إستعرت الشطر الثاني من هذا العنوان عن الشاعر اللبناني عمر الفرا الذي أجاد بحق في وصفه لواقع حال الأمة العربية، التي استرخص دمها حتى أضحى شبيها حاله بحال مياه حنفياتها التي تترك سائلة لأن عداد الماء غير مثبت فلا تكلفة من وراء هدر المياه. بعدما توارى دخان الحرب الإسرائيلية على غزة كشف الصفاء عن انتهاكات أخلاقية ووحشية وإهانة للمعتقدات لم تدفن تحت أنقاض المنازل المهدمة والمساجد المدمرة في القطاع الذي فقد 1315 شهيدا، نصفهم من الأطفال والنساء، وهو ما اعتبرته صحفية إسرائيلية ''هزيمة أخلاقية'' لإسرائيل. يحدث هذا كله في عدوان يبدو لمن لم يدرس تاريخ اليهود والعرب أن مرده صراع على الأرض، أو أن الهدف الحقيقي له هو القضاء على المقاومة الفلسطينية والإنسان الفلسطيني، ويعلم الظليع في تاريخ القوم الدارس لنفسياتهم أن السبب الحقيقي من وراء ذلك هو القضاء على أمة ودين، وحقد من أبناء صهيون دفين، لأبناء العم الذين شرفتهم العناية الإلهية بأن حملوا رسالة الملك الجليل كما حملوا هم التوراة والإنجيل. ففي عددها الصادر يوم الثلاثاء الفارط، كشفت الصحفية ''دوريا لمبل'' أن جنود الاحتلال مزقوا نسخا من القرآن الكريم في البيوت والمساجد بالمناطق الفلسطينية التي اقتحمتها القوات البرية الإسرائيلية. ونقلت عن ناشط حقوقي إسرائيلي القول: ''بعودة الفلسطينيين إلى منازلهم وجدوا على جدرانها عبارات تهديد ووعيد مثل (الموت) و(سنقتلكم جميعا)، إضافة إلى تقطيع صفحات من نسخ المصحف ورسم صور لنجمة داود''. وتؤكد الصحفية الإسرائيلية أن جنودا إسرائيليين تعاملوا مع الفلسطينيين ''كما لو كانوا حشرات زاحفة، أو حيوانات برية وحشية يجب القضاء عليها وإبادتها تماما بدون هوادة أو رحمة''. وتعلق ''لمبل'' على ذلك بالقول إن ما حدث في غزة يعد ''هزيمة أخلاقية'' لإسرائيل، ''فلا يوجد في التاريخ الإنساني جيش حقق نصرا حقيقيا على عدو، ثم قام بازدراء عقائده، وقام بتشويه رموزه الدينية'' هل في التاريخ وكتبهم الدينية مايثبت أن الذي يقدمون عليه مبرر أخلاقيا، وهل مايلتزمونه ويعتقدونه هو ماأمرت به التوراة التي أنزلت على موسى، الذي قتل نفسا خطئا فكان يدعو ''رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم'' . أو هي أخلاق عيسى عليه السلام الذي يتمسح به أبناء العم سام الذين فوضوا إسرائيل بأن تضرب بيد من حديد ، ولا تفرق أثناء هذا الضرب بين مدني ومقاوم، ولا بين صغار رضع أو شيوخ ركع. هذا النبي الذي كان يذكر عنه قوله: '' من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر''. والحقيقة أنهم روجوا أثناء نشر تعاليمهم في السياسة حرية وديمقراطية، وأشاعوا بين من قصدوهم بالتمسيح قولة ''الله محبة''، وعندما قدروا على العزل إلا من سلاح الإيمان واليقين ضربوا بالنابالم والفسفور الأبيض وشتى الممنوعات، التي قاموا بتجريبها على الفئران ، وحين أثبتت جدارتها وفعاليتها ضربوا بها أبناء غزة في مشهد يوحي بأن البشر من العربان والحشرات عندهم سواء. لقد نسب بنوإسرائيل كذبا وافتراء لأنبيائهم أنهم شعب الله المختار وأنهم الأولى بملك الأرض، وفيما قرأته من تعاليمهم هذا القول المرعب الذي يوحي بأنهم وحدهم الذين يجب أن يستأثروا بملك الأرض وأن غيرهم كلٌّ عليها أينما توجههم لا يأتون بخير فإفناؤهم أولى من بقائهم عالة على وجه البسيطة : انظر إلى هذا النص في العهد الجديد: ''في ذلك اليوم أقيم مظلّة داود الساقطة وأحصن شقوقها وأقيم ردمها وأبنيها كأيام الدهر. لكي يرثوا بقية أدوم وجميع الأمم الذين دعي اسمي عليهم يقول الرب الصانع هذا. وتقطر الجبال عصيرا وتسيل جميع التلال. وأرد سبي شعبي إسرائيل فيبنون مدنا خربة ويسكنون ويغرسون كروما ويشربون خمرها ويصنعون جنّات ويأكلون أثمارها. واغرسهم في أرضهم ولن يقلعوا بعد من أرضهم التي أعطيتهم قال الرب إلهك.'' قال ابن جريرهم الطبري في تفسير هذا النص: ''آيات نهائية تفتح باب الرجاء خلال المسيح ابن داود ليقيم مملكته الروحية التي تضم العالم كله. وهذا السفر أتسم بهدم قصور يهوذا وإسرائيل وكل الأمم المحيطة بإشعال النار فيها. وعوض هذه يقيم الله مظلة داود الساقطة بقيامته وقيامتنا معهُ. فبيت أو قصر داود انتهى بسبي وهلاك وخراب صدقيا أخر ملوك يهوذا. فالله خلقنا وسكن فينا كقصور، وكذا على صورته، والسفر يتحدث عن الخراب والموت ثم أخيراً في صورة مبهجة عن القيامة، من خلال جسد المسيح (وبالمعمودية نموت ونقوم معهُ) فالمسيح أقام جسده أي بيته الجديد فينا بروحه القدوس من خلال الأسرار المقدسة. إذاً الخراب كان مقدمة لإقامة الجسد الجديد فهو يقلع ليغرس ويهدم ليبني ، وهو يحصن شقوقها ويقيم ردمها فبعد أن فقدنا مجدنا الملوكي بالخطية وفقدنا جمال قصورنا وصرنا كمظلة منهدمة خربة مثل بيت داود. أعاد المسيح بناءنا. وجاءت الآية (11) بمعنى أرمم ثغراتها وأقيم خربها. لقد أعاد المسيح للكنيسة المجد الروحي وحصلت على عهد جديد. ومهما كان بيت داود فهو بالمقارنة مع كنيسة المسيح كالخيمة''. وهناك نصوص كثيرة تخدم هذه المعاني وتعززها وتقويها ضربت الذكر عنها صفحا لأنها مرت في مقال في جريدة ''الحوار'' يفصل فيه صاحبه مجموع الآيات في العهدين التي تدعو إلى إبادة الشعوب وإفنائها من أبناء صهيون ولا أقول ''بنو إسرائيل''. بعد قراءة المرء لهذه النصوص سيستطيع فهم المشهد الثاني من الانتهاكات الذي رسمته دماء الفلسطينيين العزل، لما ذكرت صحيفة هاآرتس أثناد حرب غزة أن مصادر عسكرية إسرائيلية أكدت إجراء تحقيقات أولية داخل الجيش حول إطلاق جنود النار على مواطنين كانوا يرفعون الرايات البيضاء، وذلك عقب شكاوى تقدمت بها كل من منظمتي ''بيتسيلم'' و''حقوق الإنسان في إسرائيل'' ضد الجنود الذين ارتكبوا هذه الحوادث في مناطق كفر خزاعة شرقي خان يونس جنوبي غزة. وزعمت تلك المصادر أن عمليات إطلاق النار العشوائية على مدنيين يرفعون رايات بيضاء ''حدثت نتيجة معلومات خاطئة عن استخدام حماس المدنيين لتنفيذ عمليات هجومية، وأن مقاتلين من الحركة استخدموا الرايات البيضاء للتنقل من بيت إلى آخر، ليتخذوا مواقع حصينة من أجل إطلاق النار على الجنود الإسرائيليين''. غير أن ''هاآرتس'' قالت إنها حصلت على إفادات وشهادات من العديد من المواطنين الفلسطينيين تؤكد أن ''الجنود الإسرائيليين عمدوا إلى قتل المواطنين الذين كانوا يرفعون قطعا من القماش الأبيض''. متى سيعلم العرب أن الشر قد اقترب لا بل هو في عقر الدار، وأن اليهود يبيتون أسوء ماتستطيع مخيلة البشر أن تتصوره، أم أنهم ينتظرون أن نباد ونذبح كما تذبح النعاج لا بل كما ذبح ذلك التتري العشرات من المسلمين يوم احتل المغول بغداد، وهذا بعد أن ذهب ورجع بسكينه الذي لم يحمله معه، طالبا منهم الانتظار ليذبحهم وانتظروه فعلا، كما يروي ذلك ابن الأثير في كتابه ''الكامل في التاريخ'' . ياقومنا لقد أعلنها أبناء العمومة فصيحة صريحة أننا أبناء إسرائيل فبنو من أنتم.؟!.