منذ أن نزلت دبابات الجيش المصري إلى ميدان التحرير والكل يشيد بالموقف الوطني للجنود والضباط، كما زاد إعلان الناطق باسم القوات المسلحة أن الجيش لن يطلق النار على المتظاهرين في جمعة الرحيل، إعجاب الشعب المصري بالمؤسسة العسكرية. ولا خلاف أن الجيش كان هو المؤسسة الوحيدة التي كان يمكن أن يتقبل الشباب الغاضب وجودها، خاصة بعد المجزرة التي ارتكبتها أجهزة الأمن التابعة لوزير الداخلية المخلوع حبيب العادلي، فقد شاهد العالم عبر شاشات التلفزيون وفي مواقع فايس بوك وتويتر كيف أن أفراد الأمن المركزي ومباحث أمن الدولة كانوا يطلقون النار على المتظاهرين السلميين ويدهسون بشاحناتهم عشرات الأشخاص، فقتلوا ما لا يقل عن 300 شاب منهم من لا يزال في سن الطفولة. وبدا واضحا أنه سيكون للجيش المصري الدور الأهم في الأزمة التي وقع فيها حسني مبارك، عندما تأخر في تلبية مطالب المحتجين، لدرجة أن كل قنوات الحوار مع نائب الرئيس المعيّن، اللواء عمر سليمان، أصبحت مغلقة وبلا جدوى، مادامت الكلمة الأخيرة ستعود للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع المشير طنطاوي. وتعالت الأصوات أكثر للمطالبة بتدخل الجيش بعد الخطاب الرابع لحسني مبارك، عندما أعلن البقاء في السلطة مستفزا مشاعر ثلاثة ملايين معتصم في ميدان التحرير. وتسبب ذلك في رفع سقف المطالب إلى تنحية عمر سليمان كذلك، لأنه قبل التفويض ببعض الصلاحيات مقابل بقاء مبارك في قصر العروبة. وبعد أن تدخل الجيش وأزاح مبارك في انتظار محاكمته مع كل أفراد عائلته، تحوّل الدور الأساسي للمؤسسة العسكرية إلى حماية الديمقراطية الناشئة في بلد الثمانين مليون. لكن هذا الدور الجديد بالنسبة لضباط قضوا حياتهم يطبقون أوامر غير مقتنعين بها، لن يكون سهلا، خاصة في ظل عدم وجود معارضة قوية تقوّم أي اعوجاج في قيادة القوات المسلحة. وقد كان شباب الثورة المصرية واعيا جيدا بهذه المخاطر، لذلك دعا إلى مسيرة مليونية، الجمعة القادم، لضمان تنفيذ كل المطالب، وليقول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة إنه لن يرضى بأقل من نظام يعيش فيه الشعب حرا في اختيار مسؤوليه ويسهر على العدالة بين أفراده.