لا يفتأ المرء يسترجع ذاكرته ، وينبش حفريات فكره، ليدور بخلده أحيانا مايستحي أن يعاود ذكره بينه وبين ذاته، من أفكار أو مواقف أو قناعات، وماسمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب أقول هذا مستعجلا ماكنا نتيه بين تياراته وتتقاذفنا أمواجه ذات اليمين أو ذات الشمال من مزاعم النقيضين توجها وفكرا، واجتماع المختلفين على تزهيد الناشئة في التاريخ، وتقزيم جهاد الآباء وتحديهم لأعتى القوتين، وأقذر الأخبثين. فمن دعوى رمي التاريخ في المزبلة، إلى التشكيك في مبدإ الثورة زعما بأنه لا حظ لله فيه ، وقد قام القوم لتحرير الأوطان ، فكيف بالله يجتمع هذا والإيمان، كأنهم مادروا أن من اجتمعت بكينونته إنسانية الإنسان، فكان الكامل بلغة الفلاسفة، والمعصوم بلغة المتكلمين، لما حن إلى مكة مخاطبا إياها دامع الطرف جياش الفؤاد '' والله إنك لأحب بلاد الله إلي ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ماخرجت'' فكيف بالله يصدع أشقاها ليفوه بتحريم الحنين إلى الوطن بدعوى أن شبيه هذا الفعل عبادة الوثن، أو الذي مال بفكره وعقله وقلبه إلى من أرادوا إبدال لغة بلغة ودينا بدين وحضارة بحضارة حين تولوا كبر كلمة تخرج من أفواههم أنه ماالجزائر وماتاريخها؟، مالجهاد وماإخراج الظالم الناهب لخيرات البلد راغما صاغرا، ذليلا محسورا ، مرغما على توقيع اتفاقية النصر، محسورا على ماكان يعتلج في صدورهم جميعا من أن الجزائر فرنسية، وأبى أحرارها إلا أن يرددوها '' الجزائر ليست فرنسا، ولن تكون فرنسا حتى ولو أرادت ذلك'' . ثم كأنهم مادروا أن الأمريكيين أضحت لديهم عقدة التاريخ المبتور، والحضارة التي لا تذكر أمام غيرها من الحضارات تلازمهم ظلا، حتى ذكروا لنا أنهم صاروا يؤرخون - بغية أرشفة تاريخ يحفظونه للأخلاف - كل صغيرة وكبيرة ، تصل لحد أن يحصوا عديد اللسعات التي أصابت جنودهم فردا فردا في العراق الأشم، وإيه إنه لحُق لنا أن نفخر بنعم ثلاث لا ندري أيها نشكر؟ تزامنت وتاريخ 19 مارس الذي أطل علينا هذا العام، أعيد النصر الذي حُفظ لنا بفضله الدين واللسان، وامحى بوجوده ظلم الإنسان لأخيه الإنسان؟، أم انطلاقة حملة انتخابية يختار فيها الشعب رئيسه بكل ديمقراطية، ليستمر تحقيق الأمن والرفاهية؟. أم حولان مرا على مولود فتي أتم عامي الرضاعة، ليشتد بعدها عُوده ، ويتكرر عاما فعاما بالحسنى والخير عَوده؟.