تحوّلت حياة سكان قرية "تيزقين" التابعة لبلدية بوسلام شمال ولاية سطيف إلى معاناة طوال السنة، والتي يعتبرها مواطنوها ملاجيء تشبه المساكن يلجؤون إليها في المساء، ولم يسلم من هذه المعاناة لا النساء ولا الرجال وحتى الأطفال. إنهم باختصار يلبسون المعاناة والحرمان ويأكلونها في النهار وتقاسمهم الفراش في الليل فلا تبرح الماء الذي يشربونه ولا الهواء الذي يتنفسونه. لما سمعنا عن معاناة سكان "تيزقين"، كنا نعتقد ذلك ضربا من المبالغة، لكن لما زرناها تأكدنا بأن للشقاء أرجلا ولسانا وشفتين وأنيابا، لأن الناس هناك لا يكادون يفقهون من ملاذات الحياة إلا ما يشاهد في التلفاز، بل إن البعض منهم لا يملكون هذا الجهاز ولا يعرفون عنه إلا القليل. المعروف عن بلدية بوسلام أنها من أفقر البلديات ليس بولاية سطيف فقط، بل وطنيا، حيث تنعدم فيها أبسط ضروريات الحياة، و"تزقين" التابعة لها، الوضع أشد وطئا والفقر مكتوب على جبين كل الأهالي، فلما وصلنا إلى هذه البقعة التقينا بممثلي جمعية "أزرال" الذين صنعوا المستحيل بتأسيس هذه الجمعية قصد التعريف بالقرية على الأقل وإيصال معاناة سكانها إلى المسؤولين، حيث تكلم هؤلاء بمرارة كبيرة عن حال السكان هناك، متسائلين "من أين نبدأ الحكاية"، على حد تعبير أحد أعضاء هذه الجمعية، الذي قال بأن الوضع في قرية "تيزقين" تختصره مأساتهم مع محاولة مسح القرية من الوجود على خارطة النقل، بتهديم الموقف الذي كان يقي السكان من برودة الشتاء وحر الصيف على حافة الطريق البلدي رقم 45 الرابط بين بوسلام والقرية، حيث تم تهديمه من طرف مجهول، لتبدأ رحلة العذاب على متن الطريق الذي يربط القرية بالطريق الولائي المذكور. * الطريق المؤدي إلى القرية لايصلح حتى للدواب تكشف وضعية الطريق الذي يربط قرية "تيزقين" بالطريق الولائي رقم 45 على بعد 2 كلم، حجم الكارثة التي حلّت بالسكان هناك، حيث مازال هذا الطريق على شكل مسلك ترابي طاله الاهتراء، وبات لا يصلح حتى للدواب وما بالك بالمركبات، التي لا تسلكه بعض الماركات إلا تلك المعروفة بقوة الدفع، والجرارات، وأكد بعض المواطنين أنهم تراجعوا عن فكرة اقتناء السيارة بسبب وضعية هذا الطريق الذي يعد مقبرة للمركبات، ورغم جهود السكان الذين يتطوعون كل مرة لتهيئته بالطرق التقليدية، إلا أنه سرعان ما يعود إلى حالته المزرية كلما عرفت المنطقة تساقطا للأمطار أو الثلوج، حيث يتحول الطريق إلى مجارٍٍِ مائية يستحيل التنقل على متنه إلا سيرا على الأقدام، كما طرح السكان مشكلة مياه الأمطار للطريق الولائي رقم 45 التي تصب إلى القرية عبر هذا المحور، بعد انسداد بالوعات صرفها إلى الجهة المقابلة لموقف "تيزقين" مما أزم الموضع أكثر، ليبقى هذا الطريق يشكل نقطة سوداء كبيرة بالمنطقة. * الغاز.. الإنارة والتهيئة أحلام صعبة المنال رغم أن غاز المدينة يمر إلى المناطق المجاورة عبر تراب قرية تيزقين، إلا أن العديد من العائلات مازالت محرومة من هذه المادة الحيوية، وتعتمد على الاحتطاب في التدفئة وحتى الطهي، في ظل ندرة قارورات الغاز كون أن المكان جد معزول وبعيد عن نقاط البيع، حيث طرح السكان بشدة مطلب توسيع شبكة الغاز لربط جميع المساكن، ذات الأمر بالنسبة للكهرباء الريفية، حيث مازالت بعض العائلات تقضي لياليها على وقع الشموع والفوانيس، فيما تعتمد عائلات أخرى على الربط العشوائي من خلال نقل الألياف من المناطق التي استفادت من هذه المادة، رغم ما تشكله هذه العملية من مخاطر كثيرة تهدد حياة السكان، وعن التهيئة فهي منعدمة تماما حيث مازالت جميع الأزقة والطرقات ترابية ولا وجود إطلاقا للزفت أو الخرسانة المسلحة بهذه القرية.
* صاحبة ال 70 سنة تحمل على ظهرها دلاء ولعل الأمر الذي شدّ انتباهنا ونحن نتجول رفقة بعض السكان بين أزقة هذه القرية وجود العديد من الينابيع الطبيعية، لكن السكان طرحوا مشكلة العطش بشدة، مؤكدين أن القرية غنية بالمياه الجوفية لكن تنعدم فيها المشاريع التي تستغل هذه الثروة المائية، حيث أشار أحد أعضاء الجمعية المذكورة أنه بإمكان تشييد نقب مائي واحد فقط للقضاء على أزمة العطش في بلدية بوسلام كلها وليس بتزقين فقط، لكن لا حياة لمن تنادي، وكأن تشييد المشاريع التنموية بهذه المنطقة حرام على حد تعبير أحد الشبان، الذي تأسف كثيرا وهو يروي لنا قصة أمه مع جلب المياه، والتي تتنقل لمسافات طويلة سيرا على الأقدام وتحمل على ظهرها دلاء تقوم بتعبئتها من أحد الينابيع وهي في السبعين من عمرها، حيث يؤكد هذا الشاب أن هذه الحكاية تشترك في نسج خيوطها العديد من النسوة في قرية تيزقين. * خنادق الموت.. للصرف الصحي كشف سكان قرية تيزقين أنهم مازالوا يعتمدون على حفر خنادق عملاقة للتخلص من الفضلات والمياه القذرة، والتي شيّدت بطرق فوضوية وسط القرية، نظرا لغياب شبكة للصرف الصحي تربط مساكنهم، الأمر الذي ينذر بحدوث كارثة بيئية تهدد صحة السكان بأمراض خطيرة، وتتفاقم الخطورة إذا علمنا أن السكان يعتمدون على بعض الينابيع والآبار للتزود بمياه الشرب في المنطقة مع إمكانية اختلاط مياه الشرب مع هذه الفضلات، وبالتالي يناشد هؤلاء السلطات المحلية بتزويد قريتهم بشبكة للتطهير تقيهم من تداعيات الوضع الحالي، والتي لا تنبئ بخير. * عائلات لاتملك شهادة الميلاد ورغم مكوثنا قرابة يوم كامل في تيزقين إلا أن هناك العديد من العائلات التي لم نتمكن من الوصول إلى منازلها، كونها تقع في أماكن من الصعب جدا الوصول إليها حتى سيرا على الأقدام، أما التنقل بواسطة مركبة داخل أزقة القرية فذلك ضرب من الخيال، كون أن جميع المسالك مخصصة للراجلين فقط وليست هناك طرقات ترقى للسير على متنها بالمركبات، وقد كشف لنا أحد السكان عن وجود عائلات لا تملك حتى شهادات الميلاد وغير مسجل أفرادها في البلدية والأدهى من ذلك حتى الآباء والأولاد لا يملكون عقد الزواج الإداري أي أن عائلات بكاملها تعيش "حراقة" في وطنها، كونها تعيش تحت الخط الأحمر من الفقر وهم يجسدون بحق صورة البؤساء والمعذبين في الأرض، وكما قال أحدهم، لقد سمعنا بالاستقلال لكننا لم نشاهده في أرض الواقع. * الهجرة الحل الوحيد للسكان تشهد القرية نزوحا رهيبا للسكان نحو المدن الكبرى، الأمر الذي جعل عدد السكان في تناقص مستمر بسبب غياب شبه كلي للتنمية بالمنطقة، وكذا شبح البطالة الذي أضحى هاجس المواطنين، وهو ما دفع قاطنيها إلى الهجرة والتوجه بالدرجة الأولى إلى ولاية بجاية الحدودية التي تعد الأقرب إلى مواطنيها من ولاية سطيف، حيث تأسف بعض السكان الذين مازالوا يكابدون مشقة العيش هناك والحفاظ على وجود الحياة في تيزقين، مؤكدين أن الغالبية الذين هجروها مكرهين أنهكتهم مصاريف الكراء في المدن، خاصة وأن معظمهم من المعوزين والفقراء، وبالتالي يطالبون السلطات منحهم نصيبهم من التنمية لتثبيت السكان في هذه القرية. * مناصب موسمية والبطالة القاسم المشترك ينبغي الإشارة إلى أن أغلب سكان القرية من فئة البطالين والقلة القليلة التي أسعفها الحظ للعمل عند الخواص فمن أجل مناصب مؤقتة وموسمية، خاصة تلك المتعلقة بالفلاحة، حيث يتم اللجوء إليهم لجني الثمار، والغريب أن هذه الحرفة تنتشر بكثرة وسط الأطفال، فإذا كانت التنظيمات والتشريعات الدولية تمنع تشغيل الأطفال فأبناء تيزقين ليس لهم خيار إلا ضرب الأرض في الحقول ونوع من الأعمال الشاقة التي جعلتهم من فئة المعذبين في الأرض، وبحسب السكان الذين التقيناهم، فإن هناك طفلا لم يتجاوز سن الثانية عشرة توفي السنة الماضية متأثرا بثقل الأكياس التي كان يحملها على ظهره عندما كان يعمل بأرض فلاحية تابعة لأحد الخواص. * المرافق الشبانية خارج الاهتمام تكلم مجموعة من الشباب بمرارة كبيرة عن حالهم، وهم يجرون ذيول اليأس صباح مساء عبر طرقات وأزقة هذه القرية المهترئة، مؤكدين أنه لا وجود للمرافق الترفيهية والشبانية في مخيلتهم إطلاقا، فهم لا يهتمون بهذه الأمور كونهم منغمسين في المشاكل الكبيرة، حيث قال أحدهم كيف لنا أن نفكر في مشاريع الترفيه والرياضة وعائلاتنا محرومة من الكهرباء والغاز، ليشير إلى أن زمن الاهتمام بمثل هذه المشاريع لم يحن بعد في قرية تيزقين، فيما ذرف آخر دموعه وهو يروي لنا قصة قبر موهبته في مجال رياضة كرة القدم في هذه المنطقة، كونه يجيد هذه اللعبة وكان يتمنى منذ صباه أن يصبح لاعبا مشهورا في مستقبله، لأنه كبر ومات ذلك الحلم مع صغره، مشيرا إلى أن الكثير من المواهب الرياضية قبرت بهذه القرية. * رئيس البلدية يعترف ويعد رفعنا هذا الانشغال إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية بوسلام، بشير لحلالي، فلم ينكر المعاناة التي يكابدها سكان قرية تيزقين، مؤكدا أن المعيشة باتت جد صعبة بهذه المنطقة، مشيرا إلى أن القرية استفادت من مشروع مدرسة ابتدائية ستستقبل التلاميذ خلال الموسم القادم، وكذلك مشروع شبكة مياه الشرب وكذا شبكة للصرف الصحي، وبخصوص الطريق أكد رئيس البلدية أن إعادة تهيئته تستوجب مشروعا قطاعيا، والبلدية بإمكانياتها الحالية يستحيل أن تتكفل بمهمة ترميمه. * الوالي مطالب بزيارة القرية ويبقى أمل سكان قرية تيزقين منصبا على زيارتهم من طرف والي ولاية سطيف، للوقوف على حجم المتاعب التي تلاحق هؤلاء، وإنصافهم بمنحهم نصيبهم من التنمية، حفاظا على الإمكانيات الموجودة بهذه المنطقة وخاصة المتعلقة بالقطاع الفلاحي، كما أن بعض المشاكل على غرار الطريق الذي يربط القرية بالطريق الولائي 45 يستوجب تسجيل مشروع قطاعي لتعبيده وتهيئته وفق المقاييس المعمولة وهو ما يطرحه السكان بإلحاح للسيد الوالي. سطيف:ح . لعرابه