يرى سفير جمهورية إندونيسيا لدى الجزائر، "حليف أكبر"، أن للجزائر وجاكرتا قدرات ومؤهلات بشرية لتطوير علاقاتهما الثنائية على جميع الأصعدة، سيما العلاقات الاقتصادية، وتاريخ بداية العلاقات التي انطلقت منذ بداية الخمسينيات، ومواقفهما الدولية، ناهيك عن الجانب الديني الذي يجمع الشعبين ويصطف وراءه البلدان. حوار: الطاهر سهايلية تصوير: علاء الدين عشور
وفي لقاء خص به صحيفة "الحوار"، تحدث السفير الإندونيسي الذي حل بالجزائر منذ شهر ديسمبر، عن تاريخ العلاقات الثنائية حيث قال، إن "العلاقات الجزائرية – الإندونيسية طويلة وتاريخية تعود قبل سنة 1955 وهي السنة التي استضافت فيها مدينة باندونغ "المؤتمر الآفرو آسياوي"، مشيرًا إلى أن بلاده من بين الدول القليلة التي دعمت استقلال الجزائر ليس فقط خلال الحقبة الاستعمارية، بل وحتى بعد نهاية الاستعمار، حيث كانت السبَاقة في فتح ممثلية دبلوماسية لها بالجزائر وكان ذلك سنة 1963. يعتقد السفير حليف أكبر، أن الجغرافيا أبعدت البلدين، لكن العامل الديني كان له فضل المساهمة في تقريب الشعبين حيث أن أغلبية السكان مسلمة في كلا البلدين، مشيدًا في هذا الإطار بمستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية التي قال إنها جيدة جدًا، باعتبار أن مسؤولي البلدين كانا قد أوصيا بالاهتمام بها، لحد الارتقاء بما تطمح له حكومتا البلدين وشعبيهما.
ضرورة استغلال المواقع الجغرافية للبلدين في المجال التجاري
ويؤكد الدبلوماسي الإندونيسي، أن المهمة الرئيسية المنوط بها، تكمن في بناء جسر بين البلدين وتقريب الشعبين، منوهًا في هذا الصدد، أنه من بين أهم النقاط التي يجب العمل عليها انطلاقًا من الجانب السياسي هو التركيز على ترقية العلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية. معتقدًا أن هناك العديد من الأشياء التي يمكن أن يقوم بها الجانبان حتى ترتقي هذه العلاقات من بينها استغلال الموقع الجغرافي لكلا البلدين. ويقول حليف أكبر، أن الجزائر وإندونيسيا يمتلكان موقعين جغرافيين استراتيجيين هامين، إذ ترى إندونيسيا، في الجزائر أكبر دولة في إفريقيا ومن الضروري تطوير العلاقات معها، كما تراها أيضا كبوابة لدخول السلع والبضائع الإندونيسية للسوق الإفريقية. مستندًا في هذا الإطار، على تقارير مختصين ومراقبين دوليين الذين يعتبرون بأن أفريقيا سوق واعدة مستقبلاً، نظرًا للكثافة السكانية والمساحة الجغرافية التي تتربع عليها القارة السمراء. من ناحية أخرى، أشار ذات المتحدث، أن الجزائر بإمكانها أن تعتبر إندونيسيا كبوابة للدخول للسوق الآسيوية، وبالأخص سوق جنوب شرق آسيا أو ما يُسمى بدول الأسيان والتي تتربع على تعداد سكاني قدره 700 مليون نسمة، من بينها 270 مليون إندونيسي. ودائمًا في السياق التجاري، نوه ممثل الدولة الإندونيسية، أن حكومتي البلدين تهتمان بإنتاج المواد والسلع الحلال ولديهما من القدرات ما يكفي لتحقيق أهدافهما نظرًا لأغلبية السكان المسلمة. ورغم وجود بعض العوائق التي تُعرقل مسار العلاقات الثنائية، لكنه أكد أن إرادة الحكومتين ستزيح كل العقبات التي تقف كحجر عثرة أمام عجلة الاقتصاد الثنائي وكل هذا سيتم في إطار الاحترام والقوانين المنصوص عليها داخل البلدين. قبل أن يشير في هذا السياق لتحضير بلاده توقيع مذكرات تفاهم لترقية العلاقات السياسية والاقتصادية.
توقيع مذكرات تفاهم في عدة مجالات
في ذات السياق، كشف محدثنا، عن توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين في عدة مجالات وذلك بعدما كانت مبرمجًا سابقًا إلا أن كوفيد 19 أجَل إجراءات التوقيع، ومن بينها مذكرة مُتعلقة بالجانب الدبلوماسي حيث سيتم توقيع اتفاقية إلغاء التأشيرة على حاملي جوازات السفر الدبلوماسية، قبل أن يستدرك بالقول، أن حكومة بلاده كانت قد قررت منذ مدة إعفاء الجزائريين من التأشيرة لدخول أراضيها، وذلك كعربون محبة وأخوة وتشجيعهم على اكتشاف إندونيسيا سياحيًا وثقافيًا وتاريخياً. بالإضافة لمذكرات تفاهم تتعلق بالسكن وكل ما يخص مجال المقاولاتية، ناهيك عن مذكرة أخرى تتعلق بالمحروقات (الطاقة والمناجم) والفوسفات، زيادة على ذلك تم تقديم مقترح حول اتفاق تفاضلي في مجال التجارة. أما في ما يخص الاستثمار، فقد أكد حليف أكبر، أن هناك شركتين إندونيسيتين موجودتان بالجزائر، يتعلق الأمر بشركة "برتامينا" المختصة في مجال المحروقات (الطاقة)، والثانية شركة "ويكا" التي تنشط في مجال المقاولاتية حيث تقوم بدعم مشاريع البناء والسكن والأشغال العمومية. وخص السفير حديثه عن شركة "ويكا" التي سجلت تراجعًا نسبيًا في تنفيذ مشاريعها، حيث قال، إن جائحة كورونا فرضت بل أجبرت الشركة على التوقف، ناهيك عن نقص بعض المواد، ليستدرك بعد بالقول، "إن شركة ويكا ملتزمة بإنهاء كل مشاريعها بالجزائر، وأقصد بالقول هنا المناطق التي تشهد مشاريع لا تزال قيد الإنجاز من بينها مقاطعة الحراش – براقي، ولاية عين الدفلى، وخميس مليانة، قبل أن يضيف بالقول، "إن التزامنا المأخوذ على عاتقنا، ما هو إلا إضفاء لدعم الجهود الجزائرية في توفير السكنات للجزائريين.
إنشاء فريق تقني لتحديد المنتوجات أمٌر في غاية الأهمية وأشار ذات السفير، إلى أن هناك شركة وطنية أخرى تدرس إمكانية إنتاج الفوسفاط، رغبة منها لأن السوق الإندونيسية تحتاج لهذه المادة، ناهيك عن شركة أخرى تود دخول السوق الجزائرية والاستثمار فيها حيث تختص في مجال صناعة الأغذية، مؤكدًا في هذا الإطار أن هناك عدة منتوجات تَود جاكرتا الترويج لها في السوق الجزائرية حيث تخص الأعشاب والصناعة الحلال. ولتحقيق هذه الأهداف، قال سفير جاكرتا، إنه قام بزيارة العديد من مسؤولي الحكومة، مشيرًا إلى وزير التجارة، الطاقة والمناجم، السكن والعمران، كما تم برمجة القيام بزيارة أخرى لوزراء الحكومة المعنيين بالمجالات التي تم ذكرها سلفًا. وأردف المسؤول الدبلوماسي، خلال حديثه عن مناخ الاستثمار بالقول، "هدفنا الآن هو إنشاء فريق تقني يقوم بتحديد المنتوجات التي يمكن أن يكون فيها التبادل التجاري بين البلدين،" مشيرًا في الوقت ذاته، أن الجزائر لديها ما يكفي من المؤهلات والقدرات البشرية والإمكانيات لإنتاج وتصدير التمور والزيوت بمختلف أنواعها، وهي منتوجات ترغب إندونيسيا باستيرادها خاصة وأنها منتوجات حلال، وهو ما يسهل الأمر في عملية التبادل.
لماذا تأجلت زيارة رئيس الدبلوماسية الأندونيسية للجزائر؟ وفي رده عن سؤالنا بخصوص تنظيم زيارات رفيعة المستوى بين البلدين، قال ممثل الدبلوماسية الإندونيسية، إن أمنيتنا في هذه السنة أن تزول جائحة كورونا، حتى نتمكن من تنظيم لقاءات ومشاروات رفيعة المستوى بين وزراء جزائريين وإندونيسيين، مشيرًا في هذا الجانب أنه كان من المقرر أن تقوم وزيرة خارجية بلاده، ريتنو مارسودي بزيارة للجزائر بهدف توقيع عدة مذكرات تفاهم كتلك المتعلقة بإلغاء التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية، لكن شاءت الأقدار أن تتأجل بسبب انتشار الوباء، ليضيف في الوقت ذاته، أن هذه الزيارة ستبرمج قريبا أي فور رفع إجراءات الحجر أو التخفيف من حركة السفر الدولية. أما بخصوص إنشاء مشروع التوأمة بين مدينة وهران (غرب البلاد) ومدينة سورا بايا بمقاطعة (جاو) نظرًا لتشابه المدينتين الساحليتين، والذي لم ير النور بعد، فقد رد السفير بالقول، "نحن نعتقد أن هذه التوأمة بين مدينتي "وهران وسورابايا بمقاطعة جاوا" ما هي إلا وسيلة أخرى لتشجيع الدبلوماسية التجارية بين البلدين وسبيل ثان للتبادل والتعاون في مختلف المجالات بين بلدينا والتواصل المباشر بين الشعوب، مضيفًا أنه قيد الدراسة وسيتم النظر فيه مستقبلاً أي حالما تتاح الفرصة.
مستقبل العلاقات بين البلدين أكد السفير حليف أكبر، الذي تحدث بكل صراحة وبدون تحفظ، أن واقع العلاقات الثنائية مبني على قاعدة قوية جدا، خاصة من الناحية التاريخية والسياسية الدبلوماسية، والاقتصادية التي سيتم تعزيزها وتطويرها مستقبلاً، مشيرًا في هذا الصدد، لعلاقات البلدين التي تمتد إلى ما قبل المؤتمر الأفرو – آسياوي الذي استضافته مدينة باندونغ سنة 1955. هذه العلاقات _ يضيف السفير _ أعطت نوعا من المشاعر والأحاسيس بين الشعبين، مؤكدًا أن الجزائريين لديهم مكانة خاصة في قلوب الإندونيسيين. منوهًا في الوقت ذاته، بأنه من الضروري استغلال هذه القرابة والبناء عليها من أجل تحقيق طموحات الشعوب والأجيال القادمة.
إندونيسيا والتطبيع أما في ما يتعلق بمواقف بلاده من عدة قضايا دولية وإقليمية، وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية والصحراوية، فقد أكد حليف أكبر، أن حكومة بلاده، كانت قد أكدت في وقت سابق، أن موقفها من هاتين القضيتين لا يمكن حلهما إلا عن طريق قرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي، مشددًا على أن موقفها ثابت ودائمًا ما تدعو لاحترام القوانين الدولية. وأكد ذات المتحدث، أن القضية الفلسطينية، سبق وأن صرحت وزيرة خارجية بلاده، بموقف جاكرتا حين قالت، "إننا في جاكرتا ليس لدينا أي نية للتطبيع مع إسرائيل، وهي قناعة راسخة من موقفنا الثابت والداعم لفلسطين شعبًا وحكومةً" وهو الأمر الذي أكد السفير مفاده أن مصالح بلاده لن تكون على حساب القضية الفلسطينية. جدير بالذكر، أن السفير الإندونيسي بالجزائر، حليف أكبر المختص في العلوم الاجتماعية والسياسية، كان قد تولى عدة مناصب قبل حلول بالجزائر، حيث شغل منصب رئيس الشؤون القنصلية لبلاده في باكستان، ورئيس الشؤون السياسية بسفارة إندونيسيا بتيمور الشرقية، ليتولى بعدها مسؤولية الشؤون الإعلامية والثقافية بسفارة بلاده بسنغافورة، ليعود بعدها لجاكرتا فيتولى رئاسة إدارة الأنشطة المشتركة بين الوكالات، ورئيس لجنة الصداقة بوزارة الخارجية ما بين 2006 -2008، ليغادر بعدها مباشرة نحو العاصمة الأمريكيةواشنطن ليتولى خلية الإعلام والثقافة بسفارة بلاده، ثم رئيسا للشؤون القنصلية ما بين 2011 -2013.