مع تبقي بضعة أشهر لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في الحكم ، قامت إدارة صقور البيت الأبيض بخطوة غير متوقعة من خلال انضمامها لمحادثات مع طهران بشأن برنامجها النووي وهي الخطوة التي يقول محللون أنها مدفوعة جزئيا برغبة في تجنب الحرب ضد إيران. ------------------------------------------------------------------------ المشاركة الأمريكية في اجتماع جنيف،... الأسباب والخفايا ------------------------------------------------------------------------ في السنوات القليلة الماضية أكدت إدارة بوش أنها لن تنضم إلى المحادثات النووية مع إيران إلا إذا تخلت عن تخصيب اليورانيوم لكن مع انتهاء ولاية بوش في جانفي وتصاعد التوتر مع طهران تشعر واشنطن أنها لا تستطيع تحمل استبعادها، حسب عدد من الخبراء. وقد انضم وليام بيرنز وكيل وزارة الخارجية الأمريكية إلى خافيير سولانا منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي ومسؤولين من الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا في جنيف، في محادثات مع رئيس فريق التفاوض الإيراني في المحادثات النووية ''سعيد جليلي'' لمناقشة عرض طرحته القوى الست الكبرى الشهر الماضي. من جهة أخرى قال الخبراء السياسيين، إن بين الأسباب لإرسال بيرنز سفير الولاياتالمتحدة السابق لدى روسيا وثالث اكبر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية ضمان عدم تقديم الكثير من التنازلات خاصة من جانب لاعبين مثل الصين وروسيا اللتين أظهرتا مزيدا من التعاطف تجاه طهران، وقال جاري سامور نائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية: انه هناك بمثابة الشرطي ، هناك توتر من أن سولانا وبعض من الدول الأخرى مثل الصين وروسيا قد تكون راغبة في تسوية تقل عن التعليق الكامل لتخصيب اليورانيوم، وأضاف، الإدارة تريد أن تكون متأكدة بشكل مطلق من أنها مشاركة في شكل هذا الاتفاق، وفي جوان قدم سولانا لطهران حزمة من الحوافز الاقتصادية والحوافز الأخرى التي اقترحتها قوى عالمية لوقف الأنشطة النووية الحساسة بما في ذلك التعاون في برنامج نووي سلمي، ورفضت إيران مرارا تعليق تخصيب اليورانيوم بناء على طلب القوى الست قبل بدء المفاوضات الرسمية بشأن العرض. يشار إلى أن إعلان حضور بيرنز رغم انه شكل مفاجأة من العيار الثقيل، إلا أن الولاياتالمتحدة كانت تجري محادثات على مدار العام المنصرم مع إيران بشأن دورها في العراق كما أجرت مناقشات معها فيما سبق بشأن أفغانستان. ------------------------------------------------------------------------ ''الخطوة الذكية''.. وصف أطلقته أمريكا على مشاركتها في محادثات جنيف ------------------------------------------------------------------------ قال شون مكورماك المتحدث باسم وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ان الوزيرة اعتبرت التخلي عن السياسة المعتادة وايفاد الدبلوماسي البارز وليام بيرنز إلى جنيف لإجراء محادثات مع إيران إلى جانب القوى الكبرى الأخرى خطوة ذكية، فيها خروج عن الدبلوماسية المعتادة. وأضاف مكورماك إنها تبعث بإشارة قوية إلى العالم وتبعث برسالة قوية إلى الحكومة الإيرانية بان الولاياتالمتحدة ملتزمة بالدبلوماسية. وقال البيت الأبيض أيضا إن إيفاد بيرنز وهو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، إلى جنيف للمشاركة في المحادثات لم يغير موقف الحكومة الأمريكية وهو أن واشنطن لن تنضم إلى مفاوضات كاملة إلا إذا تخلت طهران عن أنشطة تخصيب اليورانيوم، وقالت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الأبيض: لم يتغير شيء اذا لم يقبلوا هذا العرض، أولا.. فلن تكون هناك مفاوضات، وثانيا.. ستكون هناك عقوبات إضافية، فجوهر السياسة مازال كما هو ولكن هذا تكتيك جديد، وقال مسؤولون أمريكيون ان بيرنز ليس مخولا بالتفاوض في جنيف مع المفاوض النووي الإيراني سعيد جليلي، وقالت عدة مصادر دبلوماسية ان القوى الكبرى كانت تضغط على واشنطن منذ بعض الوقت من اجل المشاركة في المحادثات أملا في أن يؤدي هذا إلى خروج من المأزق. وأيدت بريطانيا وهي حليف مقرب من الولاياتالمتحدة في المحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي خطوة ايفاد بيرنز إلى جنيف، ويدور جدل حام داخل حكومة بوش بشأن ما إذا كان يجب التفاوض مع الإيرانيين وتوقيت ذلك وتعارض العناصر الأكثر تشددا في الحكومة إجراء محادثات. ويشير البعض إلى النجاح الذي تحقق في المحادثات مع كوريا الشمالية. ------------------------------------------------------------------------ محادثات ، لن تمنع فرض العقوبات ------------------------------------------------------------------------ رغم أن الولاياتالمتحدةالأمريكية شاركت في محادثات جنيف، إلا أن هذا لم يمنع مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يستعد من خلال لجنته لدراسة تشريع لتشديد العقوبات الاقتصادية والتجارية على إيران بعد أيام من تجربة الجمهورية الإسلامية إطلاق صواريخ قالت أنها قادرة على الوصول إلى مصالح أمريكية بالمنطقة. وفي هذا السياق قال السناتور الديمقراطي كريس دود رئيس اللجنة، يعزز مشروع القانون هذا المدعوم من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) العقوبات الاقتصادية ضد إيران ويفوض بتجريد الشركات التي تقوم بأعمال مع قطاع النفط الرئيسي في إيران من الاستثمارات لزيادة الضغط على حكومتها لتلبية مطالب المجتمع الدولي، وأضاف، انه يساعد أيضا في منع التحويل غير القانوني للتكنولوجيا الأمريكية الحساسة إلى إيران، وطبقت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على نطاق واسع من الشركات والمؤسسات المالية في إيران في مسعى لقطع التمويل عن برنامج طهران النووي، وتنطبق تلك العقوبات أيضا على شركات ومؤسسات حكومية مشاركة في تطوير صواريخ قادرة على حمل أسلحة دمار شامل. وسيوسع التشريع الجديد تعريف الموارد البترولية، بموجب القانون ليشمل خطوط أنابيب النفط والغاز الطبيعي المسال وناقلات النفط والغاز الطبيعي المسال والمنتجات التي تستخدم في إنشائها أو صيانتها. كما سيوسع مشروع القانون دائرة الأشخاص الذين يمكن تجميد أرصدتهم وأصولهم. وسيشجع التشريع أيضا حكومات الولايات والحكومات المحلية على تجريد أي شركة من الاستثمارات اذا استثمرت 20 مليون دولار أو أكثر في قطاع الطاقة الإيراني أو قدمت 20 مليون دولار أو أكثر كقروض للاستثمار في هذا القطاع. ------------------------------------------------------------------------ مكتب لرعاية المصالح الأمريكية في طهران.. هل يعني تطبيع العلاقات ؟ ------------------------------------------------------------------------ يبدو للوهلة الأولى للمتتبع للتصريحات الصادرة عن الطرف الأمريكي حيال طهران او الصادرة عن الجانب الإيراني حيال واشنطن، أن التيار مقطوع بين الطرفين لدرجة يستحيل معها الوصول الى حد أدنى من التفاهم ، لكن الأنباء الصادرة مؤخرا والتي تتداول في وسائل الإعلام ، تكشف أن ما يحدث في الخفاء غير ما يحدث في العلن ، فقد ذكرت صحيفة ''ذي غارديان'' البريطانية في أعدادها السابقة أن الولاياتالمتحدة ستعلن الشهر المقبل خطة لإقامة وجود دبلوماسي في إيران للمرة الأولى منذ ثلاثين عاما، وقالت الصحيفة من دون أن تحدد مصادرها أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تفكر في فتح شعبة دبلوماسية لرعاية المصالح شبيهة بتلك الموجودة في كوبا. وبحسب صحيفة ''ذي غارديان'' ، فإن الحديث عن فتح قسم لرعاية المصالح جاء بعد مناقشات مكثفة داخل إدارة الرئيس بوش بشأن توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، وبعد ضغوط على البيت الأبيض خلال السنتين الماضيتين لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع طهران. يذكر انه لا توجد علاقات دبلوماسية بين إيرانوالولاياتالمتحدة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية عام 1980 بعد احتجاز دبلوماسيين أمريكيين رهائن في طهران لمدة أكثر من سنة في مقر السفارة الأمريكية. وفي رد فعل على القرار الأمريكي بفتح مكتب لرعاية المصالح الأميركية في طهران، أعلن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد تأييده افتتاح قسم لرعاية المصالح الأمريكية في إيران، وقال: إننا نتعامل بايجابية مع اي عمل من شأنه المساعدة على تعزيز العلاقات بين الشعوب. ويعتبر الإعلان عن خطط أمريكا للعودة دبلوماسيا لإيران -في وقت تزايدت فيه حدة التوتر بين الجانبين بسبب الملف النووي- تغيرا كبيرا في سياسة بوش تجاه الدولة التي طالما وصفها بالمارقة. ------------------------------------------------------------------------ إيران- أمريكا- اسرائيل ..الوجه الآخر لعلاقات تبدو لأعداء ------------------------------------------------------------------------ قالت مصادر سياسية إسرائيلية إن إسرائيل أبدت انزعاجها لواشنطن إزاء التقارب بين واشنطنوطهران، إلى جانب خطط أمريكية لعقد لقاءات مع ممثلين عن الحكومة الإيرانية قريبا، وفي هذا السياق قالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن إسرائيل تشعر بالقلق بسبب إرسال مبعوثين كبار من الإدارة الأمريكية للقاء مسؤولين إيرانيين في جنيف لمناقشة البرنامج النووي الإيراني، وقالت «هآرتس» إن «هناك شعورا سيئا في إسرائيل وعدم قناعة إزاء هذه الخطوة الأمريكية نحو إيران وهو الأمر الذي تم إبلاغ مسؤولين أمريكيين كبار به». رد الفعل الإسرائيلي وان كان يبدو طبيعيا نظرا للعداء الظاهر للعيان بين طهران وتل أبيب ، يمثل جزء من الحقيقة ، نظرا لان العلاقات بين إيران وإسرائيل وأمريكا فيها الكثير من الجوانب الخفية ، وهنا تجدر الإشارة إلى ان الكاتب ''تريتا بارسي'' الأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة ''جون هوبكينز''، الذي ولد في إيران و نشأ في السويد و حصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية ثم على شهادة ماجستير ثانية في الاقتصاد من جامعة ''ستكوهولم'' لينال فيما بعد شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة ''جون هوبكينز'' في رسالة عن العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية. قدم كتابا يحوي العديد من المعلومات الدقيقة و التي يكشف عن بعضها للمرة الأولى، إضافة إلى كشف الكاتب لطبيعة العلاقات و الاتصالات التي تجري بين هذه البلدان (إسرائيل- إيران- أمريكا) خلف الكواليس شارحا الآليات و طرق الاتصال و التواصل فيما بينهم في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات و الخطابات و السجالات الإعلامية الشعبوية و الموجّهة. كما يكتسب الكتاب أهميته من خلال المصداقية التي يتمتّع بها الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية ''تريتا بارسي''. فعدا عن كونه أستاذا أكاديميا، يرأس ''بارسي'' المجلس القومي الإيراني-الأمريكي، و له العديد من الكتابات حول الشرق الأوسط، و هو خبير في السياسة الخارجية الأمريكية، و هو الكاتب الأمريكي الوحيد تقريبا الذي استطاع الوصول إلى صنّاع القرار (على مستوى متعدد) في البلدان الثلاث أمريكا، إسرائيل و إيران. يتناول الكاتب العلاقات الإيرانية- الإسرائيلية خلال الخمسين سنة الماضية و تأثيرها على السياسات الأمريكية وعلى موقع أمريكا في الشرق الأوسط، و يعتبر هذا الكتاب الأول منذ أكثر من عشرين عاما، الذي يتناول موضوعا حسّاسا جدا حول التعاملات الإيرانية الإسرائيلية و العلاقات الثنائية بينهما، يستند الكتاب إلى أكثر من 130 مقابلة مع مسؤولين رسميين إسرائيليين، إيرانيين و أمريكيين رفيعي المستوى و من أصحاب صنّاع القرار في بلدانهم. إضافة إلى العديد من الوثائق و التحليلات و المعلومات المعتبرة و الخاصة. و يعالج ''تريتا بارسي'' في هذا الكتاب العلاقة الثلاثية بين كل من إسرائيل، إيران و أمريكا لينفذ من خلالها إلى شرح الآلية التي تتواصل من خلالها حكومات الدول الثلاث و تصل من خلال الصفقات السريّة و التعاملات غير العلنية إلى تحقيق مصالحها على الرغم من الخطاب الإعلامي الاستهلاكي للعداء الظاهر فيما بينها، وفقا لبارسي فانّ إدراك طبيعة العلاقة بين هذه المحاور الثلاث يستلزم فهما صحيحا لما يحمله النزاع الكلامي الشفوي الإعلامي، و قد نجح الكاتب من خلال الكتاب في تفسير هذا النزاع الكلامي ضمن إطار اللعبة السياسية التي تتّبعها هذه الأطراف الثلاث، و يعرض بارسي في تفسير العلاقة الثلاثية لوجهتي نظر متداخلتين في فحصه للموقف بينهم: أولا: الاختلاف بين الخطاب الاستهلاكي العام و الشعبوي (أي ما يسمى الأيديولوجيا)، و بين المحادثات و الاتفاقات السريّة التي يجريها الأطراف الثلاث غالبا مع بعضهم البعض (أي ما يمكن تسميه الجيو-استراتيجيا). ثانيا: يشير إلى الاختلافات في التصورات والتوجهات استنادا إلى المعطيات الجيو-استراتيجية التي تعود إلى زمن معين و وقت معين، ليكون الناتج محصلة في النهاية لوجهات النظر المتعارضة بين ''الأيديولوجية'' و ''الجيو-إستراتيجية''، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ المحرّك الأساسي للأحداث يكمن في العامل ''الجيو-إستراتيجي'' و ليس ''الأيديولوجي'' الذي يعتبر مجرّد وسيلة أو رافعة، بمعنى ابسط، يعتقد بارسي أنّ العلاقة بين المثلث الإسرائيلي- الإيراني الأمريكي تقوم على المصالح و التنافس الإقليمي و الجيو-استراتيجي و ليس على الأيديولوجيا و الخطابات و الشعارات التعبوية الحماسية...الخ، و بين هذا و ذاك يأتي دور اللاعب الأمريكي الذي يتلاعب بهذا المشهد و يتم التلاعب به أيضا خلال مسيرته للوصول إلى أهدافه الخاصّة و المتغيّرة تباعا. استناداً إلى الكتاب، وعلى عكس التفكير السائد، فإن إيران من جهة و إسرائيل وأمريكا من جهة أخرى ليست في صراع أيديولوجي بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل، ويشرح الكتاب هذه المقولة و يكشف الكثير من التعاملات الإيرانية -الإسرائيلية السريّة التي تجري خلف الكواليس و التي لم يتم كشفها من قبل،. كما يؤّكد الكتاب في سياقه التحليلي إلى أنّ أحداً من الطرفين (إسرائيل و إيران) لم يستخدم أو يطبّق خطاباته النارية، فالخطابات في واد و التصرفات في واد آخر معاكس. و يكشف الكتاب من ضمن ما يكشف أيضا من وثائق و معلومات سرية جدا و موثقة فيه، أنّ المسؤولين الرسميين الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق العام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه، مقابل ما ستطلبه إيران منها, على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين و تنتهي مخاوف الطرفين.