كشفت الجولة الاستطلاعية التي قادتنا إلى بلدية "بوسلام" أقصى شمال غرب ولاية سطيف والحدودية مع ولاية بجاية، عن حجم المعاناة القاسية التي يتخبط فيها سكان أزيد من 20 قرية تمثل هذه البلدية الفقيرة من خلال نقص في مستلزمات العيش الكريم، الأمر الذي نغص يومياتهم وهم يقاومون العطش والظلام بوسائل تعود إلى الإستعمار، ولعل رحلة المعاناة هذه بدأت حين وصولنا إلى مقر البلدية بحيث وجدناه يغرق في ظلام دامس بسبب صراع بين البلدية وشركة سونلغاز التي بدأت تأخذ لنفسها سياسة عزة النفس وقطع الكهرباء على من رفض تسديد الفواتير، إذ وجدنا أنفسنا وسط ظلمة عاتمة ولم نجد حتى من يرشدنا ويوجهنا إلى مكتب "المير"، وحتى مقر البلدية بات عبارة عن غرف مكاتب ضيقة باتت غير قادرة حتى على استيعاب الموظفين فما بالك المواطنين. الماء هاجس...وحياة بدائية وقفنا في رحلتنا هذه عند معاناة قرى "حلية"، "عونة"، "عين دوكار" "بوزقزط "وغيرها التي لا تزال تعيش مظاهر الحياة البدائية، خاصة في مجال التزود بماء الشرب، ففي ظل غياب شبكة التموين بهذه المادة الحيوية يضطر معظم السكان إلى قطع مسافات طويلة لجلب المياه من بعض الينابيع الطبيعية البعيدة، معتمدين في ذلك على البراميل والأحمرة، وحتى البراءة لم تسلم من تلك الرحلات الطويلة قصد الظفر بقطرة ماء تسد رمق عائلاتهم، فالعطل حسب البعض منهم تمثل شبحا بالنسبة لهم نظرا للمتاعب التي تنتظرهم من المسافات الطويلة وسط الأحراش والجبال الشاهقة قصد جلب المياه، وكذا رحلات الاحتطاب المرهقة تحسبا لفصل الشتاء، نقطة طرحناها على رئيس المجلس الشعبي البلدي الطيب دعيدش الذي أكد وجودها لأن مشكل المياه بالبلدية كبير جدا باعتبارها تفتقر إلى المياه السطحية ولابد من مشاريع عملاقة حتى تتم التغطية بالماء، وتوقف المتحدث عند مشروع التحويلات الكبرى انطلاقا من سد عين زادة اوسد الموان واعتبره الحل أمام كل هذا، وبالتالي معاناة السكان ستستمر حتى يلج مشروع القرن، وزيادة على ذلك فإن القرى المذكورة لا زالت دون إنارة عمومية، علما أن العديد من سكانها اضطروا في السنوات الماضية إلى مغادرة منازلهم والنزوح نحوالمناطق الحضرية، ويضاف إلى هذا كله مشكل الطرق التي فرضت على المنطقة العزلة، حيث أن معظم المسالك كما قال السكان لم تعبد منذ الحقبة الإستعمارية لأسباب يجهلونها، والأمر الذي يعد من الخيال ذكره على مشارف 2014 هو احتواء هذه القرى على العشرات من العائلات لا زالت تقضي لياليها على وقع الشموع والفوانيس لأنها لم يصلها بعد حسب تصريح أحد السكان عصر الكهرباء الريفية. الروح تعود إلى الطرق بفضل 48 مليار إن كان واقع قطاع الري، الشباب والرياضة، الكهرباء في خانة الحياة المرة والقاسية فإن الروح مؤخرا بدأت تدب في مشاريع الأشغال العمومية وعلى رأسها الطرقات التي استفادت من تدعيمات كبيرة بلغت أكثر من 48 مليار سنتيم، كان فيها حظ الأسد للطريق الولائي رقم 45 الرابط بين دائرتي بوعنداس وبني ورثيلان والعابر بالبلدية أي بوسلام على نحو17 كلم كاملة وهوالمشروع الذي خصصت له السلطات 40 مليارا كاملة مقتطعة من الصناديق القطاعية بالولاية، هذا الطريق أزاح الغبن عن آلاف قاطني البلدية الذين كانوا في وقت سابق يعانون من العزلة القاتلة سيما خلال فصل الثلوج والأمطار بسبب قساوة المناخ في هذه المنطقة التي يزيد ارتفاعها عن سطح البحر عن 1000 متر، ومن جملة الطرق المسجلة والتي انطلقت بها الأشغال الطريق رقم 80 الذي يربط بين قرى أوسلوف عونة وكذا حلية بمبلغ 8.3 مليار سنتيم، هذا المشروع من شأنه أن ينهي العزلة عن 05 قرى كاملة فبالإضافة إلى الثلاث المذكورة هناك أيضا ايعطيون وسيدي نصر، كما سجلت البدية مشروعا آخر وهوالطريق رقم 83 الذي سيفك العزلة عن آطروش، ايزعبان وآناقو، إلا أن المبلغ المخصص للمشروع ضئيل جدا ويبلغ 150 مليون سنتيم، في وقت وصل المبلغ المقترح من طرف مكتب الدراسة إلى 10 ملايير سنتيم، وهوما جعل السلطات البلدية تلجأ لطلب العون من المديرية المعنية لتدعيم هذا المشروع بغلاف قطاعي آخر، كما أن هناك الطريق رقم 88 الذي تحول بدوره إلى ورشة ويفك العزلة عن قرية لقصر، هذا المشروع تم اسناده إلى مقاولة منذ أسبوعين بالتقريب، كما تجري أشغال إصلاح الطريق الرابط بين المتوسطة والثانوية بقلب البلدية، هذه الملايير لم يشفع لبعض القرى أن قامت بالمطالبة بحقها كآيث عمارة التي تعد الأكثر عزلة ويطالب سكانها بادراج مشاريع اضافية تحسسهم بحقهم في هذا الوطن. امتصاص غضب المواطنين بغاز المدينة شهدت بلدية بوسلام في الآونة الأخيرة حركات احتجاجية كبيرة بسبب التهميش والاقصاء بلغ حد شل مقر البلدية قرابة أسبوع كامل، الأمر الذي أدى إلى تدخل قوات مكافحة الشغب التي اعتقلت مالا يقل عن 30 شخصا تم الافراج عنهم بعد أسبوع من التحقيقات، ولكي تقوم السلطات بامتصاص الغضب أقرت بوجود مشروع لغاز المدينة يستهدف جميع القرى بالبلدية ووعدت بأن يكون شتاء هذا العام هوالأخير الذي تقضيه العائلات باستعمال دلاء المازوت وكذا قوارير غاز البوتان، وحسب رئيس البلدية فإن المشروع تم توزيعه على 05 مقاولات من أجل الاسراع في الانجاز انطلاقا من القناة الرئيسة واعتبر الفترة التي تمتد إلى أواخر ربيع الموسم الجاري ستكون كافية لإنجاز النسبة الأكبر من المشروع، لكن هذه الفترة حسب ملاحظين ستكون مستحيلة بالنظر إلى طبيعة المنطقة الجبلية والمترامية الأطراف، إلا أن "مير" البلدية أكد بأن العامل حفزنا لكي نوزع المشروع على 05 مقاولات كاملة وهذا من أجل تحقيق الهدف المسطر، وما يبقى على المواطنين سوى الصبر وعدم التسرع لأن المشروع حسب رئيس المجلس الشعبي البلدية سيطرق أبواب المواطنين جميعهم، في حين اعتبر بعض الشباب الذين التقيناهم بأن قصة مشروع غاز المدينة ماهو إلا سياسة لذر الغبار في أعين الغاضبين وتوقيف الاحتجاجات المتتالية للمطالبة بحق المواطن في التنمية خاصة وأن المقاولات التي هي اللحظة في ميدان العمل لم تكشف إن كانت تقوم بعمليات الحفر من أجل توصيل قنوات المياه أو أنابيب الغاز وهو مالم يفهمه السكان، القضية أرغمتنا على الاتصال بمصالح سونلغاز التي أكدت بأن البلدية استفادت حقا من مشروع تزويد قاطنيها بغاز المدينة الذي سيكون في بيوتهم الأشهر المقبلة. سياحة مهملة ومتاحف على الهواء رحلتنا إلى بلدية بوسلام رغم العزلة وشكاوى المواطنين، إلا أننا أحسسنا فيها بالراحة والدفئ لطيب أهلها وجمال طبيعتها وسحر مناظرها، فالبلدية تعد منتجعا سياحيا طبيعيا من صنع الخالق جمع بين شموخ الجبال وخرير المياه بالوديان وخضرة البساتين والحقول سيما تحت عبقيات التين والزيتون بيوت بالقرميد تعانق فيلات بالملايير هو المزج بين الأصالة والمعاصرة، سياحة مفقودة ومهملة ولوتم الاهتمام بها لكانت تدر للوطن ملايين الدولارات سنويا، رئيس البلدية أقر بأنه قدم مقترحا لإنشاء بيت للشباب بأعلى قمة ثاقينطوشت التي ترتفع عن سطح البحر بأزيد من 1300 متر لكن المقترح بقي حبيس الأدراج، مقترحا آخر تم تقديمه بفتح متحف على الهواء ومحمية لبعض الحيوانات والطيور المعروفة بالمنطقة لكن هوالآخر بقي مجرد فكرة وفقط، حتى أن هناك أنباء عن احتواء بوسلام عن آثار رومانية باحدى القرى الغربية للبلدية لكنها تبقى عرضة للاندثار والتشتت، وهوالواقع الذي حز في نفوس مثقفي المنطقة التي تعد من المناطق الثورية بامتياز بالمنطقة الشمالية الغربية لولاية سطيف.