كشف المختص في الأمراض العقلية، البروفيسور فريد كاشا، أن واقع الصحة العقلية في بلادنا، يميزه غياب سياسة صحية واضحة الأهداف في هذا الاختصاص، إضافة الى نقص المختصين بحيث أحصت المنظومة الصحية هجرة أكثر من 150 مختص إلى الدول الغربية وبالخصوص فرنسا، بلجيكا، سويسرا وكندا، بسبب الظروف المهنية الصعبة. كما يسجل أيضا نقصا حادا في المنشآت وهياكل الطب العقلي، إضافة إلى غياب التكوين. تعاني الجزائر نقصا حادا في الهياكل القاعدية الخاصة بالصحة العقلية، واذا تحدثنا عن الجزائر العاصمة كمثال فقط، فإنها تتوفر على مؤسستين استشفائيتين عموميتين متخصصتين في هذا المجال، هما دريد حسين والشراقة بطاقة ب300 سرير ل10.000 ساكن، "وهذا غير معقول لأن العاصمة لا بد وأن تتوفر على مستشفى كامل مخصص للمصابين بأمراض عقلية"، يقول البروفسور لدى عرضه مؤخرا واقع الصحة العقلية على هامش ملتقى حول واقع الصحة في الجزائر. ومن المشاريع المستقبلية لقطاع الصحة العقلية، ينتظر قريبا ان يتم استلام مستشفيين بسيدي بلعباس (120سرير) وباتنة (80 سريرا)، كما سيتدعم القطاع خلال الثلاث سنوات القادمة ب8 مستشفيات موزعة على الوطن بطاقة استيعاب إجمالية تصل الى 800 سرير، وكلها هياكل تحوي مصالح استعجالات ومصلحة مغلقة وأيضا مصلحة خاصة الأطفال والمراهقين المرضى. بالنسبة للموارد البشرية، فإن القطاع يحصي 600 مختص في الأمراض العقلية، إلا أن أكثر من نصف العدد ينشطون لحسابهم الخاص، ومن الأخصائيين من يهاجر سنويا من الجزائر. كما أن عددا آخر من المختصين ينتظرون قرار توظيفهم أو حتى تحويلهم، وان عدد 2128 ممرض غير كاف، خاصة إذا علمنا أن 80 ? من هؤلاء غير متكونين في اختصاص العناية بالمرضى العقليين، علما أن هناك صعوبة كبيرة في جلب الاهتمام بالعمل في مجال العناية بالصحة العقلية، لكون التكوين والتحويلات أمرين يصعب تحقيقهما في أغلب الحالات، يؤكد المختص. مشيرا الى ضرورة فتح مدارس التكوين لأعوان شبه الطبي في المستشفيات الجديدة كلما أمكن. من جهة أخرى، يشير المختص الى ان هناك 3 ميادين لا بد ان تلقى عناية، خاصة وبرامج تطويرية، أولها الصحة العقلية للأطفال والمراهقين التي تحتاج الى اهتمام عدة قطاعات وزارية، علما أن أكثر من خمسين أخصائيا في هذا المجال تلقوا تكوينا خاصا في نوفمبر 2009 ولم يلقوا لحد الساعة حسب المتحدث أي اهتمام من وجهة تحديد برامج عمل خاصة بهم. وثاني ملف هو ذلك الخاص بالمخدرات التي أصبحت في السنوات الماضية ظاهرة اجتماعية خطيرة في اتساع متزايد، والحد منها يتطلب تنسيقا كاملا لجهود قطاع العدالة المكلف بالردع والسلك الطبي المكلف بالعلاج، وكل هذا لتفعيل القوانين المدرجة ضمن الوقاية والتكفل بالإدمان والمدمنين. أما ثالث محور، فهو المتعلق بأمراض الشيخوخة ومنها الزهايمر، فالظاهر ان التمدن وارتفاع معدل الحياة (74 سنة) سيترافق مع ظهور أمراض تتعلق بالشيخوخة، ولذلك لا بد من وضع برامج على المدى المتوسط للاهتمام بهذه الشريحة ومساعدتها، خاصة من خلال تقديم النصائح لأفراد أسرها كفتح مراكز دراسة الذاكرة أو حتى "مستشفيات النهار"، وهي أقسام متخصصة داخل المستشفيات يتم فيها توفير خدمات صحية مختلفة.