الفرحة العارمة التي عاشها الناجحون في البكالوريا ما فتئت تتحول إلى خيبة أمل، بعدما اكتشفوا الواقع المرير الذي تعيشه الجامعة التي طالما اشتاقوا للالتحاق بها. فالعدد الهائل من الطلبة الجدد يجعل من المستحيل متابعة الدراسة في ظروف طبيعية، كما أن الحالة المزرية التي تميز المدرجات والإقامات الجامعية تجعل الطالب يندم على التحاقه بالتعليم العالي، خاصة أنه يعلم أن الشهادة التي سيتحصل عليها لن تضمن له وظيفة يسترزق منها. الأرقام الخيالية للناجحين في البكالوريا جعلت كل المختصين يتشاءمون من المستقبل الذي ينتظر مؤسسة من المفروض أنها تخرّج نخبة هذا البلد، لأن التسهيل المبالغ فيه لاجتياز شهادة البكالوريا يكاد يتفّه الامتحان ويساوي بين التلاميذ المجتهدين والكسالى، والدليل هو العدد الهائل من المتفوقين على الورق، بينما الواقع أن أغلبهم لا يستطيع التسجيل في التخصصات المهمة كالطب والصيدلة والإعلام الآلي، والنتيجة جيوش من الطلبة في الحقوق والإعلام والعلوم السياسية بالنسبة للأدبيين، والبيولوجيا والاقتصاد بالنسبة للعلميين. وكأن الجزائر يمكنها توظيف كل هؤلاء، ما يعيد طرح المشكل الدائم حول تلاؤم التكوين الجامعي مع متطلبات الإدارات والمؤسسات الاقتصادية. فمن السهل أن يطلع وزير أمام الكاميرات ليعلن أن الدولة وفرت لكل ناجح في البكالوريا مقعدا في الجامعة، وهذا إعلان سياسي لا يجيب عن الأسئلة الحقيقية المتعلقة بالتفاصيل، أي هل لكل ناجح في البكالوريا مقعد في التخصص الذي يختاره والجامعة القريبة من مقر سكناه وبالوسائل اللازمة للتعليم الأكاديمي والأساتذة الأكفاء؟ الحقيقة أن الكثير من الطلبة لا يستحقون فعلا الدخول إلى الجامعة، من الطلبة من لا يعرف حتى الاسم الصحيح للتخصص الذي يدرسه، فما بالك بأسماء الأساتذة. وليس ذلك إنقاصا لهم، ولكن بالعكس فإنهم يضيعون الوقت والجهد في تعليم لن يستفيدوا منه شيئا، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، وما عليهم سوى مشاهدة آلاف المتخرجين الذين تحولوا للعمل في وظائف لا تتطلب سنوات التعليم التي قضوها في الجامعة. من حق وزير التربية أن يتخلص من آلاف الطلبة بإنجاحهم في البكالوريا والافتخار بالنسبة العالية أمام رئيس الجمهورية. لكن من حق الجزائر على هذا الوزير أن يبين لنا عدد العلماء والمخترعين الذين أنتجتهم المدرسة الجزائرية، إلا أولئك الذين بذلوا مجهودات شخصية للخروج من الدائرة المملة للتعليم بلا علم. [email protected]