تلاحق الأمراض والاضطرابات العقلية سنويا أكثر من 45 ألف جزائري، حسب تصريحات الأخصائيين في مجال الصحة العقلية الذين يؤكدون في كل مناسبة بأن قطاع الصحة في الجزائر يبقى عاجزا عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى العقليين بسبب ضيق المستشفيات المتخصصة ونقص الأسرة وحتى الأخصائيين في المجال، ما يدفع بهؤلاء إلى الشوارع والطرقات، حيث يضايقون المارة من جهة كما يتعرضون إلى مختلف الاعتداءات لأن الشارع ليس مكانهم الطبيعي. أكد مختصون في الصحة العقلية، أمس الأول، بالجزائر العاصمة، على أهمية تنظيم العمل في شبكة متعددة الاختصاصات وقطاعية مشتركة تقوم على احترام كفاءة كل شريك في مجال الصحة العقلية. وأوضح هؤلاء المختصون، خلال لقاء وطني حول الصحة العقلية، أن العمل في شبكة يجب أن يتم بإشراك العائلات والجمعيات التي تمثل الأشخاص المعنيين من خلال تعزيز نشاط كل واحد تدريجيا وتشجيع التنمية التكاملية والدعم المتبادل للمساعدة على تحقيق الإدماج التربوي والاجتماعي والاقتصادي للمرضى عقليا. وبهذه المناسبة أكد رئيس ديوان وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، السيد عيسى حليمي، أن الصحة العقلية في مجال الصحة العمومية تعد أحد الانشغالات الكبرى التي تستدعي إيلاء أهمية خاصة لعملية تحسيس الجمهور العريض بهذه المشاكل المتعلقة بالصحة العقلية. وأضاف ذات المسؤول أنه قد تم في هذا الإطار إعداد برنامج وطني للصحة العقلية 2010-2014 يهدف إلى ترقية الصحة العقلية والوقاية والعلاج المبكر المكيف مع الاضطرابات العقلية والعصبية والنفسية الاجتماعية، وكذا إعادة التكيف والإدماج الاجتماعي للأشخاص الذين عانوا من مشاكل عقلية خطيرة. وأردف أنه يهدف أيضا إلى تدارك النقائص المسجلة في مجال التكفل بالصحة العقلية وضمان المساواة في الاستفادة من العلاج على مستوى كل الوحدات الصحية عبر التراب الوطني وتكثيف الجهود المالية من أجل تطوير الخدمات الاستشفائية والمراكز الوسيطة الجوارية وتزويدها بالموارد البشرية الكافية من جهة، وتطوير برامج خاصة لفائدة الفئات الهشة من السكان من جهة أخرى. ومن جهته أوضح رئيس اللجنة الطبية الوطنية للطب العقلي الأستاذ بكيري أن الصحة العقلية تسجل ''انطلاقة وتطورا حقيقيا للطب العقلي'' في الجزائر من خلال برنامج 2010-.2014 وأشار إلى وجود ''14 مستشفى للأمراض العقلية يضم كل واحد 120 سرير طور الإنجاز والاستكمال''، مضيفا ''نحن نتوجه نحو تعميم الخدمات الطبية في هذا المجال بانجاز مستشفيات للأمراض العقلية بكل من إليزي وبشار وباتنة وفي ولايات أخرى. ولدى تقييمه لواقع طب الأمراض العقلية بالجزائر أكد البروفيسور باكيري انه تم تسجيل العديد من النقاط الإيجابية بالرغم من وجود بعض السلبيات. وبخصوص النقاط الإيجابية أشار البروفيسور باكيري إلى عدد الأطباء المختصين في الأمراض العقلية الحائزين على شهادات، الذي يقارب حاليا 80 طبيبا مختصا كل سنة، فيما لم يكن عددهم يتجاوز 3 في السبعينيات. كما تطرق إلى طب الأمراض العقلية لدى الأطفال والمراهقين الذي بدأ يتطور في الجزائر من خلال تكوين ''جدي'' لهؤلاء الأطباء. وبالنسبة للنقاط السلبية فقد أشار إلى ''شبه غياب'' الأعوان شبه الطبيين في هذا التخصص وعدم إشراك الأطباء النفسانيين في علاج المرضى وكذا عدم توفر بعض الأدوية اللازمة لعلاج المرضى. وقد نظم هذا اللقاء حول الصحة العقلية من قبل وزارة الصحة بدعم منظمة الصحة العالمية. 5ر12 بالمائة من سكان العالم مصابون باختلال عقلي أكد ممثل المنظمة العالمية للصحة بالجزائر، أمس الأول، أن الاختلالات العقلية تصيب نحو 5ر12 بالمائة من سكان العالم أي نحو 450 مليون شخص. وأوضح المنسق المقيم للأمم المتحدة وممثل المنظمة العالمية للصحة بالجزائر السيد مامادو مباي بمناسبة اللقاء الوطني حول الصحة العقلية، أن الاختلالات العقلية تمس كافة الأعمار وكافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية عبر دول العالم. وأكد أن المجتمع الدولي بذل جهودا جبارة لصالح التحسيس بأن الصحة العقلية التي كانت بالنسبة لكثير من الناس تعني مرضا عقليا يجلب العار وهو''موقف كان يقصي المرضى من المجتمع''. وأردف يقول إن ''الأمراض العقلية جد منتشرة وتمثل عبئا ثقيلا على الأشخاص والعائلات والمجتمعات ما يتطلب موارد بشرية واجتماعية ومالية تضمن علاجا فعالا للأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض''. وأشار السيد مباي إلى أن سياسات الصحة العقلية ومخططات تطبيقها الأساسية لتنسيق الخدمات الرامية إلى تحسين الصحة العقلية والتخفيف من آثار الاختلالات العقلية، لا تطبق سوى في ثلثي دول العالم. وأوضح أن 32 بالمائة من الأشخاص المصابين باختلال عقلي يعانون من انفصام الشخصية و56 بالمائة من الاكتئاب و78 بالمائة من اختلالات جراء الإدمان على الكحول. واعتبر أن ''الصحة العقلية تعد اليوم محورا هاما في الصحة العمومية العالمية ولكن يبقى الكثير فعله''. وأحيت المنظمة العالمية للصحة اليوم العالمي للصحة العقلية سنة 2010 تحت شعار ''الصحة العقلية والأمراض الجسدية المزمنة.. ضرورة تقديم علاج مستمر ومدمج''، ودعت إلى مكافحة التهميش ووصم الأشخاص المصابين باختلال عقلي بالعار ولا سيما الاختلالات الحادة وعدم رؤية هؤلاء الأشخاص كأفراد يمثلون خطرا على عائلاتهم ومجتمعهم وغير قادرين على العمل والقيام بالتزاماتهم الاجتماعية، كما شجعت على تقديم الدعم الضروري للأشخاص الذين يعانون من اختلالات عقلية ونبذ الأحكام المسبقة بشأنهم. ح. س