تجوب شوارع العاصمة منذ 4 أشهر تقريبا فرق ''القارقابو'' أو ما يطق عليه ''بابا سالم'' قارعة الطبول، صانعة جوا بهيجا بتجمع الأطفال حولهم والشيوخ ممن مازالوا متمسكين بالعادات والتقاليد للتبرك ببركة هؤلاء الشباب الذين يقنعونهم أنهم من سلالة الولي الصالح''سيدي سالم'' وأن لعنته تحل على كل من يؤذيهم أو يرفض التبرع لهم، مستعملين في ذلك أسلوب الدعوات سواء بالخير أو الشر. وعدة ''بابا سالم'' التي تقام يوم عاشوراء تعد من أهم المناسبات الاجتماعية أو الدينية إن صح إطلاق ذلك عليها، ويحرص أحفاد هذا الولي الصالح على إحيائها كل سنة، فيجري الاستعداد لها في فترة جد مبكرة تكون كافية لجمع التبرعات والهبات والصدقات من المواطنين. لعنة بابا سالم تطال المسيء لأحفاده اقتربنا من إحدى الفرق التي تجوب يوميا شوارع ساحة الشهداء للاطلاع أكثر على خلفيات هذه العادة وأهدافها، فلم يتردد أحميدة في الرد على استفساراتنا وهو منشغل في نفس الوقت بجمع التبرعات وصديقه رابح منهمك في قرع الطبل لاجتذاب الناس. قال أحميدة إن هذه العادة هي عادة الآباء والأجداد من قبل دأبوا عليها متمسكين بوصية جدهم الولي الصالح ''سيدي سالم'' من الجنوب الجزائري والذي يطلق عليه أحفاده وذريته تسمية ''بابا سالم''، حيث قطعوا له عهدا بالاستمرار على عاداته في مساعدة الفقراء والمساكين في الأعياد والمناسبات الدينية. وعن لجوئهم إلى هذه الطريقة الغريبة في الحصول على الأموال والتي تشبه إلى حد ما التسول، أكد أحميدة أنها ربما أحسن وأفضل في كسب تعاطف الناس معنا فلو لجأنا إلى طلب تبرعاتهم وصدقاتهم بطريقة مباشرة، موضحين لهم هدفنا من وراء ذلك لرفضوا حتما وللقينا تجاوب القلة القليلة فقط، لكن وبقرعنا الطبول واستخدامنا القارقابو فإننا بذلك نكسب تعاطفهم معنا سيما وأن هذه العادة صار يعرف العام والخاص الهدف منها، وبما أننا مجتمع يعطي أهمية كبيرة للعادات والتقاليد انطلاقا من خصوصيات كل منطقة، فيكفي أن يسمع الناس قرع الطبول والقارقابو ليقولوا '' لقد جاء بابا سالم'' كبارا وصغارا يتسابقون لمشاهدتنا ونحن نعزف أنغام ''العيساوة'' ونقدم بعض الحركات من رقصات الجنوب، ويتسارعون برشقنا بالقطع النقدية من جميع الفئات انطلاقا من واحد دينار إلى 100 دج كل حسب مستطاعه ونيته، فالمهم هو كسب بركتنا لأننا -كما يقال- في العامية '' مرابطون'' ومن يحسن إلينا تحل عليه البركة وتتحقق أمنياته. فيما تحل اللعنة ودعوة جدنا على من يتسبب لنا في الأذية قال أحميدة، فنحن ننطلق في جمع الأموال للوعدة 4 أشهر تقريبا قبل عاشوراء، فنشكل عدة فرق تقوم كل فرقة بالتجول يوميا في مناطق محددة طيلة هذه المدة لجمع التبرعات ولا نفرق بين الأحياء الغنية والفقيرة فحملة تجمع التبرعات تشمل كل أحياء العاصمة، وهذا ما يتسبب لنا في بعض المشاكل أحيانا، فهناك من الناس من ينزعج من مرورنا من مقر سكناه، معتبرا أننا نحدث الفوضى فيقومون بطردنا وأحيانا بشتمنا وسبنا وتصل الأمور إلى حد محاولة ضربنا فتحل اللعنة على هؤلاء الأشخاص والتي تطال صحتهم وأموالهم وأولادهم ، ليس لأننا ندعو عليهم بل لأن دعوة جدنا ''بابا سالم'' قد أطلقها مسبقا على جميع من يسيء لذريته. ثور أو جمل ليوم عاشوراء يذبح سألنا أحميدة عن مصير الأموال التي تجمع فرد أنها تذهب في أوجه الخير، حيث يتم شراء ثور أو جمل وبعض الرؤوس من الأغنام تذبح يوم عاشوراء ليصدق بها على الفقراء والمساكين بتوزيعها على كل من دون اسمه على القائمة التي تبقى لدى كبيرنا، كما تعد وعدة كبيرة يدعى لها كل ذرية ''بابا سالم'' أينما وجدوا، والوعدة عبارة عن إعداد طبق الكسكسي أو الشخشوخة حسب ما يتفق عليه مسبقا يتناولها الحضور على أنغام ''الحضرة''. وأوضح أحميدة أن الحضرة هي أن تقوم مجموعة من الرجال بالعزف على الطبول و القارقابو وترديد أغاني من الجنوب الجزائري هي عبارة عن مدائح دينية وأنها بعيدة كل البعد عن ما يقوم به الطرقيين لخلوها من '' الجذب'' وممارسة الطقوس الغريبة الأخرى.