يمثل عيد الأضحى المبارك مناسبة دينية تثلج صدور العائلات الجزائرية التي تتأهب للمناسبة وتعد العدة لاستقبال العيد المبارك وسط جو تغمره الفرحة والابتهاج، يخلقه أفراد العائلة اقتداء بسنة سيدنا إبراهيم الخليل، ولأن لعيد الأضحى طقوسا وتحضيرات تختلف في مظهرها كثيرا عن تلك التي تستعد لها الأسر الجزائرية في عيد الفطر، إذ تلجأ هذه الأخيرة إلى الأسواق الشعبية لاقتناء كل ما يلزمها من مستلزمات وحاجيات ليوم الذبائح الموعود بشحذ السكاكين وشراء آلات الشواء كما يمثل العيد مناسبة أيضا لأصحاب الحرف المناسباتية لتزويد دخلهم. تعتبر الأعياد الدينية من المناسبات التي تحتل مكانة كبيرة في نفوس المواطنين الجزائريين الذين يسعون جاهدين في كل سنة لاستقبالها كل حسب مقدوره، بين من سمحت له ظروفه المادية باقتناء الأضحية ومن لم تتح له الفرصة هذه السنة نظرا لالتزاماته العائلية التي تحول دون ذلك، إلا أن أغلب الجزائريين الذين يضحون بالكبش في هذا اليوم العظيم التفكير يشتركون في كيفية استقبال ''العيد الكبير'' وفقا لطقوس وعادات تتخللها تحضيرات واسعة اقتداء بالسنة النبوية، لذلك تواظب العائلات الجزائرية في كافة المناطق والولايات، على اختلاف طقوسها، على التحضير للعيد من أجل خلق جو خاص يوحي بأن هناك مناسبة دينية تلوح في الأفق، حيث يكون الاستعداد بالغ الأهمية كون المناسبة جزء من ديننا الحنيف تعبر عن مقصد من مقاصده الشرعية يتمثل في حب المسلمين لدينهم وافتخارهم به. ولرصد بعض الأجواء التي تطبع الجزائريين قبيل حلول عيد الأضحى المبارك ارتأت ''الحوار'' القيام بجولة استطلاعية في بعض الأسواق الشعبية لتطلع عن كثب عن تلك التحضيرات التي تعتزم العديد من العائلات الجزائرية القيام بها بهذه المناسبة، حيث اقتربنا من بعض ربات البيوت اللواتي تتأهبن بدورهن للتحضير لهذه المناسبة الكريمة ومن بينهن السيدة فاطمة التي أطلعتنا عن بعض التحضيرات التي تقوم بها في كل سنة بمجرد اقتراب الموعد وبعد شراء كبش العيد الذي يعد أساس المناسبة، وقبيل أيام فقط من اقتراب موعد النحر تقوم كمثيلاتها من النساء الجزائريات على حد تعبيرها بطلاء الحنة على جبين الكبش وهي العادة التي تركها الأجداد وبالتالي لا يمكن التخلي عنها بأي حال من الأحوال، وتضيف أنها تقوم كذلك بالأشغال المنزلية التي تكثر قبيل كل مناسبة كغسل البيت والفراش وتغيير ديكوره أما عن الحلوى فتقول إن الأمر يقتصر على تحضير صنف واحد من الحلوى حتى تستقبل به الضيوف الذين يزورونها في هذه المناسبة الدينية كون هذا العيد عيد ''الكبش '' وليس الحلوى. ومقابل السيدة فاطمة نجد بعض النساء اللواتي يقمن بتحضير العديد من أصناف الحلوى كون عيد الأضحى مثل عيد الفطر يجب الاحتفال به بل هناك من يذهبن إلى أبعد من ذلك بشراء كسوة عيد لأبنائهن وهذا حسب شهادات بعض النساء اللواتي يقمن بتنظيف البيت 15 يوما قبل العيد في حين تلجأ أخريات إلى اقتناء مختلف التوابل كالحرور والقرفة والملح والفلفل الأسود وغيرهما من التوابل التي تعتمدنها في الطبخ والتي تدخل في تحضير بعض المأكولات التقليدية التي تحضرها العائلات الجزائرية، في حين يتجه آخرون إلى اقتناء بعض المستلزمات كشراء الفحم والشواية والسكاكين والسواطير. سكاكين وسواطير على الهواء الطلق بالأسواق الشعبية قبيل هذه الأيام الكريمة التي تفصلنا عن مناسبة عيد الأضحى وهي المناسبة العزيزة في نفوس الجزائريين، اكتشفنا من خلال جولتنا الاستطلاعية انتشار العديد من المظاهر التي تعلق ظهورها بمناسبة عيد الأضحى بحكم أنها تدخل ضمن التحضيرات والاستعداد لمثل هذه المناسبة الكريمة والاحتفال بها، ولعل من بين أهم هذه التحضيرات التي تعكف عليها العديد من العائلات الجزائرية، اقتناء ما يلزمها من سكاكين الذبح وسواطير وبذلك لا تجد ضالتها إلا في الأسواق الشعبية التي تفنن العديد من الشباب المختص في بيع مستلزمات العيد بتصنيفها على طاولات البيع وذلك عبر العديد من نقاط البيع في مختلف الأسواق الشعبية. ولعل أبرز هذه الأسواق الشعبية السوق المعروف ب''مارشي ''12 و''سوق باش جراح '' وهما من بين أكبر الأسواق التي تعد مقصد العديد من العائلات نظرا لأسعارها المنخفضة زيادة على توفرها على سلع متنوعة خاصة وأنها تعرف حركة كبيرة واسعة على مدار السنة، إلا أن تلك الحركة تتضاعف في مثل هذه المناسبات وهي الظاهرة التي لفتت انتباهنا وإن بدت لكثيرين من مرتادي السوق عادية، وما زاد من تخوفنا عرض مختلف أنواع السكاكين والسواطير والمناقب وغيرها من الأدوات المستعملة في الذبح بطريقة أقل ما يقال عنها تزرع الرعب في النفوس نظرا لتفنن الباعة في تصنيفها على الطاولات بطريقة ترهب ولو أنها لم تسبب المشاكل على حد تعبير الباعة الممتهنين لمثل هذه التجارة، إلا أن الاحتمال مايزال قائما لما يعرف عن النرفزة الزائدة المعروف بها الباعة في مثل هذه الأسواق، وهو الأمر الذي ضرب به هؤلاء الباعة عرض الحائط وراحوا يعرضون أحجاما وأشكالا متنوعة ومتعددة من تلك السكاكين، ناهيك عن حدتها وشكلها المخيف، معروضة على طاولات مكشوفة مما يجعل أي يد تمتد إليها بكل سهولة وأخد أي آلة حادة والتهديد بها كون الخطر لا يكمن في تلك الأدوات بحد ذاتها وإنما في إمكانية أن يلجأ إليها أي كان ويفكر في استخدامها بشكل عدواني ضد الآخرين، لهذا فإن الأسواق الشعبية ليست المكان المناسب لترويج مثل هذه التجارة كونها أقرب للعنف واحتدام الشجارات بين المواطنين، وفي بعض الأحيان تطال حمى الشجار حتى التجار ناهيك عن حوادث الاعتداءات والسرقة وغيرها من الآفات التي تكون وليدة الأسواق الشعبية، وبالتالي سيجد المنحرفون في تلك الأسلحة البيضاء الكثيرة المعروضة أمامهم وسيلة سهلة يتخذونها إما للاعتداء على الغير أو للدفاع عن النفس، وهو الأمر الذي سجل استياء العديد من المواطنين ترجم في تمكن هؤلاء الشباب من شراء تلك البضاعة وعرضها بتلك الطريقة في مكان مكشوف بعيد عن الرقابة، إذ تركزت مخاوف كل من حاولنا الاقتراب منهم عن إمكانية استخدامها من طرف بعض الشباب الطائش كسلاح للدفاع عن النفس أو استعمالها في الشجارات أو أي تصرفات عدوانية، في حين أنه من المفروض أن تباع مثل تلك الأدوات في المحلات والمتاجر وليس في الهواء الطلق بالشارع.. وإلى أن يمر العيد بسلام ينبغي للسلطات المختصة أن تقنن بيع مثل هذه الأسلحة أمام الملأ بهذه الكيفية وكذا إبعادها عن متناول المواطنين وبالأخص تفادي عرضها في الأسواق الشعبية حيث تكثر الشجارات بشكل يومي تقريبا. السكاكين والسواطير تجتاح الأسواق الشعبية يتجه العديد من المواطنين في مثل هذه الفترة الوجيزة التي تفصلنا عن عيد الأضحى إلى إعادة سن السكاكين والسواطير حتى تصير حادة وتسهل عملية النحر، وهذا ما لاحظناه من خلال انتشار هذه الآلات التي من شأنها أن تقوم بهذه العملية، حيث يجتمع عدد من المواطنين في شكل طوابير ينتظرون من خلالها دورهم لسن مستلزمات النحر حتى تسترجع حدتها وبالتالي يكون ذبح الماشية ذبحا شرعيا يتفادى فيه تعذيب الأضحية، حيث يشار في هذا الصدد إلى أن تكون السكاكين المستعملة في الذبح والسلخ جيدة وحادة تسهل عملية النحر. ولرصد الأجواء التي تعيشها العائلات الجزائرية التي تستعد لاستقبال عيد الأضحى بتحضير المستلزمات من فحم وسكاكين ومستلزمات من توابل وغيرها من الأمور، استطعنا جمع بعض الآراء لمن كان ينتظر دوره في تلك السلسلة الكبيرة، ومن بين من تحدثنا إليهم السيدة ''زهرة'' التي أجابتنا أن هذه المستلزمات لا يتجدد شراؤها سنويا لذلك فهي تعكف على استعمالها في عيد الأضحى وبعض المناسبات التي تستدعي نحر الأضحية كالأعراس وبعض الولائم، لتعود وتخبئها على أن يعاد استعمالها في عيد الأضحى من السنة المقبلة إن شاء الله لتخرجها قبيل العيد لإعادة شحذها ثانية، حتى تتفادى الاكتظاظ والطوابير وكذا ارتفاع ثمن شحذ السكاكين وكل مستلزمات الذبح وهذا حسب ارتفاع أسعار الماشية، حيث يقدر ثمن سعر شحذ السكاكين ب 80 دينارا والسواطير ب 130 دج، وهذه التحضيرات لا تقتصر على مستلزمات النحر فقط بل حتى على قارورات غاز البوتان التي تحرص العائلات على اقتنائها خاصة في الأيام القليلة قبل العيد بالنسبة للعائلات التي لا يتوفر لديها الغاز الطبيعي، ولأن مع اقتراب كل مناسبة تعرف الأسواق تحولا كبيرا في الأسعار التي ترهق كاهل المواطن البسيط ليغتنم الفرصة كل صاحب حرفة للربح السريع على حساب هذا المسكين الذي لا حول ولا قوة له إلا الانصياع لطلبات الكل. وبذلك مهما اختلفت التحضيرات فإن أجواء العيد واحدة في الجزائر شمالا وجنوبا شرقا وغربا، يجمعها قاسم مشترك واحد تترجمه الفرحة والابتهاج بين كل أفراد المجتمع حتى وإن اختلفت تلك الأخيرة في الطقوس وبعض العادات.