مطلوب إرادة قوية ومستثمرون كبار لإنعاشها سطيف… مؤهلات سياحية كبيرة تنتظر من ينتشلها 10 حمامات معدنية تعاني التهميش جميلة … لا سياحة من دون مهرجان المعالم الأثرية.. أموال قارون لن تكفي لترميم ما أفسده الدهر في إطار مساعٍ حثيثة لخلق ديناميكية سياحية بولاية سطيف، يروج البعض أنها كغيرها من الولايات يمكن أن تتحول إلى وجهة للسياح وتستقطب زوارا، ومن ثَمَّ مصادر اقتصادية جديدة، لكن مثل هذا الترويج وهذا التهليل لا يعدو أن يكون في الواقع صيحة في وادٍ، لا تسمن ولا تغني من جوع، فقد يليق بسطيف أن توصف بالحضارة والتاريخ والجهاد والبطولة، لكن من الظلم والإجحاف أن نتحدث عن السياحة في سطيف إذا ما استثنينا حديقة التسلية والبارك مول بعاصمة الولاية، ولا نعني بهذا التقليل من شأن المؤهلات التي تزخر بها هذه الولاية المترامية الأطراف، ولكن من باب إعطاء الصورة الحقيقية لهذا القطاع بعيدا عن التغليط والتضليل. مؤهلات سياحية معتبرة تحفل بها ولاية سطيف، قد لا يختلف في ذلك اثنان، لكن تلك المؤهلات لا تعطي الولايةالتميز والتفرد عن الولايات الأخرى، وبالمقارنة نجد مؤهلات ولاية سطيف عاجزة عن المنافسة،فالحديث عن الغابات لا يجعل سطيف الأحسن، والحمامات لا تضعها في المقدمة، والمعالمالأثرية والتاريخية لا تعطيها السبق أيضا “عدا جميلة “، كما أن المعالم الدينيةالمهملة لا تقدم ولا تؤخر، والأمرّ من كل ذلك غياب الإرادة لدى المسؤولين المتعاقبينعلى هذه الولاية للنهوض بالقطاع والاستثمار فيه، وفق منظور سليم ونظرة صائبة، فما الذييجعل السياحة بولاية سطيف، قطبا من الأقطاب التي قد تساهم في تنمية الولاية وإعطائهاطابعا سياحيا مميزا؟. مصير مجهول لحمامات “الحامة”… “أولاد تبان” و”السخنة” من بين المؤهلات السياحية التي تتمتع بها ولاية سطيف، الحمامات المعدنية التي تنتشر في كل جهات الولاية،وتبقى عاصمة الحمامات بسطيف هي مدينة حمام السخنة التي تضم أكثر من 10 حمامات معدنية،والتي حباها الخالق بوفرة مائية معدنية لا تنضب، حوّلها أصحابها إلى استثمارات استقطبت أعدادا هائلة من الزوار ومن كل مكان، غير أن هذه الحمامات السياحية، في ظل غياب سياسة واضحة وثقافة سياحية لدى المسؤولين، ظلت تعاني الأمرّين، فالإهمال والتهميش يخنقها،والسلطات ومنذ التسعينات زمن إقامة هذه الحمامات، ظلت غائبة ولم تأخذ بيد المستثمرينالخواص من أصحاب الحمامات، على الأقل لفك العزلة عن المنطقة، بتعبيد الطرقات وتسهيلالوصول إليها وتوفير النقل أيضا. الحديث عن حمامات بلدية حمام السخنة لا ينسينا حمامات أخرى في أولاد تبان، وحمام الحامة بوطالب والقرقورببوقاعة، التي لا زالت على بدائيتها بسيطة تقدم خدمات في غاية التواضع، ولا زالت قديمةجدا لم تتم عصرنتها، كما يوجد بحمام السخنة وتحديدا بمنطقة حمام أولاد يلس، الذي أغلقمنذ 8 سنوات، بعد أن اختلطت مياه الصرف الصحي بالمياه المعدنية، وبعد أن حاول أحد مسيري هذا الحمام نقل المياه من الحمام القديم إلى الحمام الجديد، وإلى غاية كتابة هذه الأسطرلم يحرك المجلس الشعبي البلدي لبلدية عين أرنات، ولا رئيس الدائرة، ولا حتى مديريةالسياحة، ساكنا لإعادة تجديده وعصرنته وفتحه، بعد نزاع دام سنوات طويلة مع أحد المستثمرين،وتبقى السياحة الحموية بعيدة كل البعد عن منافسة غيرها من الحمامات الشهيرة، على غرارحمام “قرقور” بسطيف وحمامات “ريغة” و”بوحنيفية”.. المعالم الأثرية والتاريخية.. أموال قارون لن تكفي لترميم ما أفسده الدهر إذا كانت مدينة سطيف العتيقة، قد دخلت التاريخ، وجذورها ضاربة في عمق التاريخ البشري، ومكانتها عظيمة، وقد كانت عاصمة وحاضرة رومانية حافلة وعامرة بالحياة والرقي، وتعاقبت عليهاحضارات عظمى في تاريخ البشرية تركت بصماتها ومعالم لم يمحها الزمن، فإن هذه الولاية اليوم في وضع محزن ومخزٍ، بعد أن وُئدت من قبل أبنائها، لقد ضيعوها وضيعوا بذلك كنوزا لا تقدر بثمن، ضيعوا تاريخا كاملا، إنها جريمة بكامل الأركان في حق هذه الجوهرة، وعلى أيدي أبنائها، فمن أين لنا أن نتحدث عن سياحة أثرية وتاريخية، بعد أن هدمت مدينة بأكملهابوسط مدينة سطيف في الثمانينات، وأصبحت مجرد مقبرة لا ترى فيها سوى أطلال شاهدة في الجهة الغربية من حديقة التسلية التي أصبحت قبلة لزوار عاصمة الهضاب العليا، وبقاياآثار لن تكفي أموال قارون لإعادة ترميمها وإعادة الاعتبار لها. وكذب من قال إن سطيف لا تزال تصلح لأن تكون قبلة للسياح، فلا أحد يزور آثار جميلة وعين لحنش، فمدينةجميلة يتعرف عليها السواح في المهرجانات فقط لانعدام وسائل الاستقبال، كالفنادق والمطاعم،اللهم إلا تلك البعثات الطلابية المتخصصة التي تطوف كل نواحي الجزائر. ورغم مجهودات البعض، وعلى رأسهم جمعية أصدقاء سطيف، التي بذلت ما في وسعها لتحريك السلطات محلياووطنيا من أجل تصنيف المناطق الأثرية الموجودة بولاية سطيف باستثناء جميلة، غير أنكل ذلك آل إلى النسيان. سطيف تبقى رمز البطولة والجهاد، وما أكثر تلك المعالم التي لا زالت شاهدة على ذلك ومحدثة عن بطولات، فسجن قصر الأبطال بدائرة عين والمان من بين تلك الشواهد، لكنه يفتح أبوابه لزيارات الوزراء والضيوف فقط، أما باقي الأيام فهو مغلق بسلاسل ويتخوف المواطنون من تعرضه للتخريب والنسيان، شأنه شأن الكثير من المعالم التاريخية التي قُدر لها الاندثار في صمت، وعلى مرأى من أولئك الذين لا يقدرون التاريخ ولا يحفظون له ذمة، فحيثما وجهت وجهك وقعت عيناك على شواهد تحفظ للجزائر بطولتها وللشعب جهاده، لكن الإهمال للأسف طال كل تلك المعالم التي تبقى وحدها رمزا يخلد أمجاد وبطولات المنطقة التاريخية. السياحة الدينية.. عنوانها المسجد العتيق بوسط عاصمة الولاية أما السياحة الدينية لا تكاد تعثر لها على أثر سوى ببعض الشواهد والمرافق القليلة التي لا تجعل من سطيف محجا لعشاق السياحة الدينية، فما عدا المسجد العتيق بقلب مدينة سطيف، الذي يقف شامخا متحدّيا عاديات الزمن وصروفه، فبالرغم من مرور ما يُقارب قرنين على إنجازه، ما زال بنيانه وأساساته وصومعته الفريدة تربط ماضي مدينة سطيف بحاضرها، وتحكي لسكان “عين الفوارة” قصصا رائعة من البطولات والتضحيات في سبيل تحرير الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي. يُعدّ الجامع العتيق من المعالم الأولى التي تمّ تشييدها في مدينة سطيف، حيث يعود تاريخ بنائه إلى العهد الفرنسي، وهذا بحسب التواريخ الثلاثة المدوّنة داخله، أوّلها يُؤكد أنّ تاريخ البناء يعود إلى سنة 1262ه، أي ما يوافق سنة 1845م، كما تدلُّ على ذلك اللّوحة التأسيسية فوق المدخل الرئيسي خارج الجامع، أما تاريخ الفراغ من تشييده، فكان في العام 1847م. السياحة الدينية خارج أسوار لا تتجلى معالمها سوى في بضع زوايا، أهمها زاوية سيدي احسن التي تبقى المنارة الوحيدة التي تواصل إرسال إشعاعها العلمي والديني بكل تألق، وتواصل رسالتها القرآنية باستقبالها لطلبة القرآن من كل حدب وصوب، ولا زال شيوخها يسهرون عليها ليلا ونهارا لتبقى مركز إشعاع ديني، فضلا عن زوايا أخرى أقل أهمية بعدة مناطق بالولاية. مناطق التوسع السياحي.. حبر على ورق كثيرا ما سمع المواطن السطايفي عن مشاريع عريضة وواسعة ومناطق توسع سياحي كانت بمثابة المخرج الأمثلللسياحة بولاية سطيف، ولفت انتباه المسؤولين منطقة التوسع السياحي بجبل مقرس وغابة بني والبان ببني عزيز التي تمتد على مساحة كبيرة، غير أن تلك المشاريع تبخرت في الهواءولم تجد طريقها للتجسيد لأسباب ومبررات قد يضيق المقام لذكرها، ولعل الأدهى هو التوزيعالعشوائي لمشاريع استثمارية لمستثمرين وهميين لا علاقة لهم بالاستثمار، استولوا علىعقارات في إطار تشجيع الاستثمار لكن مشاريعهم لن ترى النور ولن تجسد ميدانيا. المشروع الحلم تمثل في قرية سياحية بجبل “مقرس”، والذي كان من المفروض أن يكون قطباسياحيا للمواطنين والفرق الرياضية، والذي انطلقت به الأشغال في فترة الوالي عبد القادر زوخ، لتتوقف في عهد بودربالي، الذي أسال الكثيرمن الحبر وأسال معه لعاب الكثير من المستثمرين والمواطنين الذين يحلمون به، لا يزاليراوح مكانه كغيره من المشاريع، رغم الوعود المؤكدة من قبل مكتب دراسات بأن المشروعسينجز بمقاييس عالمية قبل نهاية السنة الجارية، غير أن ذلك أصبح وهما من تلك الأوهام الكثيرة التي يتم الترويج لها في ولاية يتنفس سكانها الوعود تلو الأخرى. ضعف فادح في هياكل الاستقبال ولا فنادق باستثناء عاصمة الولاية لا يمكن الحديث عن السياحة إلا بتوفر مقومات وشروط كثيرة، ومن بين أهم المقومات الهياكل والمرافق السياحية،وفي مقدمتها الفنادق المصنفة والمركبات السياحية. وفي هذا المجال تفتقر ولاية سطيف لهياكل الاستقبال، من فنادق مصنفة وحتى غير مصنفة، ويكفي أن نقول إن السلطات في سطيف كثيرا ما تتحرج في استقبال ضيوفها على مستوى الدوائر والبلديات في مختلف المناسبات والتظاهرات، ما جعل المسؤولين يتهربون من تنظيم مبادرات وتظاهرات فنية وثقافية وغيرهاخارج عاصمة الولاية، وفي الكثير من المناسبات الفنادق المصنفة في ميلة لا يتعدى عددها الثلاثة، وما هو موجود لا يتعدى 3 نجوم، أما البقية فهي عبارة عن مراقد ليس إلا. المشاريع الاستثمارية السياحية وهمية كثيرا ما تغنى مسؤولون بمستقبل السياحة، من خلال مشاريع استثمارية واعدة، حصل أصحابها على عقارات ودعم بهدف إنجاز هياكل وفضاءات سياحية عصرية، لكن كل ذلك بقي في الأدراج لعدة أسباب، فالمستثمرون يشتكون البيروقراطية والسلطات ترمي بالكرة لمرمى المستثمرين وتتهمهم بالعجز عن تجسيد مشاريعهم على أرض الواقع، وبين هذا وذاك تاه الاستثمار السياحي في ولاية استنزف العقار فيها على قلته وندرته، والولاة الذين تعاقبوا على سطيف توعدوا وهددوا المستثمرين الوهميين بسحب الاستفادات منهم، لكن التهديدات غالبا ما تسقط في الماء، لتبقى دار لقمان على حالها. الوكالات السياحية.. نشاط في اتجاه واحد من بين الآليات والأدوات والفاعلين في تنشيط قطاع السياحة، الوكالات السياحية، هذه الوكالات التي يبقىنشاطها يقتصر على مهمة واحدة دون غيرها، رغم أن القانون ودفتر الشروط يلزمها بتنشيط السياحة محليا وداخليا أيضا. لكن وفي غياب تام للرقابة والمتابعة، تكتفي هذه الوكالاتبتصدير السياح نحو وجهات متعددة خاصة نحو الخارج، وكذا تنظيم العمرة والحج، وقد وجدتفي ذلك الربح الوفير. ورغم أن عدد الوكالات السياحية بولاية سطيف يعد بالمئات، فهيلم تبادر، ولو مرة واحدة، بالترويج للسياحة داخل الوطن، ولم تقم بدورها في استقطاب السياح نحو الولاية، وقد يكون مبررها غياب ما ذكرناه من هياكل الاستقبال، لكن تبقىمسؤوليتها كبيرة في تنشيط السياحة بهذه الولاية. والبان.. مقرس.. بوطالب وأولاد تبان مواقع مهملة تنتظر من ينعشها كثيرة هي المواقع السياحية الطبيعية بولاية سطيف، وأهمها “منطقة “مقرس” و ” أولادتبان” وغابة الحامة وبوطالب” التي تبقى غير مستغلة، غير أن “والبان”التابعة لبلدية عين السبت، شرق سطيف، التي تعرف حركية وحيوية كبيرة صيفا فقط لانعدا م مرافق الاستقبال، وحتى الأكشاك المنصبة هناك فهي من “الكارطون”، ولا أحد حرك السياحة بها واستغلها أحسن استغلال، وفشل أصحاب مشروع المحلات الخشبية في تنشيطالمنطقة سياحيا، وكان مصير تلك المحلات الحرق والإتلاف. شلالات الوادي البارد هي الأخرى جنة حقيقية غير أنها معزولة، ولا أحد انتبه إليها وأخرجها إلى عالمالسياحة ليستمتع بها الزوار وعشاق الطبيعة، فلا مخيمات ولا مسلك يؤدي إليها ولا أيمبادرة، ومرتع ساحر هز مشاعر بعض الزوار من الأجانب، وسُحر بتلك الشلالات التي تبقىبعيدا عن الاهتمام اللازم، فهل بعد هذا يمكن الحديث عن مؤهلات سياحية؟، في غياب نظرة صائبة واستراتيجية محكمة للنهوض بالسياحة في ولاية سطيف تملك الكثير من المؤهلات، ولاتملك شيئا من الإرادة والرغبة في الإقلاع بالسياحة التي تعد إحدى أهم المصادر الاقتصاديةبسطيف. روبرتاج مراسل الحوار في سطيف حناشي لعرابة