'' لا تهاجم دون مبرر لفق تهمة على الأقل حتى تصدق نفسك إن كنت ظالما كما يصدقك الأغبياء أيضا'' هذه هي قاعدة الظلم والعدوان في كل زمان ومكان، وأول اعتداء وقع من الإنسان على أخيه كان محكوما بهذه القاعدة، فحينما أراد قابيل أن يقتل أخاه هابيل لفق له تهمة وادعى عليه أنه يريد سلب أخته منه .. ثم قتله وبعد ذلك ندم ... ولكن بعد فوات الأوان. وبعد ذلك تكاثر البشر وانقسموا إلى شعوب وقبائل ودول، وإلى أحزاب وفرق، واختلفت أهواؤهم وتضاربت مصالحهم وتناقضت أهدافهم، وأثناء مسيرتهم إلى تحقيقها حدث الصدام بينهم، قال الله عز وجل: ''ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم'' ومن أوجه تفسير هذه الآية أنه للإختلاف خلقهم ويشهد له قوله عز وجل: ''ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين''. فالتدافع والإختلاف سنة كونية أرادها الله عز وجل ليتحقق التوازن في هذا الكون، وتتحقق الغاية التي من أجلها خلق الله الإنسان واستخلفه في الأرض، ولتظهر إحدى دلائل القدرة والحكمة الإلهية المتمثلة في خلق المتضادات وعلى رأسها الخير والشر أو الحسن والقبح ''ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون''. وبسبب هذه الزوجية وقع الصراع ولا زال وسيبقى إلى يوم الفصل, حين يفصل بين الخير والشر ويأخذ أصحاب كل طريق جزاءهم. وفي مسيرة الإنسان عبر الزمن الطويل استطاع أن يطور وسائل الإعتداء والقتل والتدمير وانتقلت من الصخرة ''الروشية'' التي شجت رأس هابيل وأردته قتيلا، إلى الأباتشي و 16f التي تستعملها إسرائيل في عدوانها على غزة ولبنان، وإلى القنابل الذكية والعنقودية التي تستعملها أمريكا في عدوانها على العراق وأفغانستان. إذن تطورت الوسائل التي اخترعها الإنسان للإعتداء على أخيه ولا زالت تتطور، وبقيت فلسفة الإعتداء واحدة لم تتغير منذ مؤسسها الأول قابيل: ''لا تعتدي دون مبرر لفق تهمة على الأقل...'' ولبيان حمق هذه الفلسفة وغبائها ألف الإنسان قصة الذئب مع الخروف، ومفادها أن الذئب كان يشرب يوما من أعلى الجدول الذي كان يجري فيه الماء رقراقا صافيا، ثم جاء الخروف ليشرب واتخذ له مكانا في أسفل الجدول، فرآه الذئب وأراد أن يفترسه وقبل الهجوم لفق له تهمة وادعى عليه بأنه عكر عليه صفو الماء، فرد الخروف بسذاجة: وكيف لي أن أعكر عليك صفوه وأنت في الأعلى يمر عليك الماء ثم يأتيني؟ فقال الذئب: إذن أبوك عكر علي صفو الماء ولما هم الخروف بالرد على هذا الهذيان لم يترك له الذئب فرصة الكلام فانقض عليه وأكله على مرأى من إخوانه وأشكاله ثم انتشر الخبر بين الحيوانات في الغابة. فقالت الضعيفة منها -والضعف يولد الحمق والغباء أحيانا- : ''لو لم يعكر عليه صفو الماء لما اعتدى عليه'' وقالت الأكثر ضعفا وحمقا: ''لو لم يعكر أبوه صفو الماء على الذئب لما افترسه'' وقالت التي لا حدود لحمقها وضعفها: ''لماذا يشرب الماء أصلا هلا بقي عطشانا ونجا من القتل''! أما الحيوانات القوية فإنها بقيت ساكتة، لأنها تعتقد أن الذئب يقوم بحقه المشروع ومن تكلم منها قال للذئب: ''لفق تهمة أحسن من هذه ولا تكرر الإعتداء...'' وأضمروا عبارة: ''بهذه الطريقة'' التي فهمها الذئب جيدا، وغفلت عنها ضعاف الحيوانات المتزلفة للذئاب والوحوش والتي ما درت أن دورها آت لا محالة، وأنها ستصبح معتدى عليها بتهم أكثر فضاحة وبعدا عن الموضوعية. والحقيقة أن الذئب -كغيره من الوحوش- مكيافلي جدا ولا حدود لمصالحه ورغباته في الإعتداء، فهو قاتل بالغريزة حتى لو لم تكن له رغبة في الأكل قتل الفريسة وتركها. ويوم السبت 27 ديسمبر 2008 قامت وسائل الإعلام المرئي بعرض قصة الذئب مع الخروف على شاشاتها مباشرة أثناء وقوعها، حيث قام الذئب الصهيوني بالإعتداء على الخروف الفلسطيني في غياب راعيه وحاميه على مرأى ومسمع العالم أجمع، وحجته في ذلك أن الخروف الفلسطيني قد هدد أمنه وروع أولاده ببعبعته المبحوحة المتمثلة في ''محيرقات'' القسام، فقام الذئب دفاعا عن نفسه وانتقاما لأولاده الذين أخافتهم وأرعبتهم المحيرقات القسامية قام بإرسال حاملة القنابل 16 لتأديب هذا الخروف المرعب! فكانت النتيجة أشلاء ودماء وتخريبا ودمارا رآه كل العالم، ثم يقول الذئب بعدها:هذه ليست سوى مجرد بداية وقد صدق، لأنه ذئب والذئب قاتل بالغريزة فهو يقتل حتى لو لم تكن له رغبة في أكل الفريسة، ولا عجب في أن تقتل إسرائيل وتصر على مواصلة القتل إلى درجة الإبادة الجماعية، ولكن العجب كل العجب في إخوة الخروف الفلسطيني من الكباش الثنية والربعية والسداسية أصحاب القرون القوية والطويلة والكثيرين جدا جدا الذين لاموا أخاهم على تعكير صفو الماء للذئب، أو الذين خافوا على أنفسهم من استعمال تلك القرون القوية والطويلة التي حباهم الله بها لنطح وبعج ومرمدة ذلك الذئب حتى لا يجرؤ على الإعتداء مرة أخرى على أخيهم الضعيف، وليكون أسوة لغيره من الذئاب والوحوش المتربصة بهؤلاء الكباش وعوائلهم! الواقع أن الكبش قد أخطأ ونال جزاءه لأنه هدد أمن الذئب وروع أولاده، ولأنه رفض أن يكون لقمة سائغة للذئب وأصر على إتعابه، ولأنه أراد أن يثبت وجوده المستقل عن وصاية الذئب وغيره من الوحوش. والواقع أن إخوة الكبش قد أصابوا في موقفهم، لأنهم لا يتحملون مسؤولية خطإ غيرهم، ولأن القرون القوية التي يملكونها يحتاجونها للتناطح فيما بينهم، ولنطح صغارهم الذين تسول لهم أنفسهم تقاسم الزعامة معهم. والواقع أيضا أن الوحوش مصيبة في موقفها، لأن طبيعتها تحتم عليها ذلك ولا أحد يستطيع أن يقف ضد طبيعته ومصالحه. ...ولكن الحق أن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، وسوف تظهر، وستقلب موازين الواقع رأسا على عقب، وإن غدا لناظره لقريب ''وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون'' ولن أضع نقطة النهاية لأضعها أنا أو غيري حين تتم بقية القصة التي بدأها قابيل.