تختلف طرق قضاء اليوميات عند الجزائريين خلال شهر رمضان الكريم من شخص لآخر وحسب الوظيفة الاجتماعية التي يشغلها كل واحد ، فبالنسبة لهؤلاء الذين لديهم ما يشغل وقتهم فلا خوف عليهم وليس مهما أن ننشغل بأمورهم، لكن من ينبغي فعلا الحديث عنهم وتسليط الضوء على ما يفكرون فيه ويفعلونه طوال فترة الصيام هم الشريحة الأكثر حساسية في المجتمع والذين يشعرون بأن دورهم قد انتهى بمجرد إحالتهم على التقاعد ودخولهم في مرحلة أخرى من الحياة يطلق عليها القاموس العمري اسم ''الشيخوخة '' . يسعى المتقاعدون خلال شهر رمضان الكريم إلى البحث عن أساليب وطرق من أجل تمضية أوقاتهم والبحث عن وسائل للتسلية من شأنها إخراجهم من الجو الروتيني الذي صار يطبع حياتهم منذ أن توقفوا عن أداء مهمتهم الاجتماعية وأصبح البيت هو الوجهة الأبدية التي تحتضنهم بعدما تقدم بهم العمر وتآمر عليهم الزمن، ليجدوا أنفسهم بعد مشاوير عمل طويلة دون وظيفة ووسط يوميات متشابهة وكأنها نسخ طبق الأصل عن نفسها، فمنذ طلوع النهار وإلى غاية نهايته تحاول هذه الفئة ضبط برنامج خاص بها يبعد عنها الملل وحلقة الضجر التي تعيش فيها وتبحث عن فضاءات مريحة تشعرها بالراحة وتزيل عنها همومها ومشاكلها خاصة، فالمتقاعدون في مثل هذه المرحلة من حياتهم ينتابهم ضعف نفسي وإحباط شديد فيحسون بأنهم مهمشين ولا أحد يسأل عنهم أو يأبه لآلامهم، وحتى يمكنهم التغلب على هذه الأفكار فإنهم يفضلون الالتقاء مع أصدقائهم الذين ينتمون إلى نفس شريحتهم ويتقاسمون مع بعضهم مشاغل الحياة والتي تكون عادة في المقاهي والحدائق العمومية، كما ينطبق الأمر كذلك في شهر رمضان الكريم الذي يقومون باستغلاله من خلال عدة أعمال يقومون بها وعلى رأسها التسوق بالإضافة إلى مرافقة أصدقاهم في جولات حتى لا يشعروا بطول الوقت فيمضون اليوم كله وهم يجوبون هذا الشارع وذاك، بين المسجد وأرجاء البيت تلك حكاية مسنينا في هذا الشهر الفضيل. التسوق... انطلاق يوميات المتقاعدين في رمضان يعتبر التسوق من الطرق التي يلجأ إليها المتقاعدون في الجزائر خلال شهر رمضان الكريم من أجل التغلب على الوقت وعدم الشعور بالركود والكسل وتعويد أنفسهم على الحركة الدائمة والنشاط، فمنذ وقت مبكر يحملون تلك القفة ويتوجهون إلى الأسواق التي يبحثون فيها عن السلع ذات الجودة والتي تتناسب أسعارها مع أجرة معاشهم، فيطوفون حول أرجاء السوق ويتحدثون إلى الباعة الذين أصبحوا أصدقاء لهم بحكم معاشرتهم اليومية لبعضهم البعض وهم بدورهم صاروا زبائن دائمين لديهم ويقدمون لهم الأحسن والأفضل ويتبادلون مع بعضهم أطراف الحديث حول مختلف القضايا الموجودة في المجتمع الجزائري والظواهر الاجتماعية التي صارت منتشرة في الآونة الأخيرة حول البرامج التلفزيونية التي تعرض على شاشات التلفزيون في شهر رمضان ويقومون بالتعليق عليها سواء بالسلب أو بالإيجاب، فالكثير من هؤلاء المسنين يجدون في التسوق وسيلة للترفيه عن أنفسهم حتى لا يبقوا حبيسي منازلهم فيتعمدون التوجه إلى أسواق أخرى غير التي توجد في أحيائهم حيث يقودهم الفضول من أجل الاطلاع على الأسعار ومعرفة إذا كانت في متناول الجميع أو باهظة. ويعتبر السيد ''حسان '' واحدا من بين هؤلاء وقد أحيل على التقاعد منذ سنتين، حيث يمضي أوقاته في شهر رمضان الكريم في التنقل من سوق إلى آخر واقتناء كل ما يلزم للطبخ وفي اليوم يذهب أحيانا 3 مرات، وفي هذا الشأن يقول بأنه يفضل التسوق دائما في رمضان من أجل التسلية وتمضية وقته فقط فهو يحب مشاهدة الخضر والفواكه وهي معروضة للبيع، ونفس الأمر ينطبق على السيد ''مراد '' فهو الآخر يجد في التوجه إلى الأسواق خلال شهر رمضان ملاذا له حتى لا يشعر بالملل وطول الوقت. بعد المسجد ...الجلوس في الساحات العمومية وقراءة الجرائد يتواصل البرنامج الذي تتبعه فئة المتقاعدين خلال هذا الشهر الكريم، فبعد الانتهاء من التسوق والتفرغ لعبادة الله في المساجد فإنهم سرعان ما يتوجهون مباشرة إلى الساحات العمومية والحدائق التي يبحثون فيها عن الهدوء وراحة البال ويمضون هناك أوقاتا ممتعة حيث يكونون جماعات ويتبادلون أطراف الأحاديث، فكل واحد والأسباب التي قادته إلى هناك فبعضهم لا يحبذ فكرة البقاء في المنزل لأن ذلك يشعرهم بالضجر والبعض الآخر يحب استنشاق الهواء ويميلون إلى الانفراد بأنفسهم وآخرون يفضلون قضاء أوقاتهم رفقة أصدقائهم الذين يشاركونهم اهتماماتهم خاصة وأنهم يعيشون نفس الوضعية وتنتابهم تلك الأفكار السلبية، فمن المشاهد المألوفة التي نمر عليها في هذا الشهر الفضيل ذلك الإقبال الكبير من طرفهم على قراءة الجرائد اليومية وهم جالسون في تلك الساحات، حيث تلاحظ اصطفافهم، يطالعون مختلف الأخبار التي تعجبهم ولاسيما ما تعلق منها بزيادة منحة التقاعد التي يعتبرونها غير كافية دائما في ظل ارتفاع الأسعار، وهي أخبار أخرى ينقبون عنها في الصفحات الاقتصادية علهم يعثرون على مقالات تنبئ بتخفيضها قريبا، كما تعتبر صفحات التسلية أيضا طريقة لقضاء اليوم بالنسبة لبعضهم فبعد قراءتهم للعناوين التي تتناسب مع مزاجهم يهربون إلى الصفحات الأخيرة التي توجد فيها الألعاب خاصة إذا لم يجدوا بعض الأخبار التي تثير الانتباه فيخرجون سيالة كانت موجودة في جيبهم ويطوون تلك الصفحة على اثنين يبحرون في ذلك العالم الذي يحلمون أن تتغير فيه أوضاعهم. فالمتجول في ساحة ''ميسوني'' أو ''عيسات إيدير'' يشد انتباهه ذلك العدد من المسنين الذين صارت الساحات العمومية ملجأهم خلال شهر رمضان الكريم حيث يمضون جل وقتهم وهم جالسين على المقاعد وكلهم حاملون جرائدهم المفضلة لتكون هذه هي خطتهم في الحياة. بين السوق، المنزل والشارع هي قصة المتقاعدين في الجزائر خلال هذا الشهر الكريم من أجل التخلص من الروتين وحلقة التكرار التي تستمر لسوء الحظ عندهم حتى بعد انقضائه وتكون معاناتهم على مدار السنة.