بدايتها في الجهاد كانت في سنة ,1957 فقد كانت المرأة الوحيدة في مدينة القليعة من المتعلمات التي أبت إلا أن يتعلم الجزائريين اللغة العربية إلى جانب لغة المعمر فحوّلت منزل أهلها إلى مدرسة حرة سرية لتعليم العربية لتنخرط بعدها بطريقة جدية في النشاط الثوري إلى أن ألقي عليها القبض وتم زجها في السجون الفرنسية أين واصلت نضالها بتدريس السجينات اللغة العربية فكما قالت''السجن لم يوقفني عن الكفاح بل زاد من نشاطي". ''لم يعترف بنضالي إلا بعد 23 سنة من الاستقلال وتكريم المجاهدين مهزلة'' تقاسيم وجهها وبشاشتها لا تنبآن أبدا عما قاسته وعاشته خلال فترة الاستعمار وفضاعة التعذيب الذي مسها على أيدي الجنود الفرنسيين، ولا تعكس حقيقة سنّها فالمجاهدة ''زوبيدة مومن زوجة حاج أعمر'' أو كما كانت تلقب إبان الثورة ب ''نفيسة'' من مواليد 29 مارس 1939 بمدينة القليعة فكما قالت عن نفسها في لقاء خاص جمعها ب (الحوار) عائلتنا متجذرة بمدينة القليعة أبدا عن جد فنحن من السكان الأصليين للمنطقة ومن أعرق العائلات فيها، لازالت إلى يومنا كلما خرجت إلى الشارع القليعي يناديها كهول وحتى الشيوخ ب ''سيدتي زوبيدة'' بمعنى ''المعلمة'' وتحظى بحب واحترام وتقدير الجميع. من التعليم السري.. إلى خياطة الأعلام قالت أن ما أثر فيها كثيرا وهي الفتاة المتعلمة المثقفة التي كانت من بين القليلات اللواتي حظين بفرصة تعلم لغة القرآن على حد تعبيرها ولغة المعمر في آن واحد فشكلتا سلاحها الذي ضربت به بقوة ودون خوف حتى في عقر السجون الفرنسية، هو حالة أبناء المجاهدين وأبناء الشهداء الذين حوّلهم الاستعمار إلى يتامى مهمشين يكتنف الفقر حياتهم، فأصبحت بمثابة الطبيبة النفسانية لم تتوقف في عطفها عليهم عند تدريسهم وحسب وإنما تعدته إلى تقديم الدعم النفسي اللازم لهم لمساعدتهم على تجاوز المحنة. انخراطها في الكفاح رفقة المجاهدين في صفوف جبهة التحرير الوطني كان في حقيقة الأمر عبارة عن همل فدائي، فقد اقتصر على تأدية ما يطلب منها في مدينة القليعة و هو الدور الذي كان يعول عليه كثيرا إنجاح ما يقوم به المجاهدين في الجبال حسبا أوضحته محدثتنا. انخراطي في العمل الفدائي سنة 1957 كان بطلب من أحد أولياء تلاميذي بعدما ذاع صيت ما كنت أقوم به من أجل نشر اللغة العربية وبلغ مسامع قادة الثورة في منطقتنا تلقيت دعوة من أحد المجاهدين يطلب من فيها أن أساهم بصفتي متعلمة في جلب الأدوية اللازمة للجرحى وكتابة الرسائل التي يطلبها من المجاهدين سواء باللغة العربية أو الفرنسية حسب ما تقتضيه الضرورة، ولعل الطلب الذي اندفعت ورائه بحماسة وشجاعة أكثر هو خياطة العلم الوطني، ومثل هذه المهمة أشركت فيها والدتي حيث كنت أهتم بتفصيل أشكال النجمة والهلال لتقوم والدتي بخياطتها وربما كان اندفاعي هذا راجعا لشعوري بالمساندة القوية من والدتي فلم تتوان لحظة عن إنجاز طلبية من الأعلام كلما جاءنا أمر من المجاهدين وحتى في خياطة بعض الملابس لهم كلما توفرت لها الأقمشة. تعرضت للاغتصاب وعانت ويلات السجن نضالي ضد فرنسة الشعب الجزائري وغرس الثقافة الأوربية المسيحية في قلوب أبناءنا حرّكها حب كبير رافقه خوف أكبر وقضية أعظم منهما جعلني أندفع وأقع في فخ عدم التحلي بالحذر في تحركاتي وتصرفاتي، حيث كنت أحث الأطفال على الجد في دراستهم وعدم إهمالهم الدراسة في المدارس الفرنسية لأن اكتسابهم لغة المعمر ستكون سلاحهم القوي الذي يمكنهم من محاربته به، وفي نفس الوقت إتقانهم للغتهم الأم يشكل الذخيرة التي يحتاجها سلاحهم الأول ليكون أشد قوة وتأثيرا على العدو. حددت مواعيد الدراسة في الفترة المسائية أي بعد انتهائها في المدارس الفرنسية على الساعة الرابعة وحتى أوافق أيضا بين عملي السري الآخر المتمثل في خياطة الأعلام و لعب دور الرسول بين المجاهدين أنفسهم و بينهم وبين ذويهم، والتفرغ لكتابة الرسائل و الجمع الأدوية من الصيدليات و من المستشفيات من عند فدائيين آخرين، الحركة الكبيرة من ذهاب وإياب للأطفال على منزلي أثارت الشكوك لدى الجنود الفرنسيين الذين راحوا يراقبون تحركاتي باستمرار بعدما شكوا أنني قد أكون أحضر لأمر ما أو أكون على اتصال بالثوار. فشكلت محور اهتمام ومراقبة لفترة طويلة للجنود الفرنسيين على أن وقعن في قبضتهم وأنا لم أتجاوز 18 سنة وكنت لم أتزوج حينها، ذلك اليوم من سنة 1960 كان في ضن الفرنسيين تاريخ لانتصارهم علي ووضعهم حدّ لنضالي، تعرضت للتعذيب الشديد على أيديهم وحتى على الاغتصاب إلا أن ما عانيته شكل دافعا أقوى لي لمواصلة كفاحي والمثابرة من أجل الانتقام ولو بطريقة أخرى غير طريقة التعذيب التي تعرضت لها. وكانت زنزانتي في السجن مدرستي السرية الأخرى حيث وبمجرد أن علمت بقية رفيقاتي في السجن بأني أتقن اللغتين العربية والفرنسية طلبن مني أن أعلمهن فلا تمضي فترة تواجدهن فيه هباء وبدل أن تخرجن ضعيفات مستضعفات فضلن مغادرته وهن تحملن سلاحا يخشاه المستعمر الذي عمل على تكريس سياسة التجهيل، فوافقت على ذلك وشرعت في عملي إلى أن تفطن الحراس لأمري فكان مصيري التعذيب والاغتصاب فسنة و3 أشهر قضيتها في السجن في مدينة خميستي الذي تحول بعد الاستقلال إلى مركز لرعاية ذوو الاحتياجات الخاصة كانت وكأنها قرن بكامله نتيجة التعذيب. لم يعترفوا بي كمجاهدة إلا في 1985 رافقتني في السجن مجموعة كبيرة من المجاهدات من مختلف ولايات الوطن كنّ جميعهن شاهدات على نضالي وكفاحي داخل السجن وخارجه ، ومن بينهن مجاهدات من عائلات كبيرة في مدينة القليعة كعائلة بلهوان وعائلة خروبي وغيرهما من العائلات القليعية التي دفعت الغالي والنفيس في سبيل الوطن، إلا أن هذا لم يشفع لي أمام السلطات المحلية للمنطقة وحتى وزارة المجاهدين للاعتراف بي كمجاهدة بصفة رسمية وبالتالي بحقي في تقاضي منحة المجاهدين. ظلت الإدارة تقذف بي يمينا وشمالا طالبة مني مجموعة من الأوراق لها بداية وليست لها نهاية على رأسها أن أثبت بوثيقة رسمية أني كنت معلمة خلال الثورة التحريرية وهذا ما لم أتمكن أن أثبته أبدا لأني كنت ألّقن الأطفال اللغة العربية والقرآن بطريقة سرية، أما عملي في المدارس وبصفة رسمية وقانونية فلم يكن إلا غداة الاستقلال وتحديدا سنة 1963 في إحدى المدارس الابتدائية إلى أن تخرجت على التقاعد سنة 1991 بعد مضي 30 سنة في مهنة عشقتها ولازالت أحن إليها. ما آلمني بشدة ولكن لم يجعلني أندم أبدا على سنوات شبابي التي ضحيت بها من أجل وطني وأرضي هو دوامة البيروقراطية التي تهت فيها لمدة 23 سنة كاملة لأحظى باعتراف من أجل الحصول على حقي الشرعي وكأنني أطلب ما هو ليس لي.فالعذاب الذي تجرعنه على يد أبناء وطني الذين كافحت من أجل أن يعيشوا هم أحرارا كان أشد وأمّر من ذلك الذي جاءني على أيدي الفرنسيين لم أشف منه إلا بتدخل ومساعدة المجاهد ''خروبي'' من أبناء القليعة وساندني رفقة زوجي ''حاج أعمر'' إلى أن استرددت حقي، ولم أشعر بفرحة الاستقلال وطعمه الحقيقي إلا بعد مشاهدتي بأم عيني بطاقتي التي أحملها معي بفخر واعتزاز مدون عليها معلوماتي الشخصية وتحمل عنوان بطاقة المجاهد، وما أشعرني حقا أنني استرجعت عزتي وكرامتي هو استفادتي من السكن في نفس السنة. تكريم المجاهدين شكلي ... أفصحت عن عدم رضائها على الطريقة التي يعامل بها المجاهدين وخاصة المجاهدة في الجزائر واعتبرت أن التكريمات التي تقام على شرفهم في المناسبات ليست سوى مهزلة وشكلية لا غير، حيث قالت أنها كرمت مرة واحد فقط و وعلقت على ما تقوم به بعض الجهات المحلية والجمعيات من تكريمات للمجاهدين أنه لا يتجاوز التمويه وتغطية النفقات الكبيرة التي توجه لإقامة الحفلات في المناسبات الوطنية بحجة تكريم مجموعة كبيرة من المجاهدين ولكن في حقيقة الأمر قيمة الهدايا المقدمة للمجاهدين لا تمثل سوى الجزء الضئيل من قيمة النفقات المقدرة بملايين الدينارات، فنوعية الهدايا حتى وإن كانت الهدية في قيمتها لا في ثمنها تعتبر إهانة للمجاهد فهي في الغالب عبارة عن لوحات جدارية أو أوسمة شرفية.