زادت عن السبعين خمسة فزادت عن الفنانين المطربين المتألقين خبرة، فظهرت كما لو أنها لم تفارق الخشبة يوما، ولم تتقدم في السن برهة، بوقفة واحدة في الثلاثين، وبنظرة إنسانة تعلمت من مدرسة الحياة الشيء الكثير، بعد أن جعلت نفسها طائرا يشدو باسم الجزائر في كل أرجاء وزوايا المعمورة، فكانت الليلة العاشرة من مهرجان جميلة في طبعته الرابعة لامعة بلا منازع، فالستار الذي أسدل سهرة أول أمس بالركح المسرحي الروماني بكويكل الأثرية لم يرد إخفاء الأضواء التي أنارت المدينة طيلة عشرة أيام، وبدا الحياء فيه جليا من إخفاء الوردة المعطرة التي شدت عصفورة تعود إلى وكرها بكثير من الشوق والحنان. فغنت وصفقت وزغردت وسافرت بالجمهور الحاضر إلى زمن الطرب الساحر من خلال أداء الروائع من أغانيها بداية من ''في يوم وليلة'' التي كانت من الأغاني الأولى التي سحرت بها وردة عاشقيها بداية المشوار، لتليها أغنية ''أول مرة'' والملاحظ في أميرة الطرب العربي أنها لم تستطع أداء الأغاني كاملة، واكتفت بإلقاء مقاطع فقط من البارز في أي عمل أشرفت عليه لتدوي الوطنية أرجاء الساحة التاريخية بشدوها لرائعة ''عيد الكرامة والفداء''، هذه الاخيرة لقيت تجاوبا كبيرا من الجماهير، وحتى الضيوف الرسميين من وزيرة الثقافة خليدة تومي ووالي ولاية سطيف. وبالرغم من الفرجة التي صنعها الجميع ليلة الاختتام، إلا أن وردة كانت غير راضية، وفي كل مرة كانت تطالب بصحوة الجمهور الذي لم يجد ما يقابل به غاليته سوى ب ''بص شوف وردة تعمل إيه''. كما غنت الأميرة ''خليك هنا'' بعد إلحاح الحضور، وهو نفس السيناريو تكرر مع رائعة ''قال إيه'' و''أكذب عليك'' و''أنا مالي ''، وهي الأغاني الثلاث التي جاءت في قالب متسلسل أرغم العناء الفنانة وردة التوقف لدقائق بين أشواط الإلقاء. وكان آخر ما غنت أميرة الطرب العربي متمثلا في ''بتونس بيك'' التي أدتها مناصفة مع الجمهور بعد مطالبته وردة إعادتها مرة أخرى، ليكون مسك الختام ''حرمت أحبك'' قبل إن تحظى بتكريم مميز من طرف وزيرة الثقافة وولاية سطيف. هذا وكان الشوط الأول من السهرة من إحياء زعيم الأغنية الشعبية المصرية ''حكيم'' والذي تفنن بدوره في تحريك الأفكار والأجساد معا، وخلق حيوية كبيرة نسجت تناسقا في الأداء والحركات، فبخير التحيات بدأ الفنان سهرته بأداء ''السلام عليكم'' في صورة القادم من أم الدنيا، ومعه السلام الذي تزعّم قافلته منذ سنوات تحت رعاية الأممالمتحدة، وبهيئة المتألق القادم كأحسن مغني افريقي كما ألقى على الجمهور المتميزة ''عالوحدة'' باعتبارها من الأغاني التي أثارت ضجة في سوق الأغنية العربية والمصرية على وجه التحديد. وبعدها جاء دور العاطفة الوصفية للمرأة العربية في أغنية ''وحياة عيونك'' وكذا أغنية ''اسمعني''. ولأن حكيم سبق وان تحصل على وسام الاستحقاق من الرئيس التونسي في عهد أغنية ''افرض مثلا'' كان لهذه الأخيرة نكهة خاصة أمام جمهور، كان معجبا بها في الأيام الأولى من صدورها إلى سوق الكسات. كما أن دعوته إلى السلام المتواصل في العالم ورغبته في لم شمل زعماء العالم، كان من أبرز ما غنى الفنان ''اصح يا دنيا'' التي جاءت بطريقة وصفية للأوضاع السائدة في العالم والمفارقة الحاصلة بين الدول، وبعدها جاء وقت التأوهات القلبية بأداء أغنية ''آه يا ألبي '' و''خطوة ونص'' و''الحب ناداني'' قبل العودة الى السلامات وإعادة نقطة البداية ''السلام عليكم''. ويذكر فقط أنه على جانب الحفل الختامي الذي حضرته وزيرة الثقافة خليدة تومي تم إلقاء البيان الختامي للمهرجان الذي يبدو عليه بداية لسحب البساط من بين أرجل الولاية بعد الصلاحيات الكبيرة التي قدمت لمحافظة المهرجان، لكن مهما يكن فإن مهرجان جميلة صنع التميز في كثير من الأشياء، وحقق قفزة مشهود عليها في الوطن العربي ككل.