لم يعد لعائلة زحافي أن تصبر أكثر من 13 سنة على حال ابنها مروان، ففقر العائلة وقف حائلا دون تمكنها من إخضاعه لعملية جراحية على مستوى الفك لإخراجه من صمته، عله يكسر قيود إصابته بالبكم منذ ولادته، كطريقة للتخفيف من حدة إعاقته الذهنية التي أدخلته في عالمه الخاص البعيد كل البعد عن عالم الأطفال الطبيعيين. الإعاقة الذهنية وعالم الصمت الذي يعيشه الطفل مروان ليست مشاكله الوحيدة، بل زادتها الأزمة والصدمة النفسية ما جعل وضعه يزداد سوءا من يوم لآخر ويزيد معه قلق وخوف العائلة من تعقيد إمكانيات التماثل للشفاء حتى بعد خضوعه للجراحة. الفقر حال دون خضوعه للجراحة تقطن عائلة زحافي ببلدية بوفاريك ولاية البليدة، أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية جعلت رغبتها في علاج ابنها مروان تبقى مجرد حلم يعد تحقيقه ضربا من ضروب الخيال أو نوعا من ضربة الحظ التي قد تبتسم مرة واحدة في الحياة. أخضع مروان للفحوصات الطبية اللازمة لدى مختلف أخصائيي جراحة الفك والوجه الخواص منهم والعموميين، ليتأكد بعدها التصاق فكيه العلوي والسفلي ببعضهما كتشوه خلقي منذ الولادة وكان ذلك وراء إصابته بالبكم، حيث أكد أكبر الأخصائيين بالوطن في تخصص جراحة الفك أن الطفل مروان غير مصاب بالبكم وأنه سيسترجع النطق بمجرد خضوعه للعملية الجراحية، والتي اتضح فيما بعد أنها تتطلب أموالا باهظة، لا تقوى العائلة على سدادها، فرضيت بمشيئة الله على مصابها، إلى أن كان ما لم يكن في الحسبان. شاهد ذبح والده أمام عينه رضي أفراد عائلة زحافي بقضاء الله وقدره وخاصة والد الطفل مروان الذي عمل بجد في سبيل ادخار المبلغ الكافي لعلاج ابنه، احتمل المخاطرة بحياته لتأمين ثمن العملية، وظل يزاول عمله بالخروج في وقت مبكر صباحا والعودة متأخرا ليلا، في زمان ومكان حولتهما اليد الهمجية خلال العشرية السوداء إلى دائرة سوداء ومنطقة محرمة من دخلها سالما لا يخرج منها حيا. وجاء اليوم الموعود أين صدم الطفل مروان أشد صدمة نفسية يمكن أن يصادفها المرء في حياته، فحتى صغر سنه وتأخره الذهني لم يشفعا له أمام قانون الغاب في تلك الفترة، ليجبر على مشاهدة عملية ذبح والده بأم عينيه، فكان للمشهد وقعه الكبير على نفسية الصغير مروان، ليدخل بعدها في صدمة نفسية لم تهتم مصالح الوزارة المنتدبة المكلفة بالأسرة أو مصالح وزارة التضامن الوطني لها، ولم تحرك ساكنا للتكفل بعلاجه في مراكز العلاج النفسي، التي تم فتحها للتكفل بأطفال ضحايا المأساة الوطنية، وها هي اليوم عائلة زحافي تطرق أبواب الوزارتين، علها تجد مكانا يتلقى فيه مروان جلساته العلاجية. مقعد بمركز لذوي الاحتياجات الخاصة يبقى حلمه مع كل ما يعانيه مروان زحافي وبالرغم من كل ما مر به خلال طفولته وعجزه عن النطق إلا لطلب بعض الماء أو الأكل، إلا أن هذا لم يمنعه من المطالبة بحقه الطبيعي كباقي الأطفال في الظفر بمقعد دراسي بأحد مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، والتقرب من مصالح ولد عباس ونوارة جعفر لإدراجه بأحد هذه الهياكل، وإخضاعه قبلها إلى عملية جراحية تخرجه من عالم الصمت.