لقد رفع الله من شأن الصدقة بصفة عامة، والزّكاة من ضمنها، وجعلها من أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله عزّ وجلّ؛ ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا ''وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله سرور تدخّله على مؤمن، تكشف عنه كربًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا''، بل إنّ الصدقة لتباهي غيرها من الأعمال وتفخر عليها؛ وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ''إنّ الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم'' رواه ابن خزيمة، وهذه الرفعة للصدقة تشمل صاحبها أيضًا؛ فهو بأفضل المنازل كما قال صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعِلمًا فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعمل فيه حقًا فهذا بأفضل المنازل..'' رواه الترمذي، وصاحب الصدقة أو النّفقة في سبيل الله صاحب اليد العليا، كما أخبر بذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله ''اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السّائلة'' رواه مسلم، وهو من خير النّاس لنفعه إيّاهم، وقد جاء في الحديث المرفوع ''خير النّاس من نفع النّاس''، وهو من أهل المعروف في الآخرة، ويدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم ''أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة''. ولا تقتصر رفعة المتصدق على الآخرة بل هي شاملة للدنيا؛ فمَن جاد ساد، ومَن بخِل رذِل، قال محمد بن حبان: كلّ مَن ساد في الجاهلية والإسلام حتّى عرف بالسُّؤدد وانقادَ له قومُه ورحَل إليه القاصي والداني، لم يكُن كمال سؤدده إلاّ بإطعام الطعام وإكرام الضيف. والمتصدق ذو يد على آخذ الصدقة، بل إنّه كما قيل: يرتهِن الشُّكر، ويسترق بصدقته الحر. ولذا كان ابن السماك يقول: يا عجبي لمَن يشتري المماليك بالثّمن، ولا يشتري الأحرار بالمعروف.