ثلاثة أيام تزيح الركود عن الساحة الشعبية و فرصة للفرجة عادت قبل بضعة أيام و بعد غياب دام سنوات طويلة حفلات وعدة ''سيدي بلال''، فعادت معها الحياة إلى محبي ومريدي أهل الديوان والفن القناوي..حيث شهدت مدينة غليزان بصفتها مستضيفة مهرجان هذه السنة حجا متميزا لجموع غفيرة من أهل هذا الفن قادمين من مختلف مناطق الجهة الغربية، ليصنعوا على مدار أيام هذا المهرجان أجواء من الفرحة والفرجة في وعدة ''سيدي بلال'' عبر طقوس يصفها الملاحظ بالغريبة ------------------------------------------------------------------------ مديح وذكر قبيل رمضان ------------------------------------------------------------------------ أسدل الستار قبيل بداية شهر رمضان بزاوية ''سيد بلال'' بحي ''القرابة'' الشعبي بمدينة غليزان، على فعاليات الأيام الجهوية لوعدة ''سيدي بلال''، أيام الوعدة الثلاثة كانت عرسا ثقافيا أحيت من خلاله الفرق المشاركة جزءا من التراث الشعبي المتوارث عبر أجيال بعيدة في تاريخ المنطقة. أيام هذه السنة شاركت فيها إلى جانب الفرق المحلية المستضيفة كفرقة القناوة لمدينة غليزان وفرقة سيدي بلال الثقافية المحلية، مجموعة من فرق أهل القناوة، قدمت من ولايات ''سيد بلعباس، وهران، سعيدة، مستغانم و معسكر''. التظاهرة التي تم التحضير لها على مدار شهور سبقت، أحيت من جديد بفضل جهد مريديها التراث الفلكلوري المتميز على إيقاع نغمات القرقابو والقمبري و الطبل. و حسب ما أكده لنا السيد ''بلحاج نور الدين'' عضو جمعية أهل القناوة المحلية وأحد المنضمين لهذا المهرجان، أن الفن القناوي هو وجه من الذكر الصوفي بإيقاع موسيقي عن طريق مجموعة من الآلات التقليدية المحلية، حيث تؤدى فيه مجموعة من التسابيح والأذكار، وقصائد المدح للرسول صلى الله عليه وسلم، والصالحين، الغاية منها جمع الناس على المحبة والتآخي والوصول بذلك إلى السمو الروحي للمريد و المحب للطريقة. وحسب رئيس الجمعية السيد ''سوداني عابد'' فإن أهل القناوة انحدروا من الجنوب وراء الصحراء الكبرى انتقلوا إلى السودان في الشرق، ثم انتشروا حتى ضفاف الأطلسي بالمغرب والساقية الحمراء، ليستقر جزء منهم بالجهة الغربية للوطن حيث نجد 7 عروش، منها عرش السوداني والفولان و بني برة و توصو وهوصة وعرش أهل قناوة. ------------------------------------------------------------------------ ''الوعدة'' وسر الثور الأسود ------------------------------------------------------------------------ التحضير للوعدة حسب نفس المتحدث يتم عن طريق الدعوة لاجتماع أهل الديوان وكبار الطريقة المعروفين ''بالمقدمين''، حيث يتم التفاهم و جمع المال لشراء الثور الأسود الذي سيتم ذبحه بالوعدة، وعند تحديد موعد الوعدة أو الديوان، تكلف مجموعة من الأتباع بتبليغ نظرائهم عبر ولايات المنطقة. ومع اقتراب الموعد يقوم أهل المنطقة المضيفة بحملة دعائية عن طريق جولات داخل المدينة مصحوبين بالثور الذي تم شراءه مسبقا تحت وقع أنغام الطبل والقرقابو والدخان المنبعث من وعاء خاص يعرف ب''المجمر'' ، حيث يسير الموكب وسط انبعاث دخان البخور، كما يتم فيها جمع ''الزيارة'' وهي مبالغ مالية يقدمها السكان، خاصة النسوة منهم للوفد أثناء مروره أمام البيوت بشوارع المدينة، حيث يعلن خلال هذه الجولات للناس عن موعد الوعدة. ------------------------------------------------------------------------ الزاوية واحتضان المراسيم ------------------------------------------------------------------------ المشهد الأول من المهرجان يكون بالاجتماع الذي يقام أمام الزاوية، حيث تتوافد جموع المريدين والمحبين حاملين الرايات ذات الألوان المختلفة، مشكلين حلقات يترقبون بشغف وصول الوفود المشاركة، حيث تفرض الطقوس بأن تسلم الراية لأول وفد يصل المكان، العملية تتم تحت أهازيج الطبل و القرقابو ورقصات الحضور وزغاريد النسوة، و بعد وصول جميع الوفود يعلن رسميا عن بداية الوعدة، و تعطى للوفد المذكور زمام العرض الأول من القعدة التي يتم تنشيطها من قبل فرقتين، فيما تتقاسم بعد ذلك باقي الفرق من الوفود المشاركة أبراج القصائد الخاصة بالمديح والبالغ عددها 152 برجا نذكر من بينهم برج ''البحارة'' و''النساوين'' و''الخطاوين'' و برج ''مينغزاوه'' وغيرها من الأبراج. ------------------------------------------------------------------------ أربع دجاجات وكبش وتيس ثم الثور ------------------------------------------------------------------------ كما تقوم اكبر امرأة بالديوان وهي أقدم نساء الديوان و المعروفة ''بالعارفة'' او ''المقدمة'' بتحضير طقوس الفصل المهم في الوعدة و هو ذبح الثور الأسود، وهي عبارة عن تحضير خلطة من المواد التالية: ''حليب، أرز و الروينة - التي هي عبارة عن مسحوق القمح المحمص-، بيض، ماء الزهر وعطر''، حيث توضع هذه الخلطة بصحون يتم رميها أمام الثور عند إقتياده لساحة الذبح، العملية التي يسبقها ذبح لدجاجتين من اللون الأبيض و أخرتين من اللون الأحمر وكبش وتيس. لحوم الذبائح تترك ليتم أكلها في الوليمة خلال اليومين الأخيرين، بينما توزع البقية على الأتباع و المريدين والجمهور للتبرك. ومن بين المشاهد التي تقدم في عروض ''الوعدة'' المختلفة، هو عرض يتم فيه تداول الفرق المشاركة على ''لباس المحلة'' و هو قيام الفرق المشاركة بالتداول على ارتداء ألبسة موحدة، حسب ترتيب معين للألوان أثناء تقديمهم لأبراج المديح، البداية تكون عادة باللباس الأبيض أثناء تقديم أبراج القصائد التي يتم فيها مدح الرسول (ص) والخلفاء الراشدين والصحابة الطاهرين، يليه خلال نفس العرض اللباس الأخضر، ثم الأزرق، فالأسود، وأخيرا يختتم العرض والمنشطون من أفراد الفرق بزيهم ذي اللون الأحمر، تعبيرا حسب محدثنا عن حادثة شق الصدر المعروفة في السيرة النبوية. ------------------------------------------------------------------------ عودة بعد انقطاع ودعوة لترسيم ''الوعدة'' ------------------------------------------------------------------------ الأيام الجهوية هذه أو وعدة ''سيدي بلال '' كما يحلو لأصحابها تسميتها، جاءت بعد أن اختفت عن أنظار الغليزانيين منذ سنة 1989 و هو تاريخ أخر وعدة أقيمت بالولاية، حيث استغل المنضمون و محبو الفن القناوي وجود الجريدة ليطالبوا من السلطات خاصة منها وزارة الثقافة، بترقية ''الوعدة'' إلى ''مهرجان'' وطني من أجل المحافظة على هذا النوع من التراث الشعبي وحمايته من الاندثار.