في قلب مدينة قسنطينة؛ حيث كانت رائحة اللوز المحمص والعسل وماء الورد تملأ الأزقة الضيقة. لكن مع مرور الوقت تحولت البوصلة نحو شارع زعموش الواقع أسفل الحظيرة متعددة الطوابق على طريق باب القنطرة.
وهناك انتشرت عشرات المحلات المتخصصة في صنع وبيع هذه الحلوى، لتصبح نقطة جذب رئيسة لعشاقها.
ولم تتوقف عدوى انتشار هذه الحلوى عند هذا الحد، بل امتدت إلى المدينة الجديدة علي منجلي، التي باتت تضم عشرات المحلات المتخصصة في صناعتها، حيث تشهد محلاتها إقبالًا كبيرا ليس فقط من سكان قسنطينة، بل أيضا من زوار الولايات المجاورة، الذين يتوافدون، خصيصا، لاقتنائها.
وصفة "قلب اللوز" بين الأصالة والتطوير
أما عن مكوناتها فتتكون حلوى "قلب اللوز"، عادة، من المكسرات، وعلى رأسها اللوز، الذي أخذت منه اسمها.
وتحضَّر، أساسا، بالسميد، الذي يكون، غالبا، خشن الملمس. يضاف إليه السكر. ويوضعان في وعاء ويتم خلطهما جيدا. ثم تضاف الزبدة الذائبة إلى الخليط. ويتم عجنها جيدا حتى الحصول على عجينة متماسكة نوعا ما. يُرش القليل من ماء الورد على الخليط، وبعدها يتم مد العجينة في صينية.
وتوضع حبات اللوز للتزيين بغرسها في العجينة. ثم تُسقى بماء حلو حتى تحصل على مذاقها المتميز واللذيذ، وطعمها الحلو، وقوامها الهش. وبعد ذلك توضع في صينية الفرن في درجة حرارة متوسطة. وبعد نضوج العجينة تُخرج من الفرن، وتُسقى بالعسل.
غير أن مع الارتفاع الجنوني للمكسرات اهتدى صانعو الحلوى إلى استبدال اللوز بالفول السوداني، حتى يكون في متناول الجميع. ولا يرتبط هذا التغيير في الوصفات بالجانب المالي فقط، وإنما، أيضا، بالتطور في الوصفة، حيث يمكن استبدال اللوز بنوع آخر كالجوز، والفستق.
وهكذا تظل حلوى قلب اللوز في قسنطينة شاهدة على تلاحم الماضي مع الحاضر؛ حيث تحمل في طياتها تاريخا غنيا من الفخامة والغموض، بدءا من كونها حلوى الملوك في العصر العثماني، وصولًا إلى تحولها إلى حلوى شعبية، تزيّن صينية القهوة بعد الفطور في رمضان، وحتى في سائر الأيام.
ورغم المنافسة الشرسة من الحلويات التقليدية الأخرى، استطاعت "قلب اللوز" أن تفرض نفسها بفضل مذاقها الفريد، وقوامها الناعم، فضلًا عن أسعارها التنافسية التي جعلتها في متناول الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.