في سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها ، قدمت إيطاليا اعتذارا رسميا لليبيا عن الاحتلال الذي استمر ثلاثة عقود، فلقد جرى احتلال ليبيا، في سياق مخطط جرى على إثره تقسيم الوطن العربي واحتلاله تحت يافطات الوصاية والانتداب والاستعمار المباشر الذي ظل تجربة '' خالصة '' اقتصرت على الجزائر، وفلسطين ... في مشهد استثنائي في الزمان والمكان، تجسدت أمامنا صورة بعثت بشعاع أمل، وأطلقت إشارة نصر في السماء العربية، في جو ما زال ملبدا بنكد وأحزان الاحتلال الصهيوني في فلسطين والأمريكي في العراق... اعتذار الطليان للشعب الليبي جاء ليشكل أهم فصول العلاقة بين الشمال والجنوب من خلال الإقرار بالخطيئة ... فرغم أن الاتفاق الايطالي الليبي، نص على دفع تعويضات بقيمة خمسة مليارات دولار، وهي قيمة مادية كبيرة ولكنها بخسة وبأقل ثمن جراء ما كابدته الشعوب المستعمرة من ظلم وجور، إلا أن النقطة المحورية في الاتفاق لا تتمثل أساسا في التزام إيطاليا بدفع التعويضات، بقدر ما تنبع من معنى الانتصار، انتصار إرادة شعوب الدول المستعمرة ( بفتح الميم ) وفرضها على إرادة الدول المستعمرة ( بكسر الميم ) وتحطيم تلك الشعوب التي توصف '' بالضعيفة''' لغرور ومكابرة الدول العظمى ، بعد أن كسرت في المرة الأولى أمام المقاومين الأحرار... الانتصار الليبي على ايطاليا هو انتصار أيضا لايطاليا ، لأنها أثبتت أنها دولة بإمكانها أن تنظر إلى ماضيها دون خجل وتقر بالذنب، حتى تطوى صفحة الماضي وتبنى علاقات الحاضر على أساس الاحترام المتبادل، وليس على طريقة الآمر والمأمور ... سبق للأوروبين أن اعتذروا لليهود عن جرائم ارتكبتها النازية التي لم تكن تمثلهم، ناهيك عن الحرب التي شنوها ضد النازية ... ومع هذا ما زالوا يدفعون التعويضات المالية لليهود دون تردد، والأكثر من هذا أن الدولة العبرية أجبرتهم على دفع فوائد ذهب اليهود المصادرة في البنوك السويسرية، ورضخ هؤلاء صاغرين ولم يترددوا لحظة في الاستجابة لهذا الطلب. الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين، وبشهادة كل العالم أكبر بكثير مما ارتكبته ايطاليا في ليبيا أو بريطانيا في مصر أو في بلاد الشام ، وأكبر مليون مرة مما يقال انه ارتكب في حق اليهود ، ..فالاستعمار الفرنسي استمر في الجزائر قرنا ونصف القرن تقريبا، جرى خلاله نهب ثروات لا تعد ولا تحصى ، وتم خلاله توطين الملايين من المستوطنين في أرضنا، عاثوا فيها فسادا وخرابا.. نيكولا ساركوزي رفض تقديم اعتذار رسمي للشعب الجزائري عن سنوات الاستعمار ، وكبدت الجزائر أكثرمن مليون ونصف مليون شهيد، واكتفى بالدعوة إلى طي صفحة الماضي والنظر إلى المستقبل.. الشعب الجزائري لم يطلب تعويضا ماديا عن سنوات الاستعمار الطويلة ، لأن الله عز وجل منح بلادنا ثروات طبيعية وبشرية وخيرات تحسد عليها، بإمكانها أن تجعلنا في الريادة، فالجزائر تملك كل مقومات القوة ومحددات الزعامة، إلا انه ينتظر اعتذارا رسميا وهو من أبسط حقوقه، حتى تفتح صفحة جديدة...