أمام حضور كبير بقاعة ابن زيدون بالعاصمة الجزائرية، قدم المخرج سالم إبراهيمي العرض الأول لفيلمه الوثائقي "عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية"، وعلى مدى 96 دقيقة حكى الفيلم حياة الأمير عبد القادر منذ نشأته في بيئة دينية، وتجربته المريرة في السجون الفرنسية والمنافي، وصولا إلى دمشق حيث توفي وأعيد رفاته للجزائر عام1966 يركز الفيلم على تفرد الأمير عبد القادر -ابن أحد شيوخ الطريقة الصوفية القادرية- بالذكاء الحاد والفروسية والعلم، ليبايعه الجزائريون عام 1832 أميرا لمقاومة الغزاة الفرنسيين الذين دخلوا العاصمة عام 1830 بحجة الثأر لما زعموا أنه "حادثة المروحة"، حين لوّح الداي حسين -آخر دايات الجزائر- بمروحته أمام القنصل الفرنسي، في البداية تجوب كاميرا المخرج إبراهيمي شوارع العاصمة الجزائرية المزدانة بالعلم الجزائري، ليسأل الناس هل تعرف الأمير عبد القادر؟ فتأتي الإجابات غالبا بالنفي، من هذه الإفادات التي تبرز وكأن الأمير عبد القادر بدا مجهولا بدأ السارد يحكي حياة الأمير النضالية، ينقلها المخرج عبر محطات بارزة في المقاومة إلى أن سقطت قلاع الأمير تباعا، فلجأ لسلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام، الذي هاجمته فرنسا بعنف شديد مما أجبره على إرغام الأمير على مغادرة البلاد، ليعود إلى الغزوات بالجزائر عام 1849، حتى بدأ المفاوضات مع فرنسا بعد استشارة رفاقه. حدد الأمير مطالبه، وبينها أن يهاجر وصحبه إلى عكا أو الإسكندرية. كان هدفه أن يلتقي بالجزائريين في موسم الحج لأن المدينتين محطة للحجيج. وافقت فرنسا على شروطه وأبحرت الباخرة بالأمير وصحبه ليجد نفسه في تولون الفرنسية، حيث ينتظر أوامر باريس للمغادرة نحو الإسكندرية، لكن الأمر جاء ببقائه في تولون، ليدرك خيانة فرنسا للمعاهدة، ولتبدأ مرحلة المقاومة في السجون الفرنسية مع صحبه، بينهم ثلاثون امرأة و15 طفلا دون العامين، توفي بعضهم في السجون، يلقي المخرج الضوء في الفيلم على معاناة الأسرى خلال خمس سنوات، تنتهي عند مجيء نابليون الثالث عام 1852 الذي استغل قضية الأمير لتوطيد حكمه باستقباله بحفاوة بالغة، جعل الصحافة الفرنسية تتحدث عن صداقة الأمير لفرنسا. دعا نابليون الثالث الأمير ليتخذ فرنسا الوطن الثاني، فرفض وتوجه نحو الشرق إلى إسطنبول، حيث استقبله السلطان عبد المجيد باشا وأحسن وفادته، ليقيم عامين في بورصة -مدينة القديسين-حيث يخوض الأمير الجهاد الأكبر مع النفس، فاتجه للكتابة والتأليف، ودراسة آثار الفيلسوف محيي الدين بن عربي الذي يلقب في بورصة بآخر الأولياء، بدا ربط المخرج بين الشخصيتين تهيئة للمشاهد أن يرى ضريحي ابن عربي والأمير في دمشق، حيث استقر فيها منذ عام 1856 حتى وفاته 1883، واللافت عدم التوازن في سرد الأحداث، فقد استغرقت مرحلة المقاومة حتى خروجه من فرنسا 75 دقيقة من زمن الفيلم، بينما مرحلة دمشق وهي الأطول بحياة الأمير كان نصيبها 14 دقيقة، يبدو أن دمشق خذلت الأمير حسب المخرج إبراهيمي يقول إبراهيمي بدأنا تصوير الفيلم قبل ثلاث سنوات مع بداية الثورة السورية، وبسبب الحرب هناك لم نتمكن من الذهاب إلى دمشق، حيث صورنا قصر الأمير من بعيد"، وأضاف "أن فكرة الفيلم تقوم حول تأسيس الدولة بالجزائر، ومنع الاستعمار الفرنسي قيامها فلجأ الأمير عبد القادر للمقاومة، وبالتالي فإن الفيلم ليس سيرة حياته العادية، من جهته يقول الناقد السينمائي أحمد بجاوي إن وجود الأمير بالسجون الفرنسية هو امتداد لمقاومة الأمير بالجزائر، وبعد المعاهدة مع فرنسا ورحيله نحو الشرق، انتهت مقاومة الأمير، وتحدث قارئ التعليق أمازيع كاتب عن عقبات قراءة التعليق بالدارجة الجزائرية، فقال "كنت القّوال (السارد) بالدارجة ليكون أقرب للمتلقي، لكن الصعوبة التي واجهتني أن المصطلحات السياسية ليس لها مقابل بالدارجة، فكنت أغرف من اللغة العربية الفصحى المبسطة فيبقى النص قريبا للمشاهد يذكر أن الفيلم من إنتاج وكالة الإشعاع الثقافي التابعة لوزارة الثقافة في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011، وهو أول فيلم سينمائي وثائقي عن الأمير عبد القادر الجزائري، أجمع المتحدثون في الفيلم على أنه شخصية فريدة تستحق الاحترام وتكون قدوة للأجيال، وقد أغفل الفيلم قضايا كانت محل جدل بما فيها ما يثار حول علاقة الأمير عبد القادر بالماسونية، لكن المخرج إبراهيمي في لقائه مع الصحافة أكد أنه لم يرد الدخول في متاهات الجدل.