أكد رئيس "الجمعية العربية التركية للعلوم والثقافة والفنون" أن مستقبل الأتراك والعرب واحد وأنه لا بد أن تتحول هذه العلاقة وهذا التعاون إلى شراكة إستراتيجية، مضيفا في حوار ل"صوت الأحرار" أن تركيا تريد أن تتصالح مع محيطها العربي الإسلامي وتعيد حساباتها في سياساتها الخارجية وهذا ما تأكد كما أضاف، من خلال مواقفها من القضايا العربية الهامة، من جانب آخر عبّر محمد العادل عن تميّز العلاقات بين تركيا والجزائر، حيث كشف عن التحضير لأسبوع ثقافي جزائري بتركيا نهاية السنة، كما شدّد على حرص تركيا على نشر اللغة والثقافة العربية، موضحا أنهما تلقيان إقبالا رسميا وشعبيا. حاورته في كوطاهية بتركيا •الدكتور محمد العادل هل يمكنكم إعطاءنا نبده عن الجمعية؟ تعتبر "تاسكا" أو "الجمعية العربية التركية للعلوم والثقافة والفنون" جسرا ثقافيا بين العرب والأتراك، تأسست قبل حوالي سنتين من نخبة من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين العرب والأتراك واتخذت من أنقرة عاصمة الجمهورية التركية مركزا لها، وتهدف إلى العمل على تنمية التعاون "التركي –العربي" في مختلف المجالات، لا سيما في العلوم والثقافة والفنون، لقناعتنا أن السياسية والاقتصاد فقط، لا يمكن أن تحقق التعاون الحقيقي والشراكة الحقيقية بين الشعوب والبلدان، ما لم يتم ترسيخها ورصدها بما هو علمي وثقافي وفني، بالإضافة إلى الدور الهام للمجتمع المدني والإعلام، لهذا السبب في السنوات الأخيرة رأينا توجها طيبا من قبل تركيا نحو البلاد العربية والإسلامية وكأن تركيا تريد أن تتصالح مع محيطها العربي والإسلامي وتعيد حساباتها في سياساتها الخارجية وبالفعل بدا ذلك واضحا، ولكن رغم هذا التطور الطيب والذي نسعد به، إلا أنه بقي في خانة السياسة والاقتصاد، لذلك فالجمعية تحاول سد هذا الفراغ خاصة في مجال التعاون الثقافي والعلمي بين البلدان العربية وتركيا. * فيما تتمثل محددات هذا التعاون الثقافي والعلمي بين البلدان العربية وتركيا؟ عندما نتحدث عن التعاون الثقافي نقصد به التعريف بالتراث والموروث الثقافي التركي، بكل ما تعنيه هذه الكلمة في البلاد العربية والموروث الثقافي العربي والفنون والآداب والكتابات الفكرية والأدبية العربية والعلماء العرب في الساحة التركية، من خلال تنشيط حركة الترجمة والتوأمة بين الجامعات والأيام الثقافية، من خلال تبادل البعثات الثقافية والإعلامية والمساهمة في إنشاء العديد من المراكز الثقافية وفتح دورات اللغتين العربية والتركية وغير ذلك من الأنشطة. • ألا تلاحظون أن اللغة تلعب دورا أساسيا في التواصل بين الشعوب والثقافات فهل هناك رؤية مستقبلية لإعادة بعث اللغة العربية في تركيا والعكس صحيح؟ أولا هناك توجه رسمي لدى تركيا ورغبة في نشر اللغة التركية عبر مؤسسات رسمية حكومية وهناك "منظمة التعاون الدولي" التابعة لرئاسة الوزراء تقوم الآن بدعم إما مراكز تعليم اللغة التركية في عدد من البلاد العربية وغيرها، أو فتح ما يسمى كراسي اللغة والآداب التركية في عدد من الجامعات العربية، لكن أيضا المجتمع المدني يشارك في هذا العمل ونحن أيضا في "الجمعية العربية التركية" معنيون بشكل كامل بمسألة اللغة والتبادل اللغوي بين تركيا والدول العربية، وبدأنا بالفعل بالتعاون مع منظمات مدنية شبيهة لنا، بفتح عدد من المقاعد في الجامعات ودورات للغة التركية منها في المغرب والسودان والأردن والتي باشرت العمل حديثا وستعمم مستقبلا في عدد أكبر من العواصم العربية وهناك طلب كبير، حيث تصلنا يوميا رسائل وبريد الكتروني كبير، تسأل إما عن تعلم اللغة التركية أو هناك من يطلب أيضا تعلم اللغة العربية، في المقابل لدينا الآن دورة دائمة لتعلم اللغة العربية ونعمل على دعم أقسام اللغة العربية في الجامعات التركية حيث يوجد ما لا يقل عن 25 قسما للغة والآداب العربية في الجامعات التركية، الحقيقة تعتبر هذه الأقسام ضعيفة من حيث الأداء والإمكانات وهذا بسبب إهمال البلاد العربية والمؤسسات التعليمية العربية لها، هذا يحيلنا إلى موضوع آخر وهو عدم اهتمام العرب بنشر لغتهم وثقافتهم، رغم وجود مؤسسات كثيرة عربية مثل الجامعة العربية التي تملك مؤسسات مختصة في هذا المجال، لكن الحقيقة في الساحة التركية على الأقل لا يوجد جهد بارز لنشر اللغة والثقافة العربية، والآن تحرص الجمعية التركية العربية على أن نتعاون مع الجامعات في البلاد العربية وخاصة كليات اللغة العربية والآداب العربية ونستفيد من أي عرض يقدم لنا من هذه الجامعات للتعاون معها لنشر اللغة العربية والثقافة العربية في تركيا، أوضح أيضا أن هناك إقبالا رسميا وشعبيا تركيا على اللغة العربية. • هل يمكن أن تشرح لنا مظاهر هذا التوجه والإقبال على اللغة والثقافة العربية في تركيا؟ من الناحية الرسمية وفي السنوات الأخيرة بدأت المؤسسات الرسمية مثل: الخارجية، الأمن والدفاع بفتح مناظرات أو مسابقات تشترط فيها إجادة اللغة العربية تحدثا وكتابة وهذا لم يكن في السابق، معنى ذلك أن هناك توجها رسميا نحو البلاد العربية، يريدون مواطنون أتراكا يتحدثون بشكل جيد اللغة العربية، هذا شجّع الشباب التركي من الجنسين على التوجه والبحث على كيفية التمكن من اللغة العربية، لذلك أنا أرى أنها فرصة تاريخية لنشر اللغة العربية والثقافة العربية في الساحة التركية، أرجو أن تستفيد منها كل الجهات سواء المجتمع المدني أو المنظمات الحكومية كجامعات وغيرها في تركيا وفي البلاد العربية. • التعرف على الثقافة والعلوم والفنون يتطلب تحريك عجلة الترجمة من الجهتين في الحالة الراهنة، بالإضافة إلى فتح دورات لتعليم اللغتين، فما هي إستراتيجية تركيا والجمعية والمجتمع المدني في تركيا فيما يخص تفعيل الترجمة للجانبين؟ لدينا عدد من المشاريع الهامة في هذا المجال، منها مشروع مهم جدا مع اتحاد الناشرين العرب، حيث عرض علينا أن يتبنى بالتعاون مع الجمعية ترجمة عدد من الكتب التركية إلى العربية والعكس صحيح، بالإضافة إلى أنه لدينا مشروع مهم جدا مع وزارة الثقافة التركية، لترجمة مجموعة منوعة من الكتب منها السياحي والتاريخي والثقافي للتعريف بتركيا وهي كتب مرجعية، هدفنا الوصول إلى المكتبات العربية الجامعية منها خاصة، الحقيقة نحن كجمعية إمكاناتنا لا تسمح بتحقيق كل ما نريده في الترجمة، فهناك كتب وعناوين كثيرة جدا نرى فيها أولوية لترجمتها من التركية إلى العربية أو من العربية إلى التركية، ونحن نقوم بهذا بالتعاون مع عدد من المؤسسات إما العربية أو التركية مثلا في الجزائر دور نشر ترغب في التعاون معنا وترجمة بعض أعمالها إلى التركية أو العكس فنحن على استعداد لذلك، لقد عرضنا ذلك على عدد من السفراء العرب، واقترحنا أن يقوموا باختيار عدد من العناوين العربية التي تعرف ببلدانهم وتاريخهم وثقافاتهم وأكدنا استعدادنا للتعاون مع مؤسسات في بلدانهم لترجمتها إلى التركية ومتابعتها في التوزيع وإيصالها إلى المكتبات المهمة في تركيا، البعض استجاب والبعض الآخر لم يستجب أو لم تقدم جوابا. • وهل هناك نفس الخطوات مع الجزائر؟ فيما يتعلق بالجزائر لدينا تعاون مميز مع السفارة الجزائرية في أنقرة، السفير إسماعيل علاوة رجل فاضل ومتعاون بشكل كبير معنا ومتحمس للجمعية وهو يخطّط لتنظيم أسبوع ثقافي جزائري في تركيا نهاية هذا العام ربما ووعدني أن تكون الجمعية شريكا في العمل ونحن سعداء بهذا العرض، لأننا فعلا نريد أن نساهم في حضور ايجابي وفاعل للثقافة والفنون الجزائرية في الساحة التركية، لكن هل الحضور الثقافي أو الفني يمكن تسجيله فقط عبر أيام ثقافية موسوية وتنتهي؟ لا...أنا أعتقد أنه يجب التحرك وفق خطة إستراتيجية واضحة بعيدة الأمد وأهداف مستقبلية وتشارك فيها مؤسسات حكومية ومنظمات مدنية، ألاحظ أن وزارة الثقافة في الجزائر التي نتابع نشاطها من تركيا تعتبر من وزارات الثقافة العربية النشطة جدا ونحن سعداء بذلك، وأنا أدعو وزارة الثقافة الجزائرية بإلحاح أن لا ينصب اهتمامها في التعريف بالثقافة والفنون الجزائرية نحن البلاد الغربية فقط ولكن تعطي نصيبا إلى تركيا ، لأن الأتراك شغوفين بالتعرف على الثقافة والفن والآداب والعادات والتقاليد الجزائرية وأعتقد أن الساحة الآن متاحة ويمكن لأي بلد عربي أن يعرف بفنونه وثقافته بصناعاته اليدوية والتقليدية وكل ما يمثله. نحن في "الجمعية العربية التركية" لدينا إمكانية بأن نقدم تسهيلات في الجانب اللوجسكي، تماما لكل من يأتينا أو يقدم طلب في هذا الشأن. • أتعتقدون سيدي أن التحول في السياسة التركية الرسمية نحو العالم العربي هو الذي صنع هذا التوجه الثقافي للتعريف بتركيا للعالم العربي والعكس صحيح؟ أنا لا أعتقد أن السياسة تصنع الفعل الثقافي أو التواصل بين الشعوب، بل هي عامل فقط من العوامل، فالقرار السياسي بمفرده لا يغير شيئا، لو لم يكن هناك استعداد لدى المجتمع التركي والمنظمات المدنية والمؤسسات العلمية والفنية التركية وحتى الإنسان التركي بصفة عامة، لا يأتي هذا التقارب بقرار سياسي، صحيح فتحت حكومة "العدالة والتنمية" هذا الباب في تركيا، لكن المجتمع التركي والمؤسسات المدنية احتضنت هذه الأفكار فتجاوب هذه المؤسسات كان تلقائي ودون محاولة لإقناعها من أي طرف، لذلك فالرغبة موجودة فعلا في المجتمع التركي للتقارب مع الجانب العربي. • هل هناك علاقة بين جمعيتكم والمؤسسات الثقافية العربية مثل الأليسكو؟ في الحقيقة لدينا تواصل طيب مع الجامعة العربية نفسها ومؤسساتها مثل الأليسكو، لكن لم يتحول هذا التواصل إلى تعاون بالمعنى الصحيح خاصة في مجال نشر اللغة العربية، لكن نطمح معا ومع منظمات وأكاديميات عربية أخرى وأكاديميات ونواد عربية أخرى رسمية وغير رسمية إلى بناء علاقات تعاون تخدم الحضور الجيد والايجابي للثقافة العربية في تركيا، نحن نعتبر أنفسنا معنيون بهذا الأمر ولا نستطيع لوحدنا أن نقوم بالعمل الكامل بدون دعم وتعاون المؤسسات العربية المعنية. مثلا لدينا طموح كبير جدا أن ننظم مهرجانا في تركيا يسمى "المهرجان العربي الأول للثقافة والفنون" وهو مطروح الآن وعرض على بعض السفارات العربية ونعمل من خلال التعاون مع عدد من المؤسسات المعنية في البلاد العربية، هدفه الاحتفال بعرس فني عربي ثانوي أو دولي، يكون محطة تسمح للأتراك من أدباء وشعراء وفنانين وغيرهم أن يتعرفوا على الثقافة والآداب والفنون العربية وتشارك فيه كل الدول العربية التي ترغب في ذلك وهو مشروع حيوي جدا للجمعية ولا تعني الحكومات فقط بل حتى الجمعيات، هذا يعتبر مشروع حيوي جدا بالنسبة للجمعية وفي مقابله مشروع مماثل وهو المهرجان التركي الأول للفنون والثقافة والذي سيكون في عدد من الدول العربية، لكن تحقيق مثل هذه المشاريع يتطلب وقتا أطولا وأرضية ودعم كبير، لكن لا يمنع بأن نحلم الآن لعلنا نستطيع أن نقنع بعض الأطراف لتتعاون معنا في هذا المجال. • كيف ترون سيدي دور الإعلام في هذا التوجه التركي الجديد والتعريف بثقافة تركيا وفنونها مع النقص الكبير للمواقع التركية وانعدامها باللغة العربية؟ صحيح أن هنالك نقص كبير في هذا المجال ونشعر به في تركيا دولة ومؤسسات، لكن بدأت الآن نوعا ما بعض المبادرات، كاستحداث أقسام اللغة العربية في عدد من الوكالات الإخبارية أو فتح بوابات وملاحق باللغة العربية في المواقع الرسمية للوزارات والسفارات، كما أنه بعض البلديات ومنها بلدية "كوطاهية" ستقوم بإعداد موقع إلكتروني عربي لها في الشبكة العنكبوتية وغيرها من المواقع بدأت تنتشر، صحيح تركيا تأخرت كثيرا في هذا الجانب، لكن هناك توجه ورغبة، بدليل أن تركيا اليوم تستعد لافتتاح قناة فضائية عربية وبدأ العمل بها وخلال أشهر أو سنة ستفتح وهذا يعكس الرغبة الحقيقة لدى تركيا في التعريف بنفسها إلى الإنسان العربي والاستفادة من وسائل الإعلام، سواء كانت المرئية أو المكتوبة أو المسموعة وحتى الالكترونية لكنها تسير ببطء. • هل أنتم متفائلون بمستقبل العلاقات العربية التركية؟ الحقيقة لا أريد أن أقول أنني متفائل، لكن أنا مؤمن بأن مستقبل الأتراك والعرب واحد وأنه لا بد أن تتحول هذه العلاقة وهذا التعاون إلى شراكة إستراتيجية، واحد من أهداف جمعيتنا هي أن تدفع هذه الخطوات إلى شراكة إستراتيجية وهي تحتاج إلى أرضية، رغم أنها ليست متاحة الآن، لكن عن طريق عملنا المدني والرسمي من الطرفين، سيهيئ هذه الأرضية، لأن مؤهلات الشراكة الإستراتيجية للطرفين موجودة ولا أتحدث هنا عن المشترك التاريخي والديني فقط، هذا مجرد عامل دافع، لكن الجغرافيا مهمة جدا، فنحن شركاء في الأرض والفضاء الذي نعيش فيه وحوله وإذا أضفنا لها المشتركات الأخرى الديني والتاريخي والثقافي وغيرها، فستكون صمام أمان لهذه الشراكة الإستراتيجية، فإذا كنا نتحدث اليوم عن شراكة إستراتيجية بين تركيا وأمريكا والتي لا يجمع بينهما لا بحر ولا بر، فما الذي يمنع أن تكون هناك شراكة مع العرب، لكن الأهم أن تكون هناك رؤية سياسية حقيقية. قناعتي في هذا الأمر، الحقيقة أن تركيا من الجانب السياسي متوجهة إلى هذا الجانب ولها رؤية حقيقية، ما يقلق أكثر وأنا أتحدث من باب الغيرة على هذه العلاقات التركية العربية، أنه لا يبدو لي أن معظم البلاد العربية لا تملك رؤية واضحة على كيفية التعاون العربي-التركي أو حتى مع التحولات في تركيا وكيف يمكن أن يحولوا التعاون إلى شراكة، وقد يكون موجود ولكن على الأقل ليس واضحا بالنسبة لي، أتمنى أن يكون موجودا وإن لم يكن أتمنى أن يبدأ التفكير فيه، وهذا لمصلحة الطرفين، أما إذا بقيت فقط الرؤية تركية والمحرك تركي، سيبقى التعاون غير متكافئ ولن يرقى إلى شراكة حقيقية، أما إذا اشترك فيه الطرفين فهذا سيراعي مصلحتهما الطرفين. • كلمة ل"صوت الأحرار"؟ أشكر الفرصة السعيدة والظروف التي جعلتني أتعرف على جريدتكم وبعض الإعلاميين الجزائريين وأتمنى أن يدوم التعاون والتواصل بيننا، كما أدعو الإعلام العربي والجزائري إلى تبني فكرة التقارب التي تطرحها تركيا، لنساهم معا في بناء هذه الرؤية والشراكة الإستراتيجية.