تفصلنا اليوم حوالي سنة عن احتضان الجزائر للحدث الثقافي العربي الكبير ''الجزائر عاصمة الثقافة العربية''، هذا الحدث الذي أعدت له السلطات المحلية بولاية الجزائر كافة عدتها تحضيرا لاستقبال الضيوف العرب في كامل حلتها، غير أن الواقع الذي نعيش يومياته الآن لم يعد ينبئنا سوى بأن ما أنفق من أجل إنجاز جملة المشاريع التزيينية تلك، صار في خبر كان، .. وأن محاولة القضاء على بؤر الفوضى بالعاصمة، باء بفشل ذريع، أما المسؤولية فتقع على عاتق الجميع من سلطات محلية، مدنية ورقابية. لقد أعلنت السلطات المحلية العام الماضي أنه بغية تجسيد جملة من المشاريع التزيينية والتجميلية وكذا أشغال التهيئة خصصت ولاية الجزائر 90 مليون دج لأشغال تهيئة المساحات العمومية والأماكن المحيطة بالهياكل التي كان ينتظر أن تحتضن فعاليات التظاهرة الثقافية، من مسارح ودور الثقافة وغيرها..، ولاقتناء العتاد اللازم لمؤسسة ''نات كوم''، رصدت ذات الجهة المسؤولة 300 مليون دج من مجموع الميزانية المخصصة لذات التظاهرة ، والمقدرة بأزيد من 500 مليار سنتيم، في حين جسدت مؤسسة ''أسروت'' 1800 عون في كل الوحدات التسع بما فيها وحدة الحظيرة والتي تغطي 28 بلدية على مستوى المقاطعات الإدارية لسيدي امحمد، باب الواد، حسين داي، الحراش، بئر مراد رايس، بوزريعة، الشراقة، الدارالبيضاءوبراقي، كما جندت ذات المؤسسة 1650عون لتطهير وصيانة وتعبيد الطرقات، في حين أوضحت دائرة المحطات الحضرية بولاية الجزائر أن مؤسسة تسيير الطرقات والنقل بالعاصمة قامت بدورها بتحضير وتهيئة ما لا يقل عن 30 محطة متواجدة عبر مختلف مناطق العاصمة، لتزويدها بالأوقية والإنارة العمومية وإنجاز محال تجارية ودورات للمياه وكذا المقاعد، مع الكشف عن مشروع تحويل محطة سيارات الأجرة لما بين الولايات من ساحة الشهداء إلى محطة الخروبة ''بروسات''. كل هذه المشاريع منها ما أنجز فعلا ومنها ما ينتظر، غير أن ما حدث فعلا هو تعرض أغلب هذه المنجزات إلى التخريب، فلا محطات الحافلات سلمت ولا الحدائق العمومية كذلك، والدليل هو ذاك الضرر الذي ألحقه بعض ''اللامتحضرين''، بدورات المياه العمومية التي جهزت خصيصا لاستقبال الحالات الطارئة من المرضى وغيرهم، حيث لم تسلم من التكسير وحتى الحرق مثلما حدث في بلدية القبة، حيث أكد بعض المواطنين أن دورة المياه العمومية التي نصبتها مؤسسة تسيير الطرقات والنقل أمام مقر البلدية، تحولت حسب من تحدثنا إليهم إلى مكان لتناول المخدرات من قبل عدد من الشباب المنحرف، الأمر الذي دفع بسكان الجوار إلى إضرام النيران بها قصد التخلص منها. النظرة الجمالية مفقودة .. ومشاهد بربرية صارت مألوفة الحديث عن الخراب يجرنا للحديث لا محالة عن محطات الحافلات، هذه الأخيرة التي تعرضت جل واقياتها للتخريب والتكسير، أما مقاعد الجلوس فقد اقتلعت وسرقت، مثلما هو الحال ببعض أحياء بلديات العاصمة كحي الجبل بباش جراح، حي الحياة بجسر قسنطينة، رويسو بالعناصر، وحتى بالمدن التي لم يتعود فيها الموطن على أن يلقى مثل هذه التصرفات البربرية كحيدرة، الأبيار، ''ميسونيي''، وغيرها.. أما سلات رمي النفايات التي جهزت بها أغلب محطات الحافلات فقد شوهدت تقتلع ليعاد بيعها في الأسواق الموازية. فالتجهيزات التي اقتنتها مؤسسة تسيير المرور والنقل بالعاصمة لتجهيز أكثر من 30 محطة للحافلات، وبأموال طائلة بغية تحسين منظر العاصمة ولفائدة رفاهية المسافرين وعامة مستخدمي هذه المحطات، تعرضت تدريجيا للتخريب وصارت في خبر كان، وصار من المؤسف أن نرى كبار السن والمعاقين يقفون بعناء بتلك المحطات والتعب قد نال منهم بسبب تعرض المقاعد المخصصة للجلوس إلى القلع والتخريب، أما عن اللوحات الزجاجية التي كان من المنتظر أن تستقبل شارات الإشهار فلقد تعرضت بدورها للتكسير، وهو ما عايشته ''الحوار'' ميدانيا عقب واحدة من مباريات المنتديات الكروية بالعاصمة، حيث قامت جحافل المناصرين بقذف أعداد هائلة من الحجارة عليها، تعبيرا منهم عن سخطهم لفشل فريقهم الكروي، وبطريقة أقل ما يقال عنها إنها بربرية، كسرت جحافل المناصرين تلك واقيات المحطات الكائنة بحي ''لابروفال'' بالقبة عقب مباراة في كرة القدم جمعت فريق القبة بالحراش. جل محاولات القضاء على الأسواق الفوضوية فشلت.. لم تتوقف محاولات السلطات المحلية لتحسين المنظر الجمالي للعاصمة عند هذا الحد، بل فكرت حتى في القضاء ولو جزئيا على الأسواق الفوضوية المتواجدة بأغلب بلديات العاصمة، غير أن جل محاولات المجالس البلدية باءت بالفشل، فرغم القرارات المتخذة للقضاء عليها إلا أن الأسواق الفوضوية لا تزال قائمة، فلا تجار سوق باش جراح الفوضوي تخلوا عن عملهم، بالرغم من إنجاز العديد من الأسواق البلدية والمراكز التجارية بذات البلدية، ولا تجار محطة بن عمر بالقبة كذلك، فبالرغم من تخصيص السلطات المحلية لبلدية القبة للسوق الجواري المغطى الكائن بذات الموقع، إلا أن تجار الطاولات ما فتئوا يعودون إلى سابق نشاطهم، ببيع سلعهم على قارعة الطريق، رغم المحاولات المتكررة لفرق الأمن الوطني محاربة الظاهرة، والأمر سيانّ بالنسبة لبلديات باب الزوار، بوزريعة، بلوزداد، القصبة، وباب الواد، التي فضل فيها التجار البقاء في الأسواق الموازية عوض الانتقال إلى الأسواق الشرعية. فسوق بلكور أو المعروف ب ''مارشي ,''12 لا زالت مظاهر الفوضى فيه قائمة، وسط الباعة غير الشرعيين، هذا في الوقت الذي رفض فيه التجار استلام طاولات سوق الحامة الذي تم تجهيزه لذات الغرض. دعوة إلى تكثيف الجهود في ظل غياب إستراتيجية واضحة وقد دعا اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين وكذا أغلب الجمعيات النشطة في مجال التجارة، السلطات المحلية في الكثير من المرات إلى ضرورة القضاء على هذا النوع من الأسواق نظرا للفوضى التي تتسبب مثل هذه الأسواق في نشرها، أهمها غلق الطرقات جراء كثرة الحركة والتنقل، سوء التنظيم، عرقلة حركة المرور، الإزعاج وانتشار النفايات، حيث تفتقد السلطات المحلية وإلى يومنا هذا لسياسة إستراتيجية واضحة تقضي على هذا النوع من التجارة، بل صار من الضروري جدا أن تتكاثف جل الهيئات المشرفة على التجارة، والتنسيق بين مختلف القطاعات للتخلص من السوق الموازي. يحدث كل هذا في الوقت الذي اعتزمت فيه مديرية التجارة لولاية الجزائر، تخصيص ميزانية معتبرة لإنجاز أسواق مغطاة جوارية بكل من بلدية أولاد شبل، بئر مراد رايس، بئر خادم، بوروبة، جسر قسنطينة، والكاليتوس.. بغية القضاء على الأسواق الفوضوية التي غزت شوارع العاصمة وظلت تشكل إحدى أهم النقاط السوداء فيها. رؤساء أغلب بلديات الجزائر العاصمة وخلال محاولاتنا المتواصلة للاتصال بهم، عبروا لنا عن صعوبة التحكم في نشاط الباعة الفوضويين، نظرا للاحتجاجات التي غالبا ما يتلقونها كسلطات محلية، عقب كل إجراء بالمتابعة القضائية تتخذه مصالح البلدية ضد الباعة المتجولين، خصوصا وأن العديد من هؤلاء الباعة هم من سكان الأحياء المجاورة للسوق، لذلك فإنه غالبا ما تقع حسب ما أكده لنا بعض رؤساء البلديات مناوشات بين سكان الحي الواحد حول قرار تفريق الباعة أو تركهم ينشطون. عامان .. ولم تجهز المحطة بعد ومن ضمن الإجراءات التي أقرتها ولاية الجزائر قبيل انطلاق فعاليات التظاهرة العربية، هو إنجاز محطة جديدة لسيارات الأجرة لما بين الولايات ب''الخروبة''، الهدف منها إجبار سائقي سيارات الأجرة بساحة الشهداء و''السكوار'' على إخلاء المنطقة، لإعادة تجهيزها، القرار الذي لقي معارضة كبيرة من قبل المعنيين بالقرار من جهة، كما أنه لا يزال مجرد حبر على ورق من جهة ثانية. فقد تداولت أخبار مؤخرا حول إمكانية تحويل موقف سيارات الأجرة لما بين الولايات من ساحة الشهداء إلى محطة جديدة ب''الخروبة''، خصص لأجلها مساحة بمنطقة ''بروسات'' بالعاصمة، تتسع لأكثر من 300 سيارة، سيتم تدشينها خلال أيام قبل نهاية الشهر الجاري، تهدف للقضاء على الفوضى التي تشهدها المحطة الحالية المتواجدة ببور سعيد. ويجري حاليا تجهيز المحطة الجديدة المحاذية لمحطة نقل المسافرين بالخروبة، بكافة المرافق الأساسية التي تفتقدها محطة بور سعيد، كدورات المياه ومركز للأمن العمومي، بهدف توفير الراحة للمسافرين من جهة، وتجميع كافة سيارات الأجرة لما بين الولايات في مكان واحد من جهة ثانية، بعدما كانت موزعة على العديد من المناطق بالعاصمة. على من تقع المسؤولية عندما تضيع القيم والأخلاق؟ لم يعد يفصلنا سوى أيام معدودات عن انطلاق موسم الشتاء، ووضعية الطرقات بولاية الجزائر عاصمة الدولة، تشكو حالة كارثية تتسبب وضعيتها في اختناق الطرقات، فلا الطرقات الرئيسية على مستوى الأحياء الكبرى سلمت، ولا الطرقات الفرعية، فقد اعترف في وقت لاحق مدير مؤسسة ''أسروت'' بأن مصالحه أحصت العديد من النقاط السوداء الموجودة على مستوى شوارع العاصمة، إما بسبب اهترائها الكامل، أو بسبب تراكم الأتربة والعتاد المستعمل في أشغال إنجاز كبرى المشاريع فيها، فالحفر في كل مكان، الأمر الذي يعرقل وبشدة حركة المرور، فهناك العديد من النقاط السوداء المتمركزة خصوصا في بلدية براقي، بئر مراد رايس، سيدي امحمد، تحتاج حاليا لجهود مكثفة من قبل أعوان ''أسروت'' والسلطات البلدية لتجهيزها. والحديث عن وضعية الطرقات، يجرنا لا محالة للحديث عن ظاهرة الأوساخ التي صارت الوجه المألوف للعاصمة، جراء الانتشار الفاضح للنفايات هنا وهناك، حتى صارت جل جهود أعوان ''ناتكوم'' لا تجدي نفعا، كما أن حملات التنظيف التي تشنها بعض جمعيات الأحياء من حين لآخر بغية إعطاء الوجه النظيف للأحياء صارت لا تجذب اهتمام أحد، وهو الأمر الذي أرجعه جل المواطنين الذين تحدثنا إليهم إلى ضياع الأخلاق والوعي المدني لدى المواطنين، والسؤال المطروح هو إذا كانت مديريات البيئة، والتجارة، والتجهيز والأشغال العمومية على مستوى ولاية الجزائر العاصمة تسعى جاهدة إلى صرف الأموال الطائلة على تحسين الوجه الجمالي للعاصمة، في ظل غياب الوعي والحس المدني، فما جدوى أن تصرف الأموال إذا كانت ''عقليات'' السكان في خبر كان، وهو الكلام الذي أكده على مسامعنا أكثر من مواطن.