إن المشكل المطروح حاليا داخل حزب جبهة التحرير الوطني جدي وجدي للغاية. وهو يتطلب من المناضلين الوعي ليقتنعوا بأن الأمر لا يتعلق بمعركة لاحتلال مواقع على مستوى معين من المسؤولية داخل هيئات وهياكل الحزب، وإنما الأمر أعمق من ذلك، نظرا لما يحدث على مستوى القاعدة النضالية التي أوشكت أن تفقد ضالتها كلية. والحقيقة أن هذه الوضعية، ومع الأسف، كانت متوقعة منذ مدة قبل انعقاد المؤتمر التاسع في شهر مارس الماضي. وهذا بالنظر للطريقة الفضفاضة التي ميزت الأشغال التحضيرية لهذا المؤتمر. ولوضع النقاش في سياقه الحقيقي، وفهم جذور الأزمة، أذكّر هنا بالمراسلة التي وجهتها في بداية سنة 2010 إلى السيد عبد العزيز بلخادم، الأمين العام آنذاك للهيئة التنفيذية للحزب. وهذا نصها''. ''إلى الأخ الأمين العام للهيئة التنفيذية بعد المراسلة الأخيرة التي وجهتها لكم والتي ضمنتها مخاوفي فيما يتعلق بظروف التحضير لعقد المؤتمر التاسع للحزب وإلحاحي على عدم التسرع في عقده للتمكن قبل ذلك من استدراك الخلل التنظيمي السائد على مستوى الهياكل والهيئات القاعدية، ضمانا لشرعية المندوبين الذين سيمثلونها في المؤتمر، وبالتالي ضمان شرعية المؤتمر وشرعية القيادة والنصوص واللوائح التي ستنبثق عنه. وهاته المخاوف هي نفسها التي عبرت عنها مجددا أثناء الاجتماع الأخير للهيئة التنفيذية لما لمسته من مؤشرات تبعث على القلق. وها أنا أجد نفسي مضطرا لمراسلتكم من جديد لأحمل لكم انشغالي حول ما يجري في العديد من المحافظات من انقسامات وانشقاقات وتجاوزات وصراعات بين المناضلين، تفاقمت جميعها مع الإعلان عن تاريخ المؤتمر، الشيء الذي ينبئ بما لا تحمد عقباه إن تمادينا في إصرارنا على عقد المؤتمر في التاريخ المحدد، رغم الأمور السلبية التي تميز عملية التحضير على مستوى القواعد، والتي تطالعنا بها يوميا التقارير الواردة من مختلف الولايات، والتي تجد بعضها صداها في الجرائد والصحف. وعلى هذا الأساس، ومن باب الحفاظ على وحدة الصفوف ودعم مكانة الحزب في المجتمع، أجدد لكم ندائي لعقد اجتماع طارئ للهيئة التنفيذية قصد دراسة كل المعطيات والمستجدات، واتخاذ القرارات الحاسمة لتصحيح نهائي للأوضاع النظامية التي تتخبط فيها عدة محافظات وقسمات، مما سيسمح باسترجاع الثقة بين المناضلين والمناضلات وعقد المؤتمر في ظروف أفضل. وسوف يترتب عن ذلك منطقيا، تأخير تاريخ عقد المؤتمر المعلن عنه (أي 19 مارس القادم) ببضعة أسابيع تمكننا من وضع القطار في الاتجاه الصحيح. وهو ما سيؤهل حزبنا لخوض المعارك القادمة ولعب دوره القيادي في المجتمع بكل ثقة واطمئنان وفعالية. أخي الأمين العام، أملي أن تولوا اهتماما خاصا لاقتراحي هذا الذي أود توضيحه أكثر ومناقشته معكم من كل الجوانب أثناء مقابلة معكم أرجو أن تحددوا لي موعدا لها''. بعد بقاء هذه المراسلة دون رد كمثيلاتها، وهي كثيرة وجدت نفسي مضطرا للتذكير بمحتواها. وذلك بمناسبة اجتماع الهيئة التنفيذية، ولكن دون جدوى؛ لأن السيد بلخادم يتصرف في الحزب كما يشاء، غير آبه برأي غيره؟. والبقية يعرفها المناضلون والملاحظون؟ والسؤال المطروح الآن هو: ما العمل؟ وكإجابة على هذا السؤال، سبق لي أن اقترحت للخروج من الأزمة تشكيل مجلس من مناضلين مسؤولين تشهد لهم مسيرتهم الطويلة داخل حزب جبهة التحرير الوطني، ليعكف على معالجة الأزمة بتقديم اقتراحات عملية إلى اللجنة المركزية بعد تطهير قائمتها طبقا للقانون وللقانون الأساسي للحزب، مما يسمح لها بإعداد الحزب لمواجهة الاستحقاقات المنتظرة. وفي هذا الإطار، فإن المشاورات قائمة لتجسيد هذا الاقتراح أو أي اقتراح بديل تكون له نفس الأهداف ألا وهي وضع الحزب في الوجهة الصحيحة وإعادته إلى مناضليه الحقيقيين والى هويته الأصلية. وهنا إذن، نلاحظ أن الأمر لا يتعلق بصراع بين الأشخاص أو السباق لاحتلال مناصب المسؤولية، بل الأمر يتعلق بمصير الحزب ومستقبله.