مع انتصاف يوم الخميس الماضي، كانت عقول وقلوب الحمساويين كلها متجهة صوب "القاعة البيضاوية" الكل ضبط عقارب ساعته على المؤتمر السابع لحركة مجتمع السلم حتى الذي كان غير معني به، من المتعاطفين والمحبين "لحمس" ونهج الإخوان الذين أجمعوا على أهمية الحدث وتاريخيته بالنسبة لحركتهم، خصوصا في ظل صراع الأفكار الذي طغى على كل المشهد داخل "البيت الحمساوي" وبات ضروريا على أركانه أن تصطف من جديد وتبعث روحا أخرى فيه علها تنقذه من عاصفة وشيكة، وهو ما سيحدث مساء اليوم حيث ستختار حمس قيادتها الجديدة. لم تكد تنته الساعة الأولى بعد منتصف نهار ذلك اليوم حتى اكتظت جميع مداخل القاعة البيضاوية بزوارها من كل حدب وصوب، الجزائر كلها كانت حاضرة، ويلحظ ذلك من خلال لوحات ترقيم السيارات التي لم تسعها حظيرة مركب محمد بوضياف. وصلنا إلى هناك في حدود 14:00 قبل نصف ساعة، بالضبط من الإعلان الرسمي عن بداية الحفل، المشهد لم يختلف كثيرا عن ملتقيات ودورات مجلس شورى الحركة، الكل يسلم على الكل ويوزع ابتسامات على جل الحاضرين، لم يكن هناك ما يحوي أن خلف تلك الحفاوة بركان يقترب من الثوران وصراع بات يقض مضاجع بيت الشيخ نحناح، حاولنا في البداية أن نستطلع آراء بعض المندوبين حول الشخص الذي يرونه أهلا لقيادة الحركة وعما إذا كانوا راضين عن عهدة الرئيس السابق عبد الرزاق مقري، برهن استطلاعنا عمق الاختلاف داخل "الحمساويين" فالكل انقسم نصفين، أحدهما يدافع عن رئيسه ويصف مسيرته بالناجحة والثورية التي غيرت كل شيء داخل الحركة، وبالتالي يؤكد أن النتيجة محسومة لصالحه، أما النصف الآخر فقد أمعن في تعديد السلبيات التي شهدها زمن مقري ودافع عن خيار المشاركة الذي يؤيده الرئيس السابق أبو جرة سلطاني.
كل العائلة السياسية حاضرة 14.30 دخلنا القاعة التي امتلأ نصفها وبقي النصف الآخر فارغا، في حين كان القيادي داخل حركة مجتمع السلم بوعبد الله بن عجيمة في الصف الأول يقف على آخر الاستعدادات لبداية الحفل وعلامات التوتر بادية على وجهه، كان يشدد على كل المنظمين ويعطيهم التعليمات الأخيرة قبل الشروع في افتتاح المؤتمر، وبعد ربع ساعة بالضبط بدأ ضيوف الشرف يتوافدون على الكراسي المخصصة لهم، كل الأحزاب السياسية كانت حتى التي تقف على النقيض في "الإيديولوجيا" مع حركة مجتمع السلم كالحركة الشعبية الجزائرية ممثلة برئيسها عمارة بن يونس، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، هذا الأخير الذي حضر منه القيادي البارز أعمر سعودي، في حين حضر الناطق الرسمي باسم حزب العمال رمضان تعزيبت، هذا وكانت العائلة الإسلامية كلها حاضرة بداية من الشيخ عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية، ومحمد ذويبي رئيس حركة النهضة، وفيلالي غويني رئيس حركة الإصلاح، بالإضافة إلى المسؤول الأول عن حركة البناء عبد القادر بن قرينة. أما الرئيسان السابقان لحركة مجتمع السلم، عبد المجيد مناصرة وأبو جرة سلطاني، فقد جلسا معا يتهامسان بصوت خافت، مما فسح المجال لكل من في القاعة وبعض من طويلي الألسن لمحاولة معرفة فحوى حديث الرجلين، خاصة أن مناصرة كان قد أجرى حوارا مع موقع "كل شيء عن الجزائر" قال فيه إنه لن يدعم الرئيس الحالي عبد الرزاق مقري لأسباب تخصه، الأمر الذي خلق زوبعة داخل الحركة قبيل انعقاد المؤتمر، وهو ما جعل الحاضرين في القاعة البيضاوية يؤكدون أن مناصرة وأبو جرة يخططان لسحب البساط من تحت رجلي مقري ويطبخان شيئا ما قبل بداية المؤتمر، خصوصا أن الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة قال إنه قد يكون مرشحا لرئاسة الحزب إذا رأى المؤتمرون ذلك، مؤكدا في نفس السياق أنه مع طرح المشاركة في الحكومة ويرفض المعارضة الراديكالية.
مقري يلعب آخر أوراقه كانت الساعة تشير إلى 15.10 حين دخل عبد الرزاق مقري إلى قاعة المؤتمر تحت أهازيج "يامقري سير سير وأحنا معاك للتغيير" و"هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه" الأمر الذي أثار الحضور كثيرا وجعل الحفل يشتعل من جديد، وما زاد من ذلك هو كلمته الافتتاحية التي دامت أكثر من ساعتين حتى أخذ الملل يتسلل إلى نفوس المندوبين، خطاب مقري احتوى العديد من الرسائل المشفرة، خصوصا لخصمه في حركة مجتمع السلم حين قال "بئس السياسي الذي يقضي حياته في شارع السياسة يبحث عن العيش الرغيد يبيع الكلام المنمق". دقائق بعد هذا الكلام حاول الكل الالتفات لقراءة تقاسيم أبو جرة سلطاني وهو يستقبل هذا القصف. عبد الرزاق مقري الذي تكلم بلغة الواثق من نفسه وألقى خطاب المنتصر قبل الفوز، حاول إقناع مناضلي حزبه بتجديد الثقة فيه مرة أخرى، حيث أمعن في انتقاد خصومه داخل الحركة، خصوصا دعاة المشاركة، حيث وعد مناصريه بالفوز في الانتخابات التشريعية القادمة سنة 2022 قائلا "إني أعدكم أن تحققوا نتيجة انتخابية تجعلكم في الصدارة في الانتخابات التشريعية في 2022، تعودون من خلالها إلى الحكومة معززين مكرمين تتوفر لكم فيها الشروط لتكونوا في الحكم في إطار الشراكة مثلما كنتم تدعون إليه، وليس في الحكومة فقد للمشهدية والتزيين". ما لوحظ أيضا خلال خطاب مقري هو خروج الوزير الأسبق الهاشمي جعبوب وعلامات الضجر بادية على وجهه، الأمر الذي فسح مجالا واسعا للهمز واللمز عن سبب ردة الفعل التي اتخذها، خصوصا أنه لم يعد، أمر آخر أثار الأقاويل هو تلك المصافحة الباردة بين الرئيس الحالي عبد الرزاق مقري وعبد المجيد مناصر فور إكمال الأول كلمته. ومع غروب شمس الخميس، كان ضيوف مؤتمر حمس ينسحبون الواحد تلو الآخ،ر وفي تلك اللحظات توجهت "الحوار" إلى عبد الرزاق مقري من أجل أخذ انطباعاته عن مجريات المؤتمر، إلا أنه تحاشى التصريح ل "الحوار" كعادته، واستدار مباشرة لبعض القنوات التي كانت موجودة هناك، أما أبو جرة سلطاني الذي تمنى التوفيق لزملائه في المؤتمر ورفض خلال تصريحه ل "الحوار" التعليق على الخطاب الأخير لعبد الرزاق مقري مكتفيا بالقول "فلتفسروا ما قاله كما شئتم، أنا تابعت الخطاب كما تابعه كل الحضور".
انتقادات شديدة لعهدة مقري السابق أما اليوم الثاني من المؤتمر، فقد بدأ بعرض حصيلة الرئيسين عبد المجيد مناصرة وعبد الرزاق مقري، الأول الذي تمحورت جل مداخلته على أهمية الوحدة التي تحققت بين جبهة التغيير وحركة مجتمع السلم، فيما مرر مرور الكرام على الانتخابات المحلية، أما خلفه فقد أخذ كل وقته وأطنب في ذكر محاسن عهدته الانتخابية، متجاهلا السلبيات طيلة خمس سنوات، ليتم فسح المجال بعدها للمداخلات التي تمحور بعضها حول انتقاد حصيلة عبد الرزاق مقري، حيث أكد البعض أن جل من يدافع على مشروع جيل الترجيح يدافع عليه من منطق استعلائي،، فيما ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك حين قالوا إن حركة مجتمع السلم لجأت إلى خيار التوافق حين فشلت في المعارضة الراديكالية فشلا ذريعا. من جانبه، الناطق الرسمي باسم المؤتمر أبو بكر قدودة أكد أن الأمور تسير بطريقة ديمقراطية وفق ما خطط له، مضيفا أن اليوم الثاني خصص لانتخاب أعضاء مجلس الشورى وإنشاء لجنة الترشيحات للمؤتمر من أجل مباشرة آخر خطوة قبل انتخاب الرئيس الجديد. مولود صياد