أصيبت الإنسانية بالغثيان وهي تتفرج على المسلبسل المكسيكي بأبطال عرب، تركوا العدوان الصهيوني على غزة يسير سيرا طبيعيا (بالمفهوم العولمي)، ليعلنوا حربا عربية عالمية للتنابز بالألقاب، فهذا يجرم ويؤرهب المقاومة، ويشرعن للاحتلال، ويحمّل المقاومة وزر العدوان على أهالي غزة، ناسيا أو متناسيا أن الأولى بالنظر هو إعادة صياغة مفاهيم النظر إلى الصراع، من باب أن الاحتلال هو سبب المقاومة لا العكس، هذا من جهة. ومن جهة أخرى اصطف فريق آخر على الجانب الآخر، مساندا المقاومة وحق الشعوب في استرجاع حقوقها المسلوبة بكل الوسائل المتاحة، والخيارات الممكنة، إلا أن مفعول أدائهم في نفس المسلسل تعوزه العصبة والقوة، وليبقى في الآخير الشعب الفلسطيني ضحية للمصطلحات غير المتفق عليها، والتي يبدو أن باب الاتفاق حولها مغلق كما أغلق باب الجهاد والاجتهاد، حتى أن بعضهم اتهم الجزائر برمي مفتاح باب الجهاد في مكان لا يعلمه إلا الله وقليل من الناس، كونها آخر من ولج هذا الباب وحرر الأرض والإنسان في الجزائر من نير أبشع استعمار آنذاك، الاستعمار الفرنسي، بمقاومة شريفة أبهرت العالم، قدمت زهاء 10 ملايين شهيد طيلة 132 سنة من الكفاح والجهاد المستمر. وعجبت كما عجب الملايين من البشر كيف طغت حرب المصطلحات بين الفرقاء العرب، على العدوان الصهيوني على غزة، إرهاب ومقاومة؟، مفاوضات وسلام؟، سلام واستسلام؟، مبادرات ومباشرات؟ عدوان ودفاع عن النفس؟ وغيرها من الكلام الذي يصيب بالقرف، ويغطي حتى على آثار الأسلحة المدمرة والفتاكة التي نالت بحقدها وبغضها كل جوانب الحياة في قطاع غزة. هذه الحرب الاصطلاحية على وزن الاستبقاية، تشترك مع هذه الأخيرة في جملة وأوصاف، مهمها وأهمها ما يراد لأمة القضية الفلسطينية في المخططين الخماسي والعشاري القادمين، فضحت مقدار الهوان والذلة والاستكانة التي أصابت ما تبقى من أشباه العرب، في الوقت الذي تطفو فيه إلى السطح أسئلة مطالب أهلها بالجواب عنها. هذا التجادل والتنابز العربي البيني بالألقاب، والتلاعب بالمصطلحات، ذكّرني بقدرة العرب الفائقة على توليد المصطلحات، ولو أنه ربما يشفع لها انها وليدة تخمة فكرية حضارية، إلا أن تكرار الفعل الحضاري في زمن غير حضاري، ضرب من الجنون. ومقارنة بين عرب الماضي في توليد المصطلحات والتلاعب بها زمن التخمة، واللعب بالطريقة المكسيكية على نفس الوتر زمن الأزمة، جدير بنا التلميح إلى العامل المشترك المتمثل في قدرة العرب العجيبة على صناعة المصطلحات والتفنن بمداعبتها، كما يداعب نجوم كرة القدم الجلد المنفوخ، واسترسالا في الشرح يمكن التمثيل بالحيز الكبير الذي خصصه العرب لمصطلح ''الغائط''، وكيف أنهم اشتقوا له أكثر من 15 اسما ومصطلحا، حتى أنهم فصلوا في اسم (...) كما يقال له بالدارج الجزائري حسب صاحبها، فهو (...) وغائط للإنسان، وهناك الروث للدابة الذي ينقسم بدوره إلى بعر البعير، وثلط الفيل، وخثي البقرة، وجعفر السبع، وذرق الطائر، وسلح الحبارى، وصموم النعام، ونيم الذباب، وقزح الحية، وجيهبوق الفأر، وعقي الصبي، وردج المهر أو الجحش، وسخت الحوار وغيرها... ولمن أراد المزيد فعليه بقواميس فقهاء اللغة. وحري بنا في هذا الوضع أن نتفق كعرب على النظرة إلى ما يقع في غزة والسعي الحثيث لأجل تمكين أصحاب الحقوق منها، بعيدا عن التلاعب بالألفاظ والتراشق بالمصطلحات، وليكن قدوتنا العرب القدماء الذي فصلوا في الغائط، ونسبوا كل (خ...) لصاحبها تحت مصطلح خاص به وحده، في حين بقي التراشق المصطلحي بين عرب اليوم حدث الساعة الذي عجزوا به عن لملمة صفوفهم في قمة طارئة، وقديما قالت العرب ''من كان همه في بطنه فقيمته ما يخرج منه'' (أي من بطنه).