قدم، سهرة أول أمس، بقاعة الموقار العرض الأول لمسرحية ''الحلم المدنس''، للكاتب المسرحي مخلوف بوكروح، والتي أنتجها مسرح السنجاب لبرج منايل. وتحاول المسرحية اختصار الواقع الجزائري من خلال قصة امرأة تبحث عن ابنها المفقود. رفع ستار قاعة الموقار، على مشهد امرأة نائمة (فتيحة وراد) غارقة في أحلام لا متناهية أخذتها إلى إحدى المقابر، تمسح عن شواهدها غبار السنين، لكنها تفاجأ بسماع أصوات تنبعث منها، لتعرف أن الأموات يتحدثون ويتبادلون النقاش والجدل حول مواضيع تهمهم كثيرا. اشتغل بوكروح، كاتب النص، على لا منطق الحلم، ليعيد الأموات إلى الحياة ويخرج أصواتهم من الظلام، وينير شواهدهم بأضواء خافتة ويخرج من أحدها أحد الشباب المتوفين (يحياوي بلال)، بصفته الناطق الرسمي باسم الأموات، يقول في مطلع حديثه: ''أكائن أنا أم غير كائن؟''، وهو مقطع استعاره المؤلف من هملت لشكسبير للدلالة على وجودية الشيء المراد الحديث إليه في المسرحية. تدخل المرأة والميت في جدال ثنائي يتعرفان على بعضهما البعض، يحاولان أن يفهما مكامن الشبه والاختلاف بينهما، ليخبرها الشاب الميت: ''نحن أموات سرقت منا الحياة''، ليصل إلى نقطة مفادها أن وضع الأحياء، اليوم، شبيه بالأموات طالما أن الجميع سلبت منه الحياة عنوة. وهنا يذكر الممثل عبارة ''تجارة الأعضاء''، ليكشفوا للمتفرجين عن فحوى المسرحية التي تتعرض إلى قضية حساسة وهي المتاجرة بالأعضاء البشرية وما يتصل بها من ظواهر العنف والسلب في المجتمع الجزائري. في لغة عربية وسطى، اختار بوكروح أن تتحدث وراد ويحياوي تارة بالفصحى وتارة بالدارجة، ألبس المرأة الملحفة القسنطينية، وترك الآخر في بياض الكفن. إلا أن المتفرج لم يشعر بوجود الممثلين فوق الخشبة، حيث انحصر دورهما في ترجمة النص فقط، أي فكرة المؤلف، ولم تتعد حركتهما على الركح تنقلا خفيفا بين المقابر، أو طوافا متكررا بين ضريح أحد الأولياء الصالحين، الذي اختار بوكروح أن يكونوا الملجأ الأخير للإنسان ليبلغهم همومه، وفي وقت أوصدت ''السلطات المعنية'' أبوابها لتلقى شكاوى الموتى والأحياء معا. تنتهي المرحلة الأولى والثانية من المسرحية بمشهد حواري بين الأم وابنها المهوس بفكرة الهجرة والبحث عن عالم أفضل: ''خليني نحلم.. قبل أن تصدر قرارات تمنع الحلم''، كما قال الابن لوالدته. ليدخل العمل في مرحلته الأخيرة عبر مشهد ''التطهير''، حيث اللجوء إلى عالم الأولياء الصالحين. ومنحت فتيحة وراد للمسرحية لمسة فنية بصوتها وهي تردد مواويل شاوية وأخرى قبائلية، وسط بخور الأولياء الصالحين الذين انتهى عندهم حلم هذه المرأة.