لم يتردد الكثير من الرجال في اقتحام مهن تحولت بحكم العادة وتقاليد المجتمع، إلى مجالات محتكرة من قبل النسوة، من بينها فن حلاقة النساء الذي استقبل أنامل رجولية تتفنن في تسريحات الشعر والماكياج وغيرها. وكثيرات هن النساء اللواتي تفضلن الذهاب إلى صالونات الحلاقة التي يعمل بها رجال وتثقن فيهم أكثر من الحلاقات، في وقت ترفض الأقلية رفضا باتا دخول هذه الصالونات، إذ قليلا ما نجدها في الأحياء الشعبية. توقفت بنا الطريق هذه المرة عند الأستاذ ''جمال''، حلاق يعشق الحلاقة النسوية بمدينة تنس الساحلية بولاية الشلف، فقناعاته الأخلاقية والمهنية، لم تختلف عن باقي حلاقي الرجال بالعاصمة. الكثير يود التعرف على أستاذ فن الحلاقة ''جمال''؟ جمال ذو 41 سنة، أحد الرجال الحلاقين بمدينة تنس الساحلية، الذين فضلوا التخصص في هذه المهنة التي تستقبل النساء، أبدى في حديثه إلينا اعتزازه وافتخاره بالعمل كحلاق في صالون مختلط للنساء والرجال، وقص علينا بدايته التي كانت في سن 13 سنة في حلاقة الرجال وهو يدرس بالمتوسطة، ولدى فشله في افتكاك شهادة البكالوريا ''قررت وبالصدفة دخول عالم الحلاقة لما ورثته عن والدي الذي كان يمتهنها كعمل إضافي، وبحكم زيارتي له يوميا شاهدته وهو يحلق للرجال، ومن هنا استطعت الدخول وسبر أغوار هذا الفن، وبدايتي كانت بإجراء قصات شعر بسيطة لأصدقاء الحي بمنازلهم وأفراد عائلتي، شاركت بعدها في عدة مسابقات وطنية، ومنها مسابقتان جهويتان الأولى سنة 1989 والثانية عام ,2000نلت بذلك المراتب الأولى، وتحصلت على عدة تكوينات بمعاهد وطنية وصالونات أوروبية، وأنا حاليا ادرس كأستاذ حلاقة وتجميل رجال ونساء منذ حوالي ثلاث سنوات، بمركز التكوين المهني والتمهين ''الجيرة عبد القادر '' بمدينة تنس ولاية الشلف. هل كان اختيارك لفن الحلاقة عن حب أم هو موروث؟ وكيف كانت بدايتك؟ في الحقيقة كانت موهبة منذ صغري، كنت أحب اللعب والتحسس بلمسة الشعر، لأنه كان عندي ذوقا كبيرا لهذا الفن، إلا أن الموهبة لم تكن كافية وحدها، وإنما تعزز ذلك لكون أبي شجعني على ذلك لأنه كان يمارس هذه الهواية بعد عمله اليومي، ويمكن القول اختياري لهذا الفن كان للجانب الوراثي، وبدايتي اشتغلت كمساعد في محل صديق. وبعدها فتحت محلا ملكا لي وأنا أعمل به. من جهة تلقيت عرضا من قبل السيد ''العربي فتاح'' مدير مركز التكوين المهني ''الجيرة عبد القادر '' بمدينة تنس، كأستاذ لتدريس ساعات إضافية حلاقة نساء ورجال، وأنا أحاول أن أوازن بين عملي في المحل والتدريس، ها أنا ادخل عتبة 20 سنة منذ تولي هذا الفن. وصلتنا أخبار أنك اشتغلت بأكبر صالونات باريس، هلا وضحت لنا ذلك؟ بالفعل اشتغلت بأكبر صالونات باريس الفرنسية وبالضبط بصالون ''برباس''، واشتغلت فيه لمدة ثلاث سنوات، بعدما اكتشفوا خبرتي عرض علي العمل معهم، حيث اكتسبت خبرة كبيرة في أنواع القصات والصبغات وحتى الماكياج. ولحبي لوطني وغيرتي عليه، اردت ان امارس هذه الحرفة في بلدي، وأنا من اشرف على تعليمها لشباب وشابات وطني الذين يودون الاندماج في هذا الفن، وبالفعل تحقق حلمي، تخرج الكثير من شباب وشابات منطقتي على يدي، وفئة كثيرة منهم نجحوا في تكوين أنفسهم والخوض في هذا المجال، وأنا فخور بذلك. لماذا كان اختيارك وميلك بكثرة إلى الحلاقة النسوية؟ وهل من صعوبات تلقيتها ورغم أني لا أفضل الحلاقة النسوية عن الرجالية بل اعتبرها كباقي الأعمال، غير أني أعترف بأنه لا يمكن أن ننكر أن حلاقة النساء، فيها الكثير من الإبداع على عكس حلاقة الرجال التي تبقى عادية، فهذه المقاربة تكاد تقتصر على الجزائر، لأن البلدان الأوروبية والمتطورة تعرف تطورا وابتكارا في حلاقة الرجال، وأشير إلى أن المجتمع الجزائري لا يتقبل بعض الأمور كوني حلاقا نسويا الكل يعرفني أتعامل مع الجنس اللطيف كالجنس الآخر، وعملي في وسط نسوي لا يعني أي توجه، لأني أعمل كحلاق نسوي، ففي الوقت نفسه لم أتخل عن الحلاقة الرجالية، فلاأزال أعمل في صالون رجالي. فاختياري وميلي للجانب النسوي فيه تنوع وابتكارات أكثر، وأنا من متتبعي الموضات عبر القنوات التلفزيونية الأوروبية والعربية، كنت أرى أيضا رجالا يمتهنون فن الحلاقة على غرار العاصمة كالسيد عمار بحيدرة، حميد بديدوش مراد وزبير بالابيار، وبحكم أن هذا الفن يجذبني ملت إلى الحلاقة النساء التي أجد فيها إبداعا أكثر، فهذه الأخيرة عبارة عن فن تشكيلي، وأنا اسر كثيرا عندما أرى عملي جميلا، لم أتلق أي صعوبة في هذا المجال. كما يقول المثل ''الحرفة تسرق ولا تعطى''، وأنا كنت من الأشخاص الذين يسرقون هذه الحرفة. هل هناك إقبال من طرف النساء التنسيات؟ وهل يجدن راحتهن في صالونك؟ قناعتي الأخلاقية والمهنية لم تختلف عن باقي حلاقي الرجال بالعاصمة، وبحكم الحلاقة النسوية تتطور باستمرار، وأنا كمختص في التسريحات الخاصة والصبغة، التجميل والماكياج، فاني استقبل بكثرة سيدات وشابات بالمنطقة، فكثيرات يفضلونني عن باقي الحلاقات النساء، لأنهن يحسن بالراحة والثقة بأنامل أصابعي، ولا ننسى العروس التنسية التي تزف، فكثيرات منهن أنا من أقوم بتسريحة شعرهن وماكياجهن، لترفض الأقلية أن يمس شعرها رجل آخر غير المرأة، لان أزواجهن لا يحبون ذلك. وأنت كأستاذ بالحلاقة بالمركز، هل تتلقى صعوبات من طرف المتربصين في تدريس هذا الفن؟ لحد الآن لم أتلق أي صعوبة في تدريس من قبل المتربصين، الحمد لله فالاحترام المتبادل متواجد بيننا، وحتى أنني لا أجد أي إشكال في توصيلهم المعلومة، فشبابنا اليوم لديهم إرادة في التعليم، وما ألاحظه أن الجانب النسوي متحمس أكثر من الجانب الرجالي الذي ادرسه، يعني أن 2 بالمائة من تجده متحمس في خوض هذا الفن، خاصة أن القصات الرجالية الآن تعتمد على آلة واحدة ''تندوز''. في الحقيقة في وقت مضى كانت الحلاقة الرجالية فيها فن لأنه كان هناك شعر طويل وقصير، فتعليم هذا الجيل غير حقيقي مقارنة بسنوات الثمنانينيات، فحلاقة الرجال أصبح ضعيف جدا خاصة في هذه المنطقة مقارنة بالفن النسوي. بعد اكتسابك لخبرة تدوم 20 سنة، هل هناك جديد أضفته وتميزت به؟ وهل من أمنية تود أن تحققها؟ اكتسبي خبرة في هذا الفن منذ 20 سنة، تخرج على يدي العديد من شبان وشبات المنطقة، والحلاقة تجدد يوميا، لحد الآن لم نتلق أي تربصات أو تكوينات خارج الولاية في هذا الميدان، ولكن أضفت أشكالا جديدة تميزت بها، عن طريق الانترنت وما أشاهده بالقنوات التلفزيونية، أقوم بتطبيقه على زبوناتي خارج المركز وحتى على المتربصات لكي يتعلمن أكثر لان هذا الفن يبنى على ثلاثة شروط، الجانب التجاري، الإبداع، وبما أن فن الحلاقة يتجدد فلابد التأقلم مع كل ما هو جديد وموضة، حتى تكتمل الشروط الثلاثة. وأنا كمدرس ساعات إضافية بالمركز منذ 3 سنوات، أطالب من الوزارة الوصية بإدماجنا في القطاع العام، حتى نكون كباقي الأساتذة التابعين في القطاع، حتى أستطيع تكوين قدرات وإبداعات أكثر في هذا الميدان لتقديمها لهذا الجيل الجديد. ف ن