تتداول الأوساط المناهضة للعلمانية أسماء ورموزا لها علاقة بهذا الاتجاه الوافد دون أن تحظى بتعريف يقرّب معناها إلى الرأي العام، إلى درجة أن كثيرا من قراء الصحافة العربية يلوكون تلك الأسماء والعبارات وهم يتساءلون عن معانيها الدقيقة لعدم إحاطتهم بحدودها ونشأتها وعلاقتها بمجتمعنا، فارتأينا الوقوف عند بعض من يعتبره العلمانيون من الوجوه البارزة للتنوير والعصرنة وبعض ما يدندنون حوله من مفاهيم. ''لافيجري'': كثيرا ما يوصف العلمانيون بأنهم أحفاد لافيجري، وهذا نسبة إلى رجل دين مسيحي فرنسي كان أسقف الجزائر العاصمة في ,1866 وهو مؤسس التنظيم النصراني (مبشرو إفريقيا) المعروف باسم الآباء البيض، كما أنه أعلن في ,1890 وبالجزائر المحتلّة انضمام الكاثوليك الفرنسيين إلى الجمهورية أي تخلي الكنيسة عن الحياد المزعوم تجاه السياسة والحياة الدنيوية وانضوائها تحت لواء العلمانية العدوانية. وإذا علمنا أن الآباء البيض قد تركوا تلامذة وأتباعا أوفياء في بعض مناطق بلادنا العربية من جهة وأن شارل لافيجري قد أخضع الدين المسيحي الذي كان يمثله للنظام الجمهوري القائم على العلمانية من جهة ثانية، عرفنا العلاقة الروحية بين الرجل وبين العلمانيين، أليسوا متشبعين بأفكار المبشرين؟ أليسوا يدعون إلى إخضاع الإسلام للنظام العلماني الذي يستميتون من أجله؟ فمثلهم الأعلى هو لافيجري ... هذا في ميدان الدين. ''جول فيري'': هو سياسي فرنسي عاش في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وارتبط اسمه بالمنظومة التربوية الفرنسية، حيث شغل منصب وزير التربية وعمل من خلال تشريعات مشهورة على علمنتها بإبعادها عن سلطة الكنيسة وقطع روابطها بالدين بعد أن كان التلاميذ يتلقون تعليما دينيا، وكان للهجات الدينية مدارس، فألغي فيري هذه الأخيرة أو عمل من أجل ذلك على الأقل - وأقام محلّها ما يسمى التعليم العمومي أي العلماني الذي لا يمتّ للدين بأية صلة، هكذا يعتبر جيل فيري أبا للمدرسة العلمانية لذلك يحنّ إليه دعاتها عندنا ويطمعون أن يقطع نموذجهم الطريق على ''الظلاميين'' أي دعاة التربية الدينية، والمنادون بالقيم السماوية والأخلاق الربانية... هذا في مجال التربية والتعليم. ''لاكوست'': يتهم أتباع التيار الوطني العلمانيين بأنهم خريجو دفعة ''لاكوست'' وذلك إشارة إلى الحاكم العام الفرنسي بالجزائر إبّان الثورة التحريرية الذي تهيأ لخروج الاستعمار العسكري بإعداد دفعة من الجزائريين يتولون في المستقبل ضمان استمرار الوجود الفرنسي عبر الاستعمار الثقافي والإداري، وعندما رحلت فرنسا في 1962 تولوا بكثير من المهارة النيابة عنها وإدامة ظلها وتنفيذ خططها إلى درجة أن الإدارة الجزائرية أصبحت محرّمة على المعرّبين في فترة من الفترات ومستعصية على كل إصلاح من شأنه تقريبها للمواطن وجعلها أداة للتغيير الفعلي الذي لا يكتمل الاستقلال إلا به. هكذا يجتمع نموذج في الدين وآخر في التربية وثالث في الإدارة.. كلها دعم للعلمانية ومنفذ لها لمعاداة الأصالة وتخريب التميّز الحضاري وعرقلة التحرر التام الشامل الحقيقي من ربقة الاستعمار. وإلى جانب هذه الأسماء هناك رموز أيضا: الجمهورية: منذ كثر اللغط حول الجمهورية احتار الرأي العام وتساءل: هل هناك من يدعو إلى الملكية أو غيرها؟ فيا له من سؤال بريء... إن العلمانيين لا يقصدون ما يظنه الرأي العام، إنما يشيرون إلى مثلهم الأعلى (الثورة الفرنسية) التي أعلنت الجمهورية على أساس مبادئ العلمانية أي - خاصة - إبعاد الدين وتهميشه على كل الأصعدة وفي كافة ميادين الحياة شعارهم (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر). ..هذا معنى الجمهورية التي يتغنى بها القوم: نظام علماني هجين أعجمي اللسان لا دين له ولا انتماء أصيل مثله، الأعلى هو فرنسا بالذات والغرب بصفة عامة. الانتماء المتوسطي: ما يفتأ العلمانيون في صحفهم وبرامجهم الحزبية وبياناتهم ينادون بالانتماء المتوسطي كبديل عن الانتماء العربي الإسلامي، فماذا تعني الدعوة المتوسطية؟ إنها ببساطة العودة إلى الأصول الإغريقية الرومانية المسيحية وإحياء هيمنة الضفة الشمالية على الجنوبية، وهل يعني هذا شيئا آخر غير التآمر على الإسلام والعربية والارتماء في أحضان فرنسا؟ نعم فرنسا.. لأن البحر المتوسط وضفته الشمالية لا يحيلان إلا على ذلك البلد الذي يعتبره التغريبيون وطنهم الأم، ولا غرابة في ذلك فهو امتداد لدعوة قديمة ظل العلمانيون في البلاد الإسلامية يتشبثون بها منذ عقود، بدءا بفرعونية مصر وفينيقية الشام وطورانية تركيا، ويزخر قاموس العلمانيين بالأسماء والرموز... لكن اللبيب تكفيه الإشارة.