مسلسل "اللي فات مات، نقطة فاصلة" من إخراج المبدع كريم موساوي والسيناريو لسارة برتيمة، يروي قصة مثيرة تدور حول محاولات أذناب الفساد للهرب من مسؤولياتهم، والتملّص من محاسبة الشعب الذين كانوا في صميم الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر عام 2019، إذ يتابع المسلسل تحقيقات واسعة تقوم بها السلطات؛ بهدف كشف الفاسدين، ومحاكمتهم في إطار من الدراما الاجتماعية، التي تعكس الواقع الجزائري المعاصر. تدور القصة حول "صبيحة"، سيدة أعمال ناجحة، نشأت في حيّ شعبي، حيث استطاعت بإصرارها وشجاعتها أن تصل إلى قمة عالم المال والأعمال، لكن رغم نجاحاتها الكبيرة يظلّ ماضيها ملاحقا لها، ما يخلق صراعات داخلية وخارجية في حياتها الشخصية والمهنية. وتزداد تعقيدا عندما يقوم زوجها ببيع ممتلكاته، وتحوّلها هي إلى ذهب وأحجار نفيسة، كإجراء احترازي إذا تم اعتقاله من قبل السلطات. هذا المشهد يعكس الأبعاد المعقّدة لتورّط رجال الأعمال في الفساد، وتأثيره على مصير الأفراد. ومن خلال هذا المسلسل يتناول موساوي أحداثا محورية في تاريخ الجزائر، ليس فقط خلال الحراك الشعبي، بل، أيضا، في فترة ما قبل ذلك، مثل أحداث 5 أكتوبر 1988، التي كانت نقطة تحوّل في تاريخ البلاد. كما يلقي المسلسل الضوء على تبعات هذه التحوّلات السياسية والاجتماعية، بما في ذلك العشرية السوداء التي مرّت بها الجزائر، من خلال شخصية "حسيبة" التي هاجرت إلى أوروبا خلال تلك الفترة الحرجة. ويركز المسلسل أيضا على دور الإعلام في تنوير الرأي العام، خاصة في فترات الحراك الشعبي، حيث يلعب الإعلام دورا كبيرا في نقل الحقيقة والتأثير على الوعي الجماهيري. هذا الطرح يضيف بُعدا مهمّا في فهم كيفية تأثير وسائل الإعلام في مسار الأحداث السياسية والاجتماعية في الجزائر. جدير بالذكر أنّ كريم موساوي الذي سبق له أن أبدع في مسلسل "عين الجنة"، يقدّم هذه المرة رؤية إخراجية متقنة، تُظهر مهارة كبيرة في تحويل العمل الدرامي إلى تجربة سينمائية بصرية، ما يعزّز قوّة الحكاية، ويجعلها أكثر تأثيرا. خلفيته السينمائية تلعب دورا كبيرا في إضافة عمق وتأثير بصري للمسلسل، ما يمنح المتابعين تجربة فريدة من نوعها على الشاشة الصغيرة. المسلسل الذي عُرض على قناة "وان تي في" ومنصة "شاهد"، يضمّ مجموعة من النجوم المبدعين؛ مثل مصطفى لعريبي، وسامية مزيان، ونضال ملوحي، الذين يقدّمون أداء دراميا مؤثّرا، يعكس الواقع الجزائري بصدق وعاطفة. "اللي فات مات" أكثر من مجرّد مسلسل درامي؛ هو نافذة تُفتح على تاريخ الجزائر المعاصر، وتُسلّط الضوء على قضايا الفساد، والعدالة، والمصالحة الاجتماعية بأسلوب فني مختلف، ومدهش وجميل. إنّ هذا العمل من شأنه أن يفتح الشهية للمخرجين وكُتّاب السيناريو والمنتجين لتناول تاريخ الجزائر المعاصر؛ لتحويل قصص منه إلى دراما بديعة غير مألوفة، ضمن وقائع اجتماعية، وروايات بسيطة لكنها عميقة.