شهدت القاعة الزرقاء بدار الثقافة ولد عبد الرحمن كاكي، نهاية الأسبوع الفارط، ضمن برنامج مهرجان مسرح الهواة الذي تحتضنه مدينة مستغانم إلى غاية يوم 26 من الشهر الجاري، عددا من العروض الأجنية التي تشارك بعروض مميزة صنعت الفرجة لدى المستغانميين الذين سجلوا حضورا وتجاوبا كبيرا مع العروض رغم تقديمها في ساعات متأخرة من الليل. ولعل أهم العروض التي قدمت في هذا الإطار عرض فرقة بكين التي نجحت في شد انتباه الجمهور باستعراضاتها الفنية الراقصة والتي حملت في طياتها ملامح الحضارة الصينية العريقة، حيث قدمت الفرقة أربعة عروض مقتبسة من الموروث الثقافي الصينيي القديم الذي يعكس ثراء أقدم الحضارات الإنسانية. حيث تحولت خشبة ولد عبد الرحمان كاكي إلى مسرح لعدد من الأساطير الصينية التي صنعت ولا تزال خصوصية المجتمع الصيني على غرار عرض الأفعى التي تتحول إلى إنسان وتتزوج رجلا عاديا ليتفاجا في غفلة منها بصورتها الحقيقية، الأمر الذي صدم الزوج حد الموت ودفع الأفعى إلى تحدي القدر والعزم على إرجاع الحياة للرجل الذي أحبته لتتواصل أحداث الأسطورة عبر ايماءات ورموز شدت أنظار الحضور الذي لمس رقي الرؤيا المسرحية الصينية وعراقتها، ليتابع تطور أحداث قصة الأفعى التي نجحت في إعادة الحياة الى زوجها بعد صراع مرير مع حارس حديقة الحياة. وختاما للعرض تم تكريم الفرقة الصينية من قبل محافظ المهرجان الوطني لمسرح الهواة ''جمال بن صابر'' تحت تصفيقات وهتافات جمهور الذي أعرب عن إعجابه بمستوى الفرق المشاركة ضمن الطبعة الثالثة والأربعين للمهرجان، التي شهدت مشاركة جمعية نجوم المسرح التونسية والتي قدمت عرضا مسرحيا مميزا جاء تحت عنوان ''بين جمر ومطر'' لمؤلفها ومخرجها ''كمال العابد''. الذي يعالج من خلال رؤيا مسرحية تحليلة ناقدة في ذات الوقت قضية الهوية المغربية بين الأصل والمكتسب، حيث تحكي المسرحية قصة الأب ''يونس'' الذي يتهم قبل الاستقلال بإحراقه لمخرن مؤونة الحبوب فيهرب إلى فرنسا، حيث يتم تجنيده وبعثه كمحارب الى الجزائر بعد ان يترك ولده ''الزاهر'' وبنتا بكماء وأختا. عائلة ترفض يونس بعد عودته إلى تونس بعد نصف قرن، حيث يرفض الابن '' الزاهر'' استقبال والده ويطالبه بالعودة إلى فرنسا فيحاول الوالد جاهدا إعادة توطيد العلاقة بينه وبين العائلة، ما يصعد توتر العلاقة بين الأب الذي يبحث عن السلطة الأبوية التي لا يعترف بها الزاهي الذي يعمل جاهدا على تحرك أفراد العائلة ضد والده غير أن فشله يوصله إلى الموت. ووفقا لطرح المسرحية التي تناقش موضوع التنازع على السلطة على مستوى الخلية الأولى في المجتمع، فقد استطاع العرض التونسي أن يكسر واحدا من أهم الطابوهات السياسية من خلال معالجة درامية مسرحية نجحت في رفع سقف قوة اللغة المسرحية على ركح حمل كل مفارقة النفس البشرية المتعطشة للسلطة. رسالة استقبلها الجمهور المستغانمي بكثير من الوعي والحس الفني رغم محاولة المؤلف اللابتعاد عن طرح القضية على مستوى أعلى من الأسرة.