لم يكن غريبا على الدول العربية اتخاذ قرارات وصفتها ''لوس أنجلس تايمز'' بالمخجلة والمنافقة، لأنها في محصلتها تنم عن قراءات واعتبارات ذاتية وشخصية لصناع القرار الراغبين في القصاص من شخص القذافي أولا، وإن كان نتيجة ذلك تدمير بلد بأكمله واحتلاله على شاكلة الحالة العراقية وصدام حسين. فسياسة العصا والجزرة المطبقة بإحكام من قبل التحالف الغربي، خارج نطاق الأعراف والقوانين الدولية ليست جديدة، فقد سبق للولايات المتحدة أن تدخلت في الصومال من باب التدخل الإنساني، لتجعل من الصومال أول نموذج للفوضى الخلاقة، ولتطبيق نظريات السيادة المحدودة لزبينيو بريجنسكي وجوزيف ناي، وما تبعها من نظريات مثل القبلية الجديدة لجوزيف ناي أيضا، والحروب اللامتوازية التي طبقت في أفغانستان وتطبق في عدة مناطق. فالمواقف العربية ظلت تتسم بالازدواجية، ابتداء من قطر، الدولة التي تسعى إلى إحداث اختراقات سياسية ودبلوماسية في المنطقة، وإن كان ذلك على حساب دول عربية أخرى، وتطرح نفسها كبديل سياسي قائم لتجسيد السياسات الأمريكيةالجديدة في المنطقة، بما في ذلك ''تأهيل إسرائيل'' لدى العرب من خلال البوابة الاقتصادية والتطبيع الاقتصادي التدريجي، ثم المملكة العربية السعودية، الراعي الأول لمنطقة الخليج والضامن لمصالح الغرب الطاقوية. فالمنطق العربي الذي دفع إلى اتخاذ قرار فرض الحظر الجوي على ليبيا، هو نفس المنطق الذي كان يسري على العراق في فترة حكم الرئيس صدام حسين، أي المساهمة في تحجيم وإضعاف نظام ''مقلق'' لا يتماشى والترتيبات الإقليمية التي باشرتها الأنظمة العربية التي تعرف مجازا ب''المعتدلة''. ولكن ما دام النظام الفرعي العربي قد زال وانكسر مع خروج العديد من الدول من دائرة التوازنات، على رأسها العراق المحتل بإرادة عربية وعزل سوريا، ثم انكفاء الدور المصري المنشغل بالترتيبات الداخلية، فإن الحسابات الفردية للزعماء هي التي تحكمت في اتخاذ القرارات بعيدا عن الاعتبارات الجيوسياسية والاستراتيجية، بدليل التخبط الكبير والضبابية التي واجهت بها الأنظمة العربية الوضع بعد بداية العمليات العسكرية، واعتماد ازدواجية في الخطاب السياسي لتفادي مضاعفات مثل هذه العمليات على الشارع وردة فعله تجاه أنظمة يمكن أن ترى على أنها غادرة، خاصة بعد التناقضات التي برزت في أعقاب تدهور الوضع في البحرين، والذي تم التغاضي عنه عربيا وغربيا، بالنظر إلى قراءة الوضع بكونه صراعا مذهبيا تساهم فيه إيران لضرب استقرار دول الخليج وضرورة تحجيم التأثير الإيراني في المنطقة. وعليه كان لزاما اعتماد سياسة الترابط وتبادل المصالح بين بلدان الخليج والبلدان الغربية التي دخلت في صراع غير معلن مع القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة، إيران، على خلفية الملف النووي، ومنه تكسب دول الخليج تغاضي الأطراف الغربية عما يحدث في البحرين، نظير مساندة مطلقة لمساعي الغرب للإطاحة بمعمر القذافي، النظام الوحيد غير المؤهل إقليميا للترتيبات الجديدة المرتقبة، إلى جانب سوريا التي تظل ضمن قائمة الدول المارقة الواجب تحجيم دورها بعد إخراجها من دائرة التأثير والنفوذ في لبنان، وينتظر أن تكون الهدف المقبل لمسار التغيير الغربي بتواطؤ عربي.