تجمع الآراء على أهمية كتابة تاريخ الجزائر، خاصة ما تعلق بتاريخ الثورة التحريرية التي كانت نموذجا لحركات التحرر وذلك من أجل المساهمة في حفظ الذاكرة الجماعية وتعريف الأجيال الصاعدة بتاريخ بلادهم وأجدادهم في محاولة للتصدي لكل المحاولات التي لا تزال تسعى لتمجيد جرائم الاستعمار في الجزائر وتشوه الوقائع التاريخية. دعا الرائد لخضر بورقعة مجاهد بالولاية التاريخية الرابعة خلال الثورة التحريرية إلى الإسراع لاستدراك السنوات والصفحات التاريخية التي لا تعوض حسبه، وذلك باستغلال الوقت والتقرب من الشخصيات التاريخية التي لا تزال على قيد الحياة للاستفادة منها وأخذ شهادتها لاستغلالها في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية، وتاريخ الجزائر خلال فترة تواجد الاستعمار الفرنسي بالجزائر. وأضاف السيد بورقعة في حديث ل "المساء" أن كتابة التاريخ ضرورة حتمية لا مفر منها لحفظ الذاكرة الجماعية والتعريف بالثورة ووقائعها للأجيال الصاعدة والبلدان الأجنبية باعتبارها ثورة يقتدى بها في كتب التاريخ المعاصر، الأمر الذي يستدعي بذل المزيد من الجهد وفتح المجال أكثر للشخصيات التاريخية للتعبير عن ما يملكونه من رصيد تاريخي لم يتم البوح به إلى حد الساعة. وتبقى كتابة التاريخ مطلبا جماعيا وليس سياسيا أو امتيازا باعتبارها ذاكرة شعب بأكمله قدم الكثير من التضحيات مما يجعله يستحق كل التقدير والعرفان من خلال الاعتراف بتضحياته وبشجاعته عن طريق الكتابة الصريحة البعيدة عن تشويه الحقائق. وفي هذا السياق ثمن المجاهد بورقعة مبادرة الدولة التي ألح من خلالها رئيس الجمهورية في أكثر من مرة على أهمية كتابة التاريخ لحفظ الذاكرة الجماعية، وذلك من خلال دعوة كل المجاهدين والمجاهدات والمتعاطفين مع الثورة وكل من كان شاهدا على حادثة أو واقعة تاريخية أن يدلي بشهادته للمساهمة في جمع كل المعلومات عن الثورة في الوقت الذي لا يزال فيه بعض اللبس يعتري العديد من الوقائع التاريخية وهو ما نلاحظه من خلال تعدد القصص التي تتحدث عن موضوع واحد. ويعود سبب تعدد هذه القصص والروايات حسب محدثنا إلى انقسام النخبة التي روت التاريخ بعد الاستقلال على مستوى ثلاث فئات منها الفئة التي وصفها ب "الناقمة" والفئة التي أسماها ب"المنافقة" والفئة التي تتوسطهما. مشددا على ضرورة التحلي بالنزاهة والشفافية في نقل هذه الوقائع من خلال الالتزام بالقيم والمبادئ الإنسانية بعيدا عن الأهداف الشخصية أو خدمة مصالح معنية أو الانتقام من مجموعة معينة لأن القضية حساسة ولا يجوز أبدا التلاعب بدم الشهداء أو نسيان تضحيات مليون ونصف مليون شهيد ضحوا بحياتهم في سبيل تحرير الجزائر. خاصة في الوقت الذي لا تزال تحاول فيه فرنسا عدم تضييع أية فرصة لتمجيد الاستعمار ومحاولة تزييف التاريخ و"وصف الثورة التحريرية بالسلبية"، لأن بعض الجهات الفرنسية لا زالت إلى يومنا هذا متخوفة من كشف الحقائق وكشف ممارسات الجيش الفرنسي الخارقة لحقوق الإنسان وفضحها أمام الرأي العام العالمي، مما يستدعي اليوم وأكثر من أي وقت مضى بذل المزيد من الجهد للتصدي لكل هذه المحاولات التي تهدف للتقليل من قيمة وشأن الثورة. غير أن محدثنا رحب ببعض المبادرات الفرنسية التي وصفت الاستعمار الفرنسي بالجزائر بالسلبي كما جاء به الكتاب الذي أصدره مؤخرا رئيس بلدية باريس دولانوي، وكذا تصريحات السيد باجولي سفير فرنسابالجزائر اللذان دعيا إلى أهمية التعاون بين فرنساوالجزائر لكتابة التاريخ المشترك. وفي هذا الصدد أردف السيد بورقعة أن كتابة التاريخ تستدعي السماح لكل شاهد بالتعبير عن رأيه بحرية حتى تتولد له ثقة للإدلاء بما عاشه وبما يعرفه لأن التاريخ الحقيقي هو حكايات واقعية ايجابية وسلبية ولهذا لا يجب أن نرفض ذكر السلبيات أو التصريحات الناقدة إذا أردنا حقا تدوين ذاكرتنا. وبدا محدثنا متفائلا لقدوم اليوم الذي ستنكشف فيه كل هذه الحقائق، غير أن معرفة هذه الحقائق تتطلب تنسيق الجهود بين النخبة المثقفة ووسائل الإعلام باعتبار أن كتابة التاريخ حقا شرعيا لمعرفة كل ما يتعلق بالثورة وأكد بورقعة أن الجيل الصاعد له رغبة قوية في معرفة تاريخ بلاده وهو ما يشجعنا على كتابة التاريخ وتدارك ما تم تضييعه. وفي هذا النسق اعترف السيد بورقعة بوجود تقصير في حق الجيل الحالي والصاعد وهذا من خلال قلة الكتابات التي تتحدث بالتفصيل عن التاريخ الجزائري وعن كل محطاته، مشيرا إلى انه لابد من تركيز كل الجهود للحفاظ على الذاكرة الجماعية والمساهمة في تغذية الروح الوطنية عند الشباب الذي لم تكن له الفرصة الكافية لمعرفة تاريخ بلاده بتفاصيله اللازمة. وهي المناسبة التي أضاف من خلالها قائلا "للأسف أن السنوات الأولى التي أعقبت الاستقلال كانت كل الجهود منصبة على التنمية الاجتماعية والاقتصادية وكيفية تشكيل الدولة، ونسينا جزءا مهما وهو كتابة التاريخ وللأسف اليوم فقدنا العديد من المجاهدين وجيل الثورة الذين ماتوا ودفنت معهم أسرار الثورةّ، لكن لا يمكن اليوم تحميل المسؤولية للمقابر بل لا بد من العمل من اجل استدراك ما فاتنا قبل فوات الأوان وقبل رحيل المجاهدين المتبقين والذين يمكنهم الإدلاء بشهادات مفيدة لإثراء الرصيد التاريخي للجزائر". كما ان معرفة الوقائع التاريخية لا تقتصر على كتابة الكتب فقط فلوسائل الإعلام دورا مهما في ذلك خاصة الوسائل السمعية البصرية التي لها تأثير كبير، وفي هذ الصدد اقترح محدثنا أنه على التلفزيون برمجة حصص تاريخية تكون متبوعة بنقاشات بمشاركة وجوه تاريخية عاشت الثورة للإدلاء بشهادتها والسماح للجمهور بمعرفة هذه الحقائق مباشرة لحماية تاريخنا من التشويه وتعليم الأجيال الصاعدة حب الوطن وتوعيتهم للتصدي لمحاولات الإساءة للثورة أو تمجيد الاستعمار. لان معرفة التاريخ يعد سلاحا مهما لمواجهة أي خطر قد يهدد كيان الأمة في اقتصادها أو في وحدتها. وكان رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في مناسبات عدة ألح على ضرورة المشاركة في كتابة التاريخ، حفاظا على الذاكرة الجماعية واحتراما لذاكرة الشهداء الذين ضحوا بالنفس والنفيس من اجل حرية الجزائر، كما اتفقت الجزائروفرنسا على تشكيل لجنة مشتركة لكتابة التاريخ المشترك للبلدين، وهذا ما تبين من خلال خطابات مسؤولي البلدين. ولهذا الغرض فتح متحف المجاهد أبوابه لكل الشخصيات التاريخية الشاهدة على أحداث الثورة لتسجيل شهاداتهم للمساهمة في جمع كل الحقائق والمعلومات حول الثورة.